أكدت المستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، استحقاق الجدل المثار حول المادة الثانية من الدستور لتماسها مع مكونات الشعب المصرى بجناحيه المسلم والمسيحى، وارتباطها بتطبيق مفهوم المواطنة كأساس للدولة، كما ورد فى المادة الأولى من الدستور السابق، التى تنص على أننا دولة نظامها ديمقراطى يقوم على أساس المواطنة.
وأضافت، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: «تنص المادة الثانية من دستور 1971 على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع)، ويجب أن نضع فى الاعتبار أن المرجعية فى تحديد الإطار الدستورى يجب أن تحترم بذاتها مدنية الدولة الحديثة، وهو ما يعنى الابتعاد بالدستور عن أى مؤسسة دينية لتفسيره، إسلامية كانت أو مسيحية، للابتعاد عن الهيمنة الدينية على سلطة الدولة، ومن هنا يأتى التأكيد على أهمية دور المحكمة الدستورية العليا التى تمارس دورها كهيئة مرجعية تحرس الدستور وتمنع أى انتهاك يمكن أن تتعرض له نصوصه».
وتابعت «الجبالى» أن المناقشات حول المادة الثانية فى الدستور عكست حجم ما تعانيه الثقافة السائدة فى المجتمع من فوضى الدلالات الاصطلاحية للكلمات التى وردت فى نصوص الدستور، ومن بينها الفارق بين الشريعة والقانون، والمبادئ والأحكام، ومبادئ القانون ومصادر القانون. وقالت: «علينا التوضيح أن مبادئ الشريعة الإسلامية جزء من المبادئ العامة للقانون الذى تتعدد مصادره بين قواعد موضوعية منقولة من تشريع أجنبى، أو شريعة دينية، وكذلك علينا التفريق بين المبادئ فى إطار النظرية العامة للقانون وبين الأحكام المأخوذة منها، والتى تعد فى النهاية أحكاماً بشرية تخضع للتعديل، وتلك جزئية مهمة لفض الاشتباك الوهمى حول إمكانية التعارض بين المبادئ العامة للشريعة الإسلامية وأحكام القانون الوضعى لتصير العلاقة بينهما تفاعلا حيا يحقق مصالح المجتمع».
وعن الإطار الدستورى لعبارة «الإسلام دين الدولة» أكدت المستشارة تهانى الجبالى أنه من الطبيعى أن ينعكس تأثير غالبية المواطنين المنتمين لدين ما على مرجعية الدولة الثقافية، وهو ما اتضح فى دستور الاتحاد الأوروبى الذى لم يخل من نص يؤكد على مرجعية الثقافة المسيحية لأوروبا، رغم كل ما فى تلك القارة من تقدم ونضج سياسى، ولكن من المفيد توضيح عدد من الأمور للإطار الدستورى لمفهوم «الإسلام دين الدولة»، وهو ما تقول عنه: «لا يجيز الإطار الدستورى لهذا النص المساس بالحريات الدينية، خاصة حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية المتعددة فى المجتمع، باعتبارها أحد الحقوق اللصيقة بحق المواطنة، وبالتالى فإن عبارة (إسلام الدولة) تعنى بالضرورة الإسلام الحضارى الذى يتجاوز الطقوس والشعائر لتقديم نموذج الدولة القائم على العدل والمساواة والحرية، وفق مفاهيم تعكس شكل الدولة الحديثة وأساليب إدارتها ديمقراطيا، مع الأخذ من التجارب المحيطة الناجحة، وفقا لحديث الرسول الكريم (خذ الحكمة ولا يضرك من أى وعاء خرجت)، مع الإشارة إلى أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية التى تخضع لهيمنة أو كهنوت مثل أوروبا، وبالتالى فهو لم يعرف احتكار فئة أو فرد أو مؤسسة لتفسير النصوص».
وأضافت: كل ما مضى يستوجب مراجعة شاملة لما يعرف باسم «فقه الولاية»، لتكون الولاية العامة فى الدولة المدنية الحديثة للسلطات نفسها، لا للأفراد القائمين عليها، ومن ثم فلا مانع من مراقبة أدائهم ومساءلتهم ومحاسبتهم وإقصائهم إذا أخطأوا، فلا عصمة لأى أحد فى الدولة مهما كانت مكانته الدينية، لأن الشعب مصدر السلطات وأصل الرقابة على فاعلية مؤسسات الدولة وسلطاتها.
وفى إطار فهم الإطار التشريعى لعبارة «اللغة العربية لغتها الرسمية» تشير المستشارة تهانى الجبالى إلى أن النص على سيادة اللغة العربية كلغة رسمية للدولة يجب أن يعكس احتراماً لها كلغة قومية فى التعليم والتعبير الرسمى عن الدولة فى المحافل الدولية، وأن سيادتها كلغة رسمية لا تعنى ضعف الاهتمام بتعلم لغات أخرى والانفتاح على الثقافات المرتبطة بها، بالإضافة إلى أن الالتزام الدستورى باللغة العربية يعنى أيضا تطويرها لاستيعاب المصطلحات والعلوم الحديثة.
وأوضحت أن الإطار الدستورى لعبارة «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع» يجب أن يخضع للفهم التاريخى للمعنى الذى سبق استخدامه من قبل منذ أربعينيات القرن الماضى، ولكن مع التشديد على توضيح الدكتور عبدالرازق السنهورى بأن المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية التى لا يوجد خلاف بشأنها، وليست أحكامها التفصيلية، هى المصدر الرئيسى للتشريع. وأشارت إلى أن المشروع الدستورى أورد تعبير «مبادئ الشريعة الإسلامية» لا الأحكام، وبينهما فارق كبير لأن المبادئ تمثل المقاصد العليا الثابتة بينما الأحكام متغيرة تخضع للاختلاف الفقهى فى استنباطها، وقد استقرت المبادئ على عدم إجماع الفقهاء على الأخذ بالحجية المطلقة للأحكام الشرعية المستنبطة من الشريعة. وقد اقترن الإطار الدستورى لتلك العبارة بمنح المشرع سلطة تقديرية واسعة فى تبنى الحل الذى يراه من الحلول التى أوردها الفقه دون إلزامه بفقه معين، ولكن بانفتاح على كل المذاهب والآراء، وأقرت المحكمة الدستورية العليا بجواز الاجتهاد فى المسائل الاختلافية وإعمال حكم العقل فيما لا نص فيه توصلا لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل الله، وعدم إضفاء قدسية على أقوال أحد الفقهاء، كما أقرت المحكمة حق الاجتهاد لولى الأمر والمشرع الوطنى فيما هو ظنى الثبوت أو الأدلة أو أحدهما وربطها بمصالح الناس، وأقرت كذلك وجوب احترام الأحكام الخاصة بغير المسلمين ولوائحهم الخاصة وامتداد المعايير والأحكام للوائحهم الخاصة فى غير شؤون العقيدة».