الوضع أقرب إلى القصص والسيناريوهات التى تروى عن «مطاريد الجبل»، ففى جبل الحلال، مئات من الشباب دون الأربعين عاماً، حددت القبضة الأمنية للنظام السابق إقامتهم فى الجبل وصحرائه القاسية، يطالبون النظام الجديد بعد الثورة والرئيس محمد مرسى، باعادة النظر فى أحوالهم والتهم المنسوبة إليهم ظلماً، على حسب قولهم.
عدد كبير منهم وافق على الحديث لـ«المصرى اليوم»، وآخرون رفضوا خشية نشر صورهم، إلا أن الجميع روى قصته مع الهروب فى الجبل، ذلك المكان الذى فرض عليهم العيش فيه وحظر عليهم مغادرته أو الخروج منه لعدة أمتار.
كان من الصعب أن نلتقى هؤلاء «المطاريد»، كما يطلق عليهم إعلاميا، إلا أن ما نشر فى الآونة الأخيرة عنهم بأن الجبل مأوى للإرهابيين دفعهم للإفصاح عن هويتهم وعرض مشكلاتهم، مئات من الشباب حُكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين 25 عاما و175 عاما، دون أن يعلم كثير منهم أن جهات التحقيق لم تتهمهم إلا بعد إصدار الحكم غيابيا.
«لم أرتكب جرمًا، ولم أخرج على القانون يومًا، وكل ما نسب إلىّ من تهم كان بالتلفيق»، كانت تلك كلمات يونس عيد، أحد سكان جبل الحلال، يبلغ من العمر 32 عاما، لم يخشَ تصويره رغم أنه هارب من السجن، وتابع: «سجنت ظلماً وبهتانا، لأن أحد الضباط كان يريدنى أن أدفع له رشوة شهرية ورفضت».
«يونس» ليس الوحيد الهارب أو المحكوم عليه بالسجن فى جبل الحلال، فالمئات من الشباب محكوم عليهم غيابيا، منهم من نفذ الحكم أو هرب من السجن «متجنى عليه»، كما يصفهم الأهالى، من داخل منزله البسيط بدأ يونس يروى قصته من بدايتها، عندما كان عامل بناء فى منطقة التل الكبير بالإسماعيلية، وألقى القبض عليه دون تهمة، على حد قوله.
وقال: «رفضت إعطاء رشوة للضابط الذى أعرف اسمه الرباعى، وبعد القبض على وعرضى على النيابة، فوجئت باتهامى بحيازة المخدرات، سألنى وكيل النيابة عن سعرها فقلت له اسأل الضابط عن سعرها، وحكم على بـ10 سنوات قضيت منها 3 سنوات ونصف السنة».
وأضاف «يونس»: فى يوم 28 يناير 2011 فتح أمين الشرطة بالسجن الزنازين فهرب المساجين وعددهم كان يفوق 4500 سجين، وكنت من بينهم وصلت إلى منزلى فى الجبل بسهولة، فلم تكن هناك أى حركة تفتيش عند مداخل ومخارج سيناء، ولم أخرج من الجبل حتى الآن.
وتابع «يونس»: «إن الضابط - ذكر لـ«المصرى اليوم» باسمه - لفق لى تهمة حيازة المخدرات، وطلب منى راتباً شهرياً قدره 2000 جنيه، ولم يكن باستطاعتى تنفيذ ذلك، فكما ترون منزلى البسيط مكون من غرفة واحدة وصالة استقبال للضيوف، ولو كنت تاجرت بالمخدرات لكان حالى أفضل، اتهمونى زورًا وحددت إقامتى فى الجبل، خشية إلقاء القبض علىّ، بينما تجار المخدرات الحقيقيون يتمتعون بالعيش الكريم وحرية التنقل».
وعن المعاملة فى السجن، قال: «معاملة اليهود أحسن من المعاملة اللى شفناها فى السجن، وأول ما أمين الشرطة فتح الزنازين كل المساجين هربوا وهربت معاهم، وعن نفسى أموت ولا أرجع للسجن».
حالة الجبل من نقص الخدمات وتدنى مستوى المعيشة، لم تغب أثناء حديث أحد المطاريد، الذى رفض ذكر اسمه حيث استقبلنا فى منزله فيقول: «الدولة تناست المواطنين المصريين فى الجبل، وتركتهم دون حماية، وبدلا من أن تكون الأجهزة الأمنية متعاونة لفرض السيادة وضبط الخارجين الحقيقيين على القانون أصبحت أداة لإهانة أهل سيناء وإلصاق التهم بهم».
وأضاف: إن الأجهزة الأمنية لم تكتف باتهام الأهالى، ولم يكتف الإعلام بتخوينهم بل إن هناك ضباطا قتلوا أبناءنا دون ذنب، وطلبوا بعدها نقلهم من الخدمة فى شمال سيناء، لأنهم يعلمون أننا لن نترك حقهم، وتفاءلنا خيراً بعد الثورة، حتى عاد هؤلاء الضباط إلى شمال سيناء مرة أخرى، فلماذا تصر الدولة على استفزازنا، كيف أرى قاتل أخى على الكمين مثلا دون أن آخذ بثأره؟!
ويتابع: «لم أستطع التحرك من الجبل خشية إلقاء القبض علىّ فى أحد الكمائن، لبثت فى الجبل منذ بدأت أعى الحياة إن جازت تسميتها بـ(حياة)، ولم أعرف منظر الشوارع ولم أزر حتى مدينة العريش التى تعتبر أقرب مدينة للجبل، إلا بعد الثورة وزوال القبضة الأمنية للنظام السابق».
خرجنا من منزله وسط الجبل بعدما اتصل به أحد الأهالى لدعوتنا للقائه، كان يدعونا ليحكى لنا قصة شقيقه الهارب، وبعد معاناة السير وسط الطرق الوعرة وجدنا المنزل عبارة عن عشة من البوص المتهالك، دعانا «مصطفى» لشرب الشاى أمام المنزل، وجلسنا لنستمع إلى شكواه التى لم يخش الحديث عنها.
قال «مصطفى»: إن أحد الضباط اتهم شقيقه بتجاوز الحدود المصرية الإسرائيلية، وحُكم عليه غيابياً هو الآخر بالسجن 25 عاماً، وظل هارباً من تنفيذ الحكم حتى الآن بعد مرور أكثر من 12 عاماً. وأضاف أن شقيقه «عبدربه» حكم عليه فى عام 2000، وكان يبلغ وقتها 18 عاماً، ووقت التهمة التى نسبت إليه كان يعمل فى حفر إحدى الآبار فى منطقة بعيدة عن الحدود تماما.