سفيرنا السابق فى واشنطن يواصل حواره لـ«المصرى اليوم» (2 -2) .. نبيل فهمى: العرب لن يحاربوا إسرائيل دون مصر.. ومصر لن تحارب

كتب: رانيا بدوي الخميس 12-08-2010 01:32

المياه، الغذاء، الطاقة، ودول الجوار، هذه هى قائمة الأولويات المصرية من وجهة نظر السفير نبيل فهمى التى يجب على أساسها التخطيط للعلاقات مع الآخرين وإعادة النظر فى العلاقات الدولية بين مصر والعالم الخارجى، فيما يخص تلبية هذه الاحتياجات، مع ضرورة وضع سيناريو للفشل وآخر للنجاح فيما يخص النزاعات الإقليمية المؤثرة على مصر، حتى لا نفاجأ بالنتائج، هذا ما قاله نبيل فهمى عندما سألته: ماذا لو عين وزيرا للخارجية؟ لكن أكثر ما لفت انتباهى أثناء تفسير السفير نبيل فهمى لكل نقطة من هذه النقاط، ما قاله عن السودان كإحدى دول الجوار، كنا نختار فى مرحلة من المراحل سفيرنا فى السودان على درجة وزير، وحدث ذات مرة أن أرسلنا وكيلا لوزارة الخارجية، فأرسل لنا السودانيون يتساءلون عن الأمر، فقلنا لهم: «إن هذا السفير ربما يكون وكيلا للوزارة وليس وزيرا، لكنه رقم اثنين فى وزارة الخارجية، إضافة إلى أنه كان أحد ضباط الثورة ورجل له مكانته»

واستطرد نبيل فهمى: هذا كان يحدث، والسودان لم تكن أهم أو أغنى دولة فى العالم، لكنها كانت على رأس الأولويات المصرية.

فى الحلقة الثانية من الحوار يتحدث نبيل فهمى عن أزمة حوض النيل، ويشرح كيف يسير أوباما على نفس نهج بوش فيما يخص عملية السلام، كما أنه ولأول مرة يتحدث فى الشأن الداخلى المصرى، وبدأنا الحوار من هذه النقطة:

لنبدأ بسؤال سبق أن طرحه عليك الكاتب الراحل مجدى مهنا- رحمه الله- عندما سألك عن التعديلات الدستورية، وكان فى إجابتك الكثير من التحفظ، وتعللت بكونك سفيرا لمصر فى واشنطن، والآن كيف ترى المطالبات المتعددة بتعديل الدستور؟

- الدستور المصرى وضع فى مرحلة زمنية معينة تعبر عن فلسفة الثورة، وتم تعديله فى مراحل أخرى بشكل جزئى، ورغم أنه صيغ بجهد سياسى واجتماعى وقانونى يحترم، فإنه ظل يعبر عن مرحلة تجاوزناها، والدستور وثيقة قابلة للتغيير من مرحلة إلى أخرى ليتوافق مع تطور النظام المصرى، ومن الطبيعى أن تثار مسألة التعديل الدستورى مع بداية موسم الانتخابات، لذا أرى ضرورة تعديل الدستور، ولكن مع النظر إليه بدقة شديدة وتفنيد كل جوانبه، وأن يتم التعديل بشكل شامل وليس جزئياً، بما يتماشى مع الأوضاع الجديدة حتى لا نضطر إلى تعديله بشكل متكرر.

إذا افترضنا موافقة الحزب الوطنى على إجراء التعديلات البعض يشكك فى مصداقيتها، فى ظل سيطرة الحزب الوطنى على بقية الأحزاب، إضافة إلى مناداة آخرين بتعديل الدستور بالكامل قبل إجراء الانتخابات.. فكيف تحل هذه المعضلة؟

- لديك حق، وأنا أتفق مع من يقول بعدم وجود مصداقية للتعديلات فى حالة سيطرة حزب على الآخرين، كما أن مسألة إجراء التعديلات قبل الانتخابات أمر صعب والحل من وجهة نظرى أن يتعهد جميع المرشحين للرئاسة بتعديل الدستور، ووضع بند واضح وصريح بأن أى رئيس سينتخب بعد الرئيس مبارك، يتولى الرئاسة لدورتين رئاسيتين فقط، وهذا البند من شأنه أن يضفى مصداقية على باقى التعديلات حتى لو كانت هناك هيمنة لحزب على الآخرين.

وماذا لو رشح الرئيس مبارك نفسه؟

- أكن له كل الاحترام، وقد مثلته فى الخارج مرتين، لكننى أدعوه وغيره من المرشحين إلى التعهد بالتعديل الدستورى، وإذا رشح نفسه للرئاسة وفاز فى الانتخابات أرجو أن يحدد مدة الرئاسة لمن سيأتى بعده، أنا أقصد كل المرشحين، وعليهم اعتبار تعديل الدستور وتحديد مدة الرئاسة نقطة الالتقاء بينهم، يختلفون على أى شىء بعدها لا يهم.

بصرف النظر عن وضع هذا البند، ما هى باقى البنود التى ترى وجوب تعديلها؟

- لا أريد التعرض لبنود بعينها، ولكن يجب أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة، منها، هل نسب التمثيل البرلمانى الحالية الخاصة بالعمال والفلاحين مازالت مفيدة، أم كان لها هدف فى الماضى، وهو تحقيق عدالة اجتماعية لما عانته هاتان الطبقتان قبل الثورة، وقد انتفى الهدف الآن؟ كما يجب النظر فى جميع النصوص الاشتراكية بعد تحولنا إلى اقتصاد السوق الحرة، كذلك كنا نتحدث فى الماضى عن حزب واحد واستفتاء عام على الرئاسة، اليوم لدينا تعددية حزبية وانتخابات رئاسية، كما علينا أن نضع فى الدستور، ليس فقط ما يضمن التعددية الحزبية، إنما التنافس بين الأحزاب، كل هذه أمور يجب مراعاتها أثناء مراجعتنا للدستور وإجراء التعديلات، لذا فإن التعديلات الدستورية مسألة صعبة جدا، وتحتاج إلى وقت وجهد وتدقيق.

ننتقل إلى تصريحات السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبى، حول مقتل خالد سعيد، التى أثارت أزمات وتحفظات فى مصر، وهنا أود أن أسألك: هل تصريحات السفير الأمريكى تخضع لتعليمات أمريكية أم أنها اجتهاد شخصى من السفيرة؟

- لا نستطيع التعميم على كل الحالات، ولكن بغض النظر عن تصريحات سكوبى فإن التصريحات نفسها صدرت من وزارة الخارجية الأمريكية، بل ومن البيت الأبيض نفسه، وليس مهما ما إذا كانت هذه التصريحات بتعليمات أم لا، وكل ما أتحفظ عليه أن يتم التعقيب على قضايا بعينها قبل أن يترك المجال للمؤسسة القضائية الوطنية أن تحقق وتصدر أحكامها، نحن نعيش الآن فى إطار منظومة عالمية توضع فيها أسس للتعامل فى القضايا الدولية، وهناك أرضية لكيفية التعامل على المستوى الداخلى للدول، وعلى كل دولة الالتزام بهذه القواعد، لكن فى إطار الممارسة ذاتها يجب على الطرف الخارجى أن يتابع ما يريد دون تدخل، إلا إذا وجد قصورا فى التحقيق وفى النظام المتبع، وأن يكون القصور متكرراً وليس حادثاً استثنائياً، فأى دولة أجنبية تريد أن تتابع أى قضية أهلا وسهلا بها، ولكن لا يجب التعقيب قبل التحقيق.

لكن البعض يرفض التعقيب الأجنبى لا قبل التحقيق ولا بعده، ولا حتى فى حالة حدوث أى تقصير، فهو شأن داخلى؟

- أتفق معك تماما.. فلو أن كل دول عقبت على الأحكام الداخلية للدول الأخرى سنعيش فى حالة من الغوغائية، وما أقوله إن العالم تحكمه أسس مشتركة فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفى إطار هذه المنظومة يتابع كل طرف الطرف الآخر.. ومؤخرا وجدنا الدكتور مفيد شهاب ذهب بنفسه إلى جنيف لمناقشة ملف حقوق الإنسان فى مصر، وهو دليل التزامنا بالشفافية والمراجعة الدولية حتى لو اختلفنا فى بعض الأمور.

مصر تستطيع التعامل بصدق وإيجابية مع التيارات الداعية إلى احترام حقوق الانسان، لأننا أعلنا صراحة أننا فى مرحلة مستمرة من الإصلاح الداخلى، ولكن فى نفس الوقت لا نسمح باستغلال هذا الملف سياسيا، وإلا سينقلب الأمر وسنجدهم يقولون لنا من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان عليكم بمعاداة فلان، من أجل الديمقراطية حاكموا واحبسوا فلانا ولا تحبسوا آخر وهى أمور لا نقبلها.

دعنى أطرح عليك السؤال المتكرر عن تراجع الدور المصرى.

- الحفاظ على الدور المصرى أصبح صعبا الآن، فاللعبة لم تعد كالسابق، لم تعد بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، ولم تعد الأطراف معدودة: العرب ضد إسرائيل، والخليج العربى ضد بلاد فارس، بل أصبح الخلاف بين سنة وشيعة وكرد، أصبح اللاعبون اكثر والأطراف متعددة، فى الماضى كانت مصر والسعودية وسوريا هى الأطراف الوحيدة اللاعبة فى القضية الفلسطينية الآن تعددت الدول، لذا أصبح لزاما على مصر أن تنظر شمالا وغربا وجنوبا وشرقا فى نفس الوقت، فالمنافسة على الدور أصبحت أشرس.

هل أنت راضٍ عن أداء الخارجية المصرية؟

- يجب أن تكون لدينا رؤية استراتيجية ومنظور لاحتياجاتنا وأولوياتنا، وعلينا أن نتوقع طبيعة المشكلات والمخاطر والفرص المتاحة، بمعنى أن نحدد ما هى احتياجاتنا من المياه والطاقة والغذاء، وأن نبحث عن مصادر تلبية هذه الاحتياجات، وأن نبدأ فى صياغة علاقاتنا مع الدول التى ستلبى احتياجاتنا، أى أن أضع عينى على طرق واتجاهات هذه الاحتياجات، ثم النزاعات الإقليمية التى من الممكن أن تؤثر علينا، وأن نضع سيناريو إذا ما حلت هذه النزاعات، وسيناريو إذا ما تعذر الحل وتأثيرات ذلك على مصر، على سبيل المثال يجب أن نعد سيناريو فى حالة نجاح التفاوض مع إسرائيل، وآخر إذا ما فشل، سيناريو ماذا لو لم أصل لنقطة مشتركة مع دول حوض النيل، وغيرها من القضايا.

إلى أى سياسة تميل.. سياسة وزير الخارجية الحالى أحمد أبوالغيط، الذى يقول إن الرئيس يضع السياسات الخارجية والوزير ينفذها، أم سياسة عمرو موسى الذى يقول إن الوزير مشارك فى صنع السياسات؟

- بل سأذهب أبعد مما قاله عمرو موسى، فأنا أرى أن أى مسؤول فى الدولة وأى موظف عليه المشاركة فى وضع السياسات سواء أُخذ بها من قبل رؤسائه أو لا.

وهل كنت تشارك فى وضع السياسات أثناء وجودك فى واشنطن؟

- تعريف منصب السفير رسميا هو ممثل رئيس الجمهورية لدى رئيس الدولة الأخرى، أى أننى أمثل رئيس الجمهورية وليس وزير الخارجية، هذا أولا.. ثانيا لم أبعث سفيرا للولايات المتحدة لأرسل معلومات فقط، فهى مهمة من الممكن أن يقوم بها سكرتير، كما أننى لن أرسل وجهة النظر التى تريد القاهرة سماعها، فالمنصب مسؤولية ضخمة، وما أرسله من المعلومات يساهم فى صناعة القرار المصرى، لذا يجب أن أكون حذراً ومدققاً لكل شىء.

ما أبرز القضايا التى أرسلت فيها وجهة نظرك إلى مصر، وماذا كانت وجهة نظرك؟

- أرسلت تقارير كثيرة مصحوبة بوجهة نظرى، بداية من اليوم الثانى عشر بعد وصولى إلى واشنطن، حيث سقطت طائرة مصر للطيران، ولم يكن لى سابق خبرة فى التعامل مع مثل هذه الأزمات، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تقول بأنه حادث انتحار، مستندة إلى قول البطوطى «توكلت على الله»، على الجانب الآخر أرسلت مصر تنفى عملية الانتحار، فأرسلت إلى أمريكا وأوضحت لهم أن «توكلت على الله» كلمة يقولها المسلم والمسيحى فى مصر عندما يبدأ يومه وعمله ولا علاقة لها بالإرهاب، وفى نفس الوقت أرسلت إلى مصر رأيى بأنه لا يجب أن نبادر بنفى شىء مازال طى التحقيق، مرورا بإرسال تقرير من 20 صفحة قيّمت فيه شخصية الرئيس بوش واتجاهاته، فور توليه الحكم، وأرسلت للقاهرة أقول لهم إن بوش الابن يميل إلى التفكير الدينى، وإنه ليس لديه أدنى خبرة فى التعامل مع العالم الخارجى، حيث إنه رجل لم يسافر إلا مرتين فى حياته مرة إلى مصر ومرة إلى الصين، عندما كان والده يعمل سفيرا هناك، إضافة إلى أنه لن يسير فى اتجاه عملية السلام إلا تحت ضغوط شديدة .. فقد كانت القاهرة على علم باتجاهات بوش فور توليه السلطة.

لننتقل إلى القضية الفلسطينية.. كيف تقرأ تصريحات الرئيس أوباما أثناء الزيارة الأخيرة لنتنياهو للولايات المتحدة الأمريكية، التى قال فيها إن «إسرائيل دولة صغيرة لها احتياجات أمنية خاصة» وهل هذا يعنى أنها ستظل بحماية أمريكية خارج معاهدة منع الانتشار النووى فى المنطقة؟ وماذا تعنى جملة «مع مراعاة الأمر الواقع» أثناء الحديث عن الحل على أساس حدود 67؟

- التصريحات الخاصة باحتياجات إسرائيل الأمنية تعنى تراجع الأمريكان عما تم الاتفاق عليه فى مؤتمر مراجعة اتفاقية منع الانتشار النووى فى منطقة الشرق الأوسط بما فيها إسرائيل، هذه المراجعة التى أعادتنا إلى ما كنا وصلنا إليه حتى عام 2000 فى تناول قضية عدم الانتشار النووى فى المنطقة بما فى ذلك إسرائيل، بعد تدهور الموقف السياسى الدولى فى هذه القضية إثر ولاية بوش الابن، وبكل صراحة شعرت بإحباط شديد من هذه التصريحات، لأنها تتنافى مع مبادئ وفلسفة منع الانتشار النووى فى المنطقة، ولأن أمريكا تشير ضمنا إلى إبقاء دولة خارج إطار الاتفاقية.

أما التصريحات الخاصة بعملية السلام بين فلسطين وإسرائيل، فأنا أرى فى الإشارة إلى إقامة دولتين شيئاً إيجابياً، وإلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 أمراً إيجابياً أيضاً، ولكن جملة «مع مراعاة الأمر الواقع» تعنى تأكيد الأمريكان وأوباما أنهم لن يتراجعوا عن الضمانات القديمة التى أعطيت إلى رئيس الوزراء شارون من قبل الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش، وهو أمر يجب الحذر منه، لأن هذه التصريحات تؤكد احتفاظ إسرائيل بالمستوطنات على الحدود. كما أن من الأمور السلبية فى هذه التصريحات أنه لم تتم الإشارة إلى وجود عاصمة فى القدس.

