بعد انتهاء جدول زيارته الرسمية لمصر مؤخرا، وبوجه هادئ كالعادة، استقبلنا السكرتير العام للاتحاد البرلمانى الدولى أندرس جونسون فى محل إقامته بأحد فنادق القاهرة المطلة على النيل، بادرته بالسؤال: «ألاتزال مطمئناً لمرحلة التحول الديمقراطى فى مصر؟» فأجابنى باسما وهو ينظر لصفحة مياه النيل: «هذا نيلكم يجرى على تلك الأرض منذ آلاف السنين، وبمثل سريانه هذا ستستقر أموركم بحجم ما تمتلكون من موروث حضارى».
إجابة الرجل تمنح بعض الثقة، خاصة أنها صادرة بعد حضوره إحدى الجلسات المسائية لمجلس الشعب واجتماعه برئيسه الدكتور سعد الكتاتنى، والدكتور عصام سلطان، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، وهكذا بدأ حديثنا فى «المصرى اليوم» مع أندرس جونسون متناولين العديد من القضايا وما تشهده مصر من مظاهر فى مرحلة التحول الديمقراطى ورأيه فيها.. فإلى نص الحوار.
■ تلك أول زيارة لك لمصر بعد تشكيل مجلس الشعب الذى يثير مخاوف البعض بأسلوب أداء أعضائه.. كيف تقيمه وأنت القادم من الخارج وخبير فى الشؤون البرلمانية؟
- إذا كنت تسألين عما رأيته فى المجلس وتقييمى له، فما ترونه أنتم فوضى أراه أنا بداية تكوين طبيعية لمجلس برلمانى الهدف منه تحقيق إرادة الشعب. وقد تشرفت بالمشاركة فى الجلسة المسائية من جلسات المجلس، وكنت سعيداً بما رأيته. فهناك ميل فطرى لدى الأعضاء للمشاركة. وكما تتذكرين فى حوارنا فى شهر يونيو الماضى قلت لك إن الانتخابات البرلمانية ستأتى بأطياف ليست على هوى البعض، ولكنها الديمقراطية التى تتسع للجميع. