بعد مرور 11 عاماً على أحداث سبتمبر، حينما شاهد العالم تفجيرات برجى مركز التجارة العالمين فى نيويورك، وتشكلت حقبة جديدة بعدها، أعادت تعريف أولويات الأمن القومى الأمريكى، وهو الأمر الذى ظل طوال هذه المدة يتصدر أجندات المرشحين للانتخابات الرئاسية، وأثار جدلاً طويلاً بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن إنهاء الحرب فى العراق والانسحاب من أفغانستان، فضلاً عن اغتيال زعيم تنظيم «القاعدة»، أسامة بن لادن فى مايو 2010، وإضعاف التنظيم، جعلت الولايات المتحدة تبدو أكثر أمناً، كما يرى بعض المحللين، وأقوى مما كانت عليه، حسبما أكد الرئيس الأمريكى باراك أوباما.
لم تكن تفجيرات 11 سبتمبر 2001 مجرد عمل إرهابى، مهما كانت خطورته، بقدر ما شكلت منعطفاً حاداً ومفاجئاً فى مسار السياسة الخارجية الأمريكية وفى تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة، فقد استثمر الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش حادثة 11 سبتمبر فى إدراج مفاهيم جديدة فى قاموس السياسة الخارجية الأمريكية، مثل «الإرهاب» و«الحروب الاستباقية»، كما تمت «عسكرة» العلاقة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامى، مبرراً ذلك بالمخاطر التى تحيط بالولايات المتحدة، والتى ينبغى تعقبها قبل أن تصل إلى الأراضى الأمريكية.
وبعد مضى أكثر من عقد من الزمن على أحداث سقط ضحيتها نحو 3 آلاف شخص، وتبعهم أكثر من مليون قتيل فى «الحرب على الإرهاب» فى أفغانستان والعراق، وتمكن الأمريكيون من النيل من زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن فى مايو قبل الماضى، لم يبق من هذه الهجمات سوى الذكرى وما خلّفته من عداء وحروب، واقتصاد أمريكى هش بفضل النفقات العسكرية التى استمرت طوال العقد الماضى، والأزمات الاقتصادية التى عانى منها العالم خلال الأعوام القليلة الماضية. ورغم أن شعبية «أوباما» ارتفعت بعد إعلان مقتل بن لادن، حيث ترتبط هذه الشخصية بذكريات أليمة فى أذهان الشعب الأمريكى، فإن الحرب على الإرهاب لم تعد تشغل المواطن الأمريكى بقوة، فى ظل هيمنة الأوضاع الاقتصادية المتردية.
ومع اقتراب سباق الرئاسة الأمريكية المقررة فى نوفمبر المقبل، فإن أوباما ومنافسه الجمهورى ميت رومنى، قد اتفقا فى المضمون على أن الاقتصاد يأتى على قائمة أجندات الحملات الانتخابية، وإن اختلفا فى طريقة التنفيذ. وفى هذا السياق، أكدت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية أنه بخلاف الانتخابات الرئاسية السابقة، لم تعد قضية الأمن القومى حاضرة بقوة ضمن أولويات البرامج الانتخابية للحزبين الديمقراطى والجمهورى، بعدما أصبحت الولايات المتحدة آمنة، وأوضحت أن الأمن القومى ترك مكانه فى الحملات الانتخابية لكيفية النهوض بالاقتصاد الأمريكى، مشيرة إلى أن «رومنى» لم يتطرق إلى «الإرهاب» أو «الحرب» خلال خطاب قبول ترشحه أمام المؤتمر الجمهورى الأسبوع الماضى. فى المقابل، يعد الأمن القومى الأمريكى نقطة قوة لدى الفريق الديمقراطى، وهو ما بدا واضحاً فى خطاب «جو بايدن»، نائب الرئيس الأمريكى، أمام مؤتمر الحزب الديمقراطى قبل أيام.
حينما قال: «أسامة بن لادن مات، وجنرال موتورز موجودة»، فى إشارة إلى إنجازات «أوباما» فى القضاء على الإرهاب، ودفع عجلة الاقتصاد، بعدما أنقذ صناعة السيارات وعدداً من الشركات من الإفلاس. من جانبها، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» إن «أوباما» أول ديمقراطى يخوض الانتخابات الرئاسية لفترة ثانية، مستغلاً الأمن القومى كمركز قوة وليس نقطة ضعف.
من جانبه، قال فيل ماد، مسؤول رفيع فى مكافحة الإرهاب فى مكتب التحقيقات الفيدرالى (إف بى آى) والمخابرات الأمريكية (سى آى إيه) خلال عهدى الرئيس السابق جورج بوش وأوباما: «لقد قلت منذ 4 أعوام إن تنظيم القاعدة ينمو باعتباره تهديداً كبيراً، لكننى اليوم يمكن أن أقول إن خطر القاعدة يتراجع».
ربما لم يتمكن «أوباما» من تحقيق وعوده الانتخابية التى تعهد بها عام 2008 خاصة فيما يتعلق بدفع الاقتصاد الأمريكى بالقدر المطلوب، إلا أن الكثيريين اتفقوا على أنه نجح فى أن ينهى عهد الحروب والمخاطر الخارجية التى اعتبرت نقطة تحول فى تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة والعديد من الدول العربية والإسلامية.