مؤخرا صدرت تهديدات من الرئيس الأمريكى إما ببدء التفاوض المباشر أو خسارة الحوافز الأمريكية، فكيف ترى الوضع؟

- القضية الفلسطينية وصلت إلى عنق الزجاجة، والخطة العربية تقول ببدء المفاوضات غير المباشرة ثم المباشرة ثم الذهاب إلى مجلس الأمن، وهنا أحد أمرين: إما أن تنجح المفاوضات، وإن كنت أشك فى ذلك، لأن جميع المؤشرات تشير إلى عكس ذلك، وهذه العملية ستتعدى الستة أشهر، وهنا سيتعلل أوباما بقرب انتخابات التجديد النصفى للكونجرس ولن يتم اتخاذ أى موقف قبل الانتخابات، أو أن العرب سيذهبون إلى مجلس الأمن ويقدمون مشروع قرار يؤكدون فيه إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود 67 وعاصمتين فى القدس، وحل قضية اللاجئين على أساس قرار 194، ويسجلون الموقف برمته تاريخيا ويسعون إلى جمع تأييد دولى، حتى لو تم ذلك سيمتد التفاوض حول مشروع القرار لعدة أشهر، هذا إذا كنا معنيين بتأييد أمريكى وليس فيتو، وفى كل الحالات لا أتوقع أى حل فى عام 2010، خاصة مع انشغال أمريكا بانتخابات التجديد النصفى للكونجرس من ناحية، وعدم توافر الحد الأدنى لدى الحكومة الإسرائيلية لبدء التفاوض من ناحية أخرى. ولن يحدث أى شىء بكل تأكيد قبل ديسمبر القادم، وبعد انتهاء الانتخابات الأمريكية، وسينتظر العرب حتى تأتى حكومة فى إسرائيل لديها النية فى الحل.

كل الخيارات التى طرحتها ليس من بينها خيار للحل ولا خيار للحرب؟

- العرب لن يحاربوا، ولن يسمح لهم أحد بالحرب، والمناخ الدولى ليس مناخ حرب، ولا توجد حرب بدون مصر ومصر لن تحارب.

ولا حتى سوريا بالاشتراك مع إيران وحزب الله فى لبنان؟

- لو رصدت معدلات خرق الحدود المصرية الإسرائيلية ستجدينها أكبر كثيرا من معدلات خرق الحدود السورية الإسرائيلية، فالجبهة السورية هادئة، سوريا تعلم أن الحرب ليست فى مصلحتها الآن، فأى حرب تتحدثين عنها؟!

وماذا عن تهديدات حزب الله؟

- هناك فرق كبير بين حرب بالمعنى المتكامل، وصاروخ يسقط من حين إلى آخر على إسرائيل.

ظللنا نعمل لسنوات طويلة فى الملف الفلسطينى، فجأة وفى أحداث غزة أصبحت تركيا نجمة، فى حين قذفت السفارات المصرية فى الخارج بالحجارة، فأين موطن الخطأ؟

- لا يجب تقييم أداء الدولة من خلال ملف واحد، وفى فترة زمنية قصيرة الأجل، ومن الطبيعى أن كل من سيعمل فى الملف الفلسطينى ستسلط عليه الأضواء، لكنه حدث مؤقت، وأنا بالطبع أرحب بأى جهد يبذل، وهذا لا يخصم من رصيد مصر، صحيح أن مصر لم تصل إلى نتائج ملموسة، ولكن هذا لأن مناخ القضية الفلسطينية يمر من إيجابى إلى سلبى ومن سلبى إلى أسوأ، إضافة إلى أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تريد السلام، وليس لديها الحد الأدنى الذى يمكن على أساسه بدء التفاوض.. عموما اللاعبون سيكثرون ولا يجب أن نشغل أنفسنا بذلك.

والحل؟

- أن نجتهد فى أكثر من ملف فى آن واحد، وليس فقط قضايا الشرق الأوسط، إنما باقى قضايا العالم، فالخبر اليوم الذى يذاع على الفضائية يستمع إليه كل من فى تشيلى وتايوان والصين وروسيا فى نفس اللحظة، فلو أن مصر أصبح لها دور فى الملفات العالمية ستظل بارزة فى المجتمع الدولى، إضافة إلى جانب مهم، وهو أن الإخفاق فى ملف ما، وقتها سيتضاءل أمام نجاحات فى باقى الملفات، وليس كما يحدث الآن، الإخفاق فى ملف يراه البعض إخفاقاً عاماً فى كل شىء، كما لا يجب أن تكون مصر فى موضع رد فعل للغير، بل يجب أن تكون لنا رؤية مستقبلية لحماية مصالحنا، وعلينا أن نكون طرفاً فاعلاً فى كل الملفات.

هذا يعنى أنه ليست لدينا رؤية؟

- لدينا المبادئ التى تحكم السيادة الوطنية والالتزام بالقانون الدولى.

وهل هذا يتعارض مع اتخاذ موقف مع إسرائيل وبناء علاقات جيدة مع دول حوض النيل وغيرها؟

- لا.. لذا أتحدث عن تحديد أولويات، وأذكر أننا كنا فى السابق مثلا نرسل سفير مصر فى السودان على درجة وزير احتراما منا لأهمية هذه الدولة، وأذكر أننا فى إحدى السنوات أرسلنا سفيراً للسودان على درجة وكيل أول وزارة، فأرسل لنا السودانيون يستفسرون عن الأمر، فأجبناهم بأن السفير الجديد ربما ليس على درجة وزير ولكنه رقم اثنين فى وزارة الخارجية، كما أنه كان من الضباط الذين ساهموا فى ثورة يوليو، هذا والسودان ليست أهم ولا أغنى دولة فى العالم، ولكنها تأتى على قمة أولوياتنا، كما يجب أن أضع جميع دول الجوار فى هذه المكانة، مثل إسرائيل وليبيا، فإن كانت الأولى مهمة لعملية السلام، فيجب أيضا أن نستثمر علاقتنا الجيدة بليبيا ولا نكتفى بالعلاقات الحسنة.

حديثك ينقلنا إلى الأزمة مع دول حوض النيل، هل لديك تعقيب على ما وصلت إليه؟

- قضية المياه يجب أن تحل على أساس الكسب للجميع، فلا يمكن حلها لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، ولن تحل بالضغط ولا بسياسة الأمر الواقع، وإذا نظرنا إلى أزمة دول حوض النيل فلن نجدها أزمة مياه، إنما أزمة كيفية استغلال المياه لتوليد الطاقة لأغراض التنمية، وهو ما يدفعهم إلى تحميل مصر والسودان سعرا معينا للمياه التى تتجاوز الحقوق المتصورة بالنسبة إليهما، واعتقادى أن الحل يكمن فى الحوار والدبلوماسية الهادئة وكيفية الاستثمار فى حوض النيل من قبل مصر، بالنظر فى المشروعات المشتركة للاستخدام الأمثل للمياه، وقبول دول حوض النيل على الناحية الأخرى بأن قضية المياه استراتيجية بالنسبة لمصر والسودان، وعدم التعامل معها بمنطق فرض الرأى على الآخرين.

وهل تسير مصر فى الطريق الصحيح فى المفاوضات مع دول حوض النيل؟

- هناك جهود واضحة لا شك.. ولكن لا يجب أن نضيع وقتنا فى النقاش حول الحقوق التاريخية لمصر والسودان، فالحقوق قائمة.. ولا يجب أن يدور الحوار هل الحقوق قائمة أم لا، مصر تقول قائمة وهم يقولون لا.. وهذا خطأ فى الحوار، فالحقوق المصرية والسودانية معروفة ويجب التعامل معها على هذا الأساس، ويجب نقل الحوار إلى منطقة أخرى، وهى منطقة المصالح، كيف نحقق المصالح لدول حوض النيل دون المساس بالحقوق التاريخية والوضع التاريخى القائم، وهذا ما لم يكن يحدث.

هل الخارجية المصرية هى سبب الأزمة مع دول حوض النيل بتجاهل العلاقات معها لسنوات؟

- لا يجب أن نضيع وقتنا فى هل الخارجية قصرت أم لا، المهم أننا أمام مشكلة حيوية يجب أن تحل، وعلينا التركيز فى حلها، ثم إن الأزمة مع دول حوض النيل مستمرة منذ سنوات طويلة، تتوتر أحيانا وتخفت أحيانا، على حسب الظروف والأوضاع السياسية.

وعلى حسب حجم الضغط الأجنبى عليها لتأليبها على مصر؟

- لا شك أن التواجد الأجنبى فى دول حوض النيل كبير، ومتعدد الجنسيات، ولكن لو أننا ـ كما قلت ـ انتقلنا من النقاش حول الحقوق إلى النقاش حول المصالح ربما نصل إلى حل للأزمة.