أكدت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، أن مطالبة بعض أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور بتعديل المادة الثانية مجرد «شو» إعلامى، معربة عن حزنها بسبب تطاول هؤلاء الأعضاء على أهل العلم والاختصاص.
وقالت آمنة نصير لـ«المصرى اليوم» إن الفكر السلفى هو الخطر الحقيقى على مصر، مؤكدة أن الشعب المصرى لن يقبل سوى الفكر الوسطى المعتدل.. وإلى نص الحوار:
■ ما رأيك فى مطالبة بعض أعضاء اللجنة التأسيسية للدستور بتعديل المادة الثانية لتنص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بدلاً من مبادئ الشريعة؟
- «أقسم بالله العظيم» أنه لا يوجد أحد يعلم ما يقول، وكل ما يحدث هو نوع من «الشو» والادعاء بأنهم حماة هذا الدين، وكأن الدين كان بلا حماية إلى أن خرج هؤلاء ونصبوا أنفسهم من أجل الدفاع عنه، وما يحزننى هو تطاول بعض أعضاء «التأسيسية» على أهل الاختصاص والعلم من الذين يعرفون المصطلحات الدينية ويدركون قيمة ومكانة مبادئ الشريعة الإسلامية التى تشمل كل أمور الدنيا والآخرة، فالعظمة هنا هى الوقوف أمام حسن التطبيق وليس أمام القيل والقال، وما يحدث فى التأسيسية هو نوع من «السفسطة» الكلامية التى تذكرنى بحوار بنى إسرائيل مع موسى عليه السلام عندما طلب منهم الرب أن يذبحوا بقرة حتى يتضح من قاتل الغلام فأخذوا يسفسطون ويفصّلون ما هى البقرة وما هى درجة لونها، ودخلوا فى حوار لا يختلف عما أراه الآن فى التأسيسية.
■ إذن مَنْ المسؤول عن صياغة المادة الثانية من الدستور؟
- الأزهر الشريف هو المرجعية، وهو من يقود المسيرة العقائدية والفقهية والشرعية لمصر لأكثر من ألف سنة، وإن كان الأزهر عانى من فترات ترهل سيطرت فيها الدولة على هذه المؤسسة العريقة، فرغم ذلك يبقى الأزهر هو المرجعية لهذه الأمة التى عاشت على الوسطية، وعلى الأزهر أن يفعِّل دوره ويقف أمام هذا التشرذم.
■ كلامك يعنى أن تظل المادة الثانية من الدستور دون تغيير فى صياغتها؟
- نحن لم ندخل الإسلام لأول مرة، ولم يطالب أحد بتغييرها، حتى أهلى من المسيحيين المصريين لم يعترضوا على المادة الثانية، ولكننا اليوم نختلق قضية ونقف أمام ظاهرها دون باطنها.
■ هل نعتبر ما يحدث من خلاف حول المادة الثانية بمثابة صدام بين الأزهر من جهة، وجماعة الإخوان والسلفيين من جهة أخرى؟
- لم يشهد التاريخ على مدى 83 عاماً منذ أن نشأت جماعة الإخوان، أى خلاف مع الأزهر إلا فيما عُرف بأحداث «ميليشيات الأزهر»، ولكن الصدام الحقيقى بين وسطية الأزهر والفكر الزاحف إلينا من دول الجوار، ذلك الفكر الذى رفعت رايته «السلفية»، فهم أهل «القيل والقال» ويسيرون على نهج بنى إسرائيل فى السفسطة.
■ هل صدى أحداث «ميليشيات الأزهر» لايزال يعكر صفو العلاقة بين الأزهر وجماعة الإخوان؟
- للأسف الشديد قضية «ميليشيات الأزهر» حملت أكثر مما تحتمل، وهى كانت غلطة شديدة بأننا ترجمنا تصرف بعض الشباب فى ذلك الوقت بوصفهم «ميليشيات»، وكان من الممكن احتواؤهم، وكم غضبت كثيراً من جامعتى العريقة بسبب ذلك، وتبقى الحقيقة أن هذا التصادم لم يكن له محل من الإعراب، بل كان فيه كثير من الافتعال لارتباطه بفكر الدولة آنذاك.
■ لكن البعض يرى أن هناك صداماً بين وسطية الأزهر وفكر الإخوان؟
- ما أستطيع أن أرصده هو أن فكر الإخوان يتميز بالوسطية لأنه نابع من قلب المجتمع المصرى، وإن اختلط بمطامعهم فى الاستيلاء على حكم البلاد، بخلاف الفكر السلفى، وأقولها وأنا أهل اختصاص: إن الفكر السلفى جاء إلينا مغلفاً بثقافة شبه الجزيرة العربية وبكل تراثها الفقهى والفكرى المتشدد المتوارث عن محمد بن عبدالوهاب، ذلك الفكر الذى انطفأ فى الجزيرة العربية وباتت مصر هى أرض الاستبدال لإحيائه، وتنفق عليه المليارات، وأصبحت الفضائيات الدينية تمطر سمواتنا وتبث هذا الفكر ليل نهار، مما أوجد حالة من الانبهار لدى المجتمع المصرى.
■ ولماذا لم تتم مقاومة هذا الفكر الوافد من الأزهر الشريف؟
- للأسف تراجع دور الأزهر ودخل «جراب» الحكومة، كما ساعد على انتشار هذا الفكر الوافد الأمية الدينية والأبجدية، والفقر الذى يكسر النفس، والانبهار بمظهر من لقبوا أنفسهم بالسلف، وأقول لمن أخذوا مصطلح «السلف» من محمد بن عبدالوهاب كنوع من الزينة، عليكم بالعودة إلى منهج أبوالفرج الجوزى شيخ السلفيين فى مباحث العقيدة، وتلميذه ابن تيمية، حتى تعرفوا حقيقة سلفنا وتراثنا، فنحن أمة لا تقرأ، فالخطر الحقيقى على مصر هو الفكر السلفى.
■ ألا تخشين الدخول فى صدام مع الجماعة السلفية مرة أخرى؟
- قالوا عنى من قبل «آمنة نصير آخرها الإعدادية»، وهذا الكلام لا يهمنى، وأقول لهم إننى أعمل فى سوبر ماركت، «أنا حرة ولا أحد شريكى»، فرسالة الدكتوراه التى أحملها عن «محمد بن عبدالوهاب ومنهجه فى مباحث العقيدة» وسبقتها رسالة الماجستير عن «أبوالفرج الجوزى»، إذن تخصصى فى الفكر السلفى.
■ كيف ترين العلاقة بين الإخوان والسلفيين حالياً؟
- علاقة خطر، قلت قبل ذلك «فكوا عن بعض» لابد أن يظهر كل تيار فكرى بسماته الخاصة به، لأن خلط الأوراق والبراجماتية التى بينهما ليست فى صالح الإخوان، وأنصحهما بالعودة إلى وسطية الأزهر، وأقول للسلفيين «أصلحوا من أنفسكم» بعيداً عن خندق دول الجوار، لأن ثقافة الشعب المصرى بموروثه الحضارى المختلط بالثقافة الفرعونية والقبطية والإسلامية لن تقبل سوى الفكر الوسطى.
■ ما مفهوم الدولة المدنية فى الإسلام؟
- الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، والدولة المدنية فى الإسلام هى التى ترعى المجتمع فى إطار قانونى وقيم دينية، وتعرف الحلال من الحرام، وهى دولة العدل، أما الدولة الدينية فهى القائمة على «كهنوت» رجال الدين، الذين يلقبون أنفسهم بظل الله على الأرض، ويزعمون ملكيتهم صك الغفران، وتلك الدولة حاربتها أوروبا وقضت عليها منذ قرون، أما الإسلام فقد نبذ الدولة الدينية وجرد الإنسان من جميع أشكال العبودية، وانفرد الله بالعبودية وحده.
■ ماذا عن علاقة الحاكم بالمحكوم فى الإسلام؟
- الحاكم العادل هو من يتقى الله فى رعيته، ويعرف أن الحكم أمانة، كما قال عمر بن الخطاب، رضى الله عنه «وليت عليكم ولست بأفضل منكم، فإن أصبت سددونى وإن أخطأت قومونى»، وعلى الحاكم أن يختار بطانة صالحة لا تبغى انتفاعاً، وتعرف مسؤوليتها أمام الله، لأن الحاكم الذى لا يحسن اختيار بطانته يعاقب ضعف عقاب البطانة السيئة، وكان عمر بن عبدالعزيز، رضى الله عنه، يقول «هذه الدولة لكم جميعاً، ولى عليكم حسن الطاعة وصدق المودة»، أما بالنسبة للشعب فأطالبه بأن ينسى نفاق الحاكم ويتعلم النقد المؤدب، وعلى شبابنا أن يكف عن الكاريكاتير الساخر والتهريج بالنكات طوال الوقت، وأطالب الجميع بالعمل حتى ننهض بهذا البلد من عثراته.
■ ومتى يجوز الخروج على الحاكم؟
- إذا لم يطع الله فى أمره، ونحن اخترنا الرئيس، وعندما نختار وجب علينا السمع والطاعة، وإن كان هناك خروج يجب أن يكون بأدب، خاصة أننا نملك الوسائل الشرعية التى يمكن بها أن تصل المظالم إلى الحاكم، وكفانا تهريجاً.
■ هل ديوان المظالم الذى أنشئ مؤخراً خطوة لحل مشاكل الشعب؟
- «ديوان المظالم» خطوة جيدة ويجب أن يقف عليه أعظم الرجال أمانة وقوة وتحملاً للمسؤولية، ولكن أنصح المتظاهرين فى التحرير أو المنصة أو بالإسكندرية، بأن ينصرفوا إلى العمل، فالله يأمرنا بالعمل ولم يأمرنا بالتظاهر على «الفاضى والمليان»، وإن كنت أحترم رغبات الناس فى التعبير عن مطالبهم، ولكن يجب أن يكون إبداء الرأى فى إطار الانضباط.
■ وماذا عن حقوق المرأة؟
- «ماعنديش عشم» فى عودة حقوقها حالياً، وعلينا أن نعيد النظر فى رؤية مجلس الشعب مؤخراً للمرأة، وما قالته النائبة السابقة عزة الجرف فى حقها.