صلاة الرؤساء أمام الكاميرا.. عبادة لله أم تواصل مع الجمهور؟

كتب: اخبار الأربعاء 08-08-2012 17:51

على مدار الشهر الماضى تحولت صلوات الرئيس مرسى وعلامات خشوعه إلى أحداث عامة اجتذبت الكثير من الاهتمام الجماهيرى، بدءاً من يومه الأول فى قصر الرئاسة، حين سرب معاونوه للصحف خبراً بأنه سوف يصلى الفجر جماعة كل يوم دون حراسة شخصية. وشهدت التغطية الإعلامية لهذه الأحداث طفرة فى بعض المواقف بعينها مثل بكائه أثناء خطبة الجمعة فى الجامع الأزهر يوم 29 يونيو الماضى، وبكائه أثناء صلاة الفجر فى المسجد الحرام فى زيارته للسعودية يوم 12 يوليو، وإعلانه أنه سيؤدى صلاة الجمعة فى مسجد مختلف من مساجد الجمهورية كل أسبوع.

والسؤال الذى يطرح نفسه هو: هل نحن أمام ظاهرة جديدة فى السياسة المصرية؟ وكيف نفهم هذا البعد من الصورة الجماهيرية للرئيس؟ وبشكل أكثر صراحة: ما الذى يُحققه ترويج مؤسسة الرئاسة لصور صلوات الرئيس وعلامات تدينه بين المصريين؟

حرص الرؤساء المصريين جميعاً على الترويج لصورهم وهم يؤدون شعيرة الصلاة ليس غريباً على الشعب المصرى. فمنذ أيام الملك فاروق كان حضور الشعائر الدينية جزءاً من الصورة العامة للملك. وظل هذا موجوداً بعد ثورة يوليو، فقد وصلت إلينا صور للرئيسين محمد نجيب وجمال عبدالناصر، وهما يؤديان شعائر الصلاة. لكن الرئيس السادات هو الذى أحدث طفرة هائلة فى كثافة وتنوع صوره العامة وهو يمارس الشعائر الدينية. ظهر هذا فى حرص «الرئيس المؤمن» على أن تتصدر صور صلواته افتتاحيات الصحف والتغطية الإخبارية التليفزيونية والإذاعية لأنشطة الرئيس. كما ظهرت فى حرصه على أن ينقل التليفزيون المصرى وقائع صلواته العامة على الهواء مباشرة، على أن يعيد التليفزيون بث هذه الصلوات فى أوقات لاحقة. وقد تراجعت الصورة الدينية للرئيس فى عصر مبارك، على الرغم من حرصه - هو أيضاً- على نشر القليل من صوره وهو يؤدى بعض الصلوات.

منذ تولى الدكتور مرسى الرئاسة تتابعت صوره الدينية، وعلى الرغم من مرور أقل من شهر على توليه الحكم فإن كثافة صوره الدينية كماً ونوعاً ربما تزيد عن كثافة صور الرئيسين جمال عبدالناصر ومبارك على مدار فترتى حكمهما التى تمتد لما يقرب من نصف قرن من الزمان.

الصلاة صلة بين العبد وربه. وهى من هذه الزاوية ليست جزءاً من الشخصية العامة لرجل الدولة، وليس من حق أى أحد التعليق عليها بأى شكل، ما دام العبد يمارسها بعيداً عن كاميرات التليفزيون وأخبار الصحف. لكن أداء الصلاة يتحول إلى فعل سياسى قلباً وقالباً، حين يكون جزءاً من خطة تحسين الصورة العامة لرجل السياسة، وآلية من آليات حشد التأييد الشعبى له. وحين تكون الكاميرا مسلطة على الرئيس فإن الصلاة تتحول تماماً من تواصل شخصى بين العبد وربه إلى تواصل جماهيرى بين الرئيس والمواطنين.

إن التداول الجماهيرى لصلوات الرئيس يُتيح لمؤيديه إنتاج خطاب يتغنى بتقوى الحاكم، استناداً إلى علامات خشوعه وبكائه فى الصلاة. كما يمكنهم من عقد مقارنات بينه وبين سابقيه من الحكام غير «الإسلاميين»، الذين لم يبكوا يوماً فى صلاة، ولا حرصوا على صلاة الفجر جماعة، وغيرها من العبارات التى تشيع على ألسنة شيوخ الفضائيات! كما أنهم يستخدمون صورة «الرئيس المتدين» بوجه عام، كحجة فى مواجهة أى انتقادات موجهة لسياساته. وليس من النادر أن تسمع بعض الإسلاميين يردون على الملاحظات بشأن الأداء السياسى للرئيس مرسى بأنه لا يجوز انتقاد الرئيس لأنه «راجل بتاع ربنا»، أو «شخص صالح طيب»، والدليل «أنه يصلى الفجر حاضراً ويبكى فى الصلاة».

منذ نحو أكثر من ألفى وخمسمائة عام، قدَّم الفيلسوف الأشهر أرسطو نصائح للحاكم الطاغية بأن يُظهر تقواه لشعبه، وأن يحرص على إظهار أنه «متدين وتقى ومولع بعبادة الله»، ويعلل أرسطو نصائحه بأن الشعب حين يرى أن حاكمه متدين وحريص على عبادة الله «يطمئنون إليه، ولا يخشون منه التعدى على القانون، وتقل مؤامراتهم عليه، لاعتقادهم أنَّ الله حليفه وناصره». هذه النصيحة هى واحدة من حزمة نصائح قدمها أرسطو للطغاة لكى يخدعوا شعوبهم، ويستطيعوا الاحتفاظ بالسلطة لأطول زمن ممكن.

ومع ذلك فإن التاريخ يبرهن على أن الرهان على تأثير صورة «الرئيس المتدين» فى خلق شعبية للرئيس، هو رهان قاصر ومحدود. فالشعوب قد تُبدى إعجابها بالمظاهر، لكنها تؤجل أحكامها النهائية حتى ترى الأفعال. والسمعة الإيجابية للرئيس لدى المصريين لن تكوِّنها صور صلواته ولا بكائياته - مهما كان خشوعها وتلقائيتها- بل ستكوِّنها أفعاله واختياراته وانحيازاته السياسية لصالح مصلحة الوطن بأكمله. وحين يُخالف المظهر المخبر، وتتناقض الأقوال مع الأفعال، لن تحول صلوات الرئيس دون غضب الجماهير. وسوف يكون الخاسر الأكبر هو فعل الصلاة ذاته، الذى يُمتهن بواسطة الكاميرات وحرَّاس الرئيس، ويتحول من عمل روحانى، وعلاقة شفافة بين العبد وربه إلى رقم فى معادلة الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها.