أدرك منذ الصغر أن الرجولة لا علاقة لها بالسن، وأنها مرتبطة بتحمل المسؤولية، فتحملها دون خوف، بعد أن تخطى مرحلة التعليم الأساسى، وانتقل إلى المدرسة الفنية للحصول على شهادته المتوسطة.
لزم والده كى يتعلم منه فنون الصنعة وأسرارها، مارس كل أدوارها، بدأ بتوصيل الملابس إلى الزبائن، حتى حفظت قدمه شوارع الحى وحاراته، وحفظه سكانها وأحبوه، وأحبوا رجولته، وإحساسه بالمسؤولية التى لا ينبئ عنها ذلك الشارب الصغير النابت فى مرحلة المراهقة، ثم تقدم إلى كى الملابس وإعداد النار للمكواة الحديدية، وإدارة المحل وحساباته.
لم يطق، علاء محمد على، الشهير بـ«علاء عربى»، العمل بعد إنهاء فترة تجنيده بعيداً عن الصنعة التى أتقنها، فعاد ليعاون والده فى العمل. يصحو فى السادسة صباحا، ولا يعود إلى فراشه إلا فى منتصف الليل، حتى تزوج وانتقل ليسكن بعيداً عن مكان عمله، إلا أن هذا لم يفلح فى تغيير مواعيده والتزامه فى العمل.
حتى شهر رمضان الكريم، يضطر فيه صاحبنا إلى تغيير نمط العمل، لحاجته إلى مجهود بدنى كبير، لإنهاء ملابس الزبائن فى المواعيد المحددة، خاصة مع ندرة «الصنايعية» الشطار، والذى اضطره للعمل وحيداً فى المحل بعد رحيل والده.
اعتاد، منذ كان صغيراً، تحمل مسؤولية تعليق الأنوار الكهربائية فى الشارع، فى الجمعة الأخيرة، يعاونه أطفال المنطقة. منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى لم ينقطع عن هذه العادة، كف مؤخراً عن تصنيع فانوس خشبى كبير مزين بالورق الملون منذ سنوات، حزناً على رحيل والده.
تقتضيه ظروف الصيام، والسحور قبل أذان الفجر بقليل، فى يوم يمتد فيه الصوم لأكثر من ست عشرة ساعة فى الجو الحار، أن يصحو من نومه متأخراً عن عادته، فينهض من فراشه ما بين الثامنة والثامنة والنصف، يتجه إلى محطة مترو الأنفاق، وينتظر القطار الذى سيأخذه إلى محل عمله فى العاشرة صباحاً بالتقريب.
يرتب «الأسطى علاء» العمل ويرسل صبيه إلى المنازل لجمع الملابس، ويعمل بطاقته الدنيا حتى أذان صلاة العصر، فيترك المحل بين يدى الصبى وينتقل للمسجد المجاور، يؤدى صلاة الجماعة، كما يؤديها فى كل الصلوات، لكنه لا ينصرف بعدها، بل يستريح مع كتاب الله، ليقرأ الجزء اليومى، قبل أن يعود إلى محله فى السادسة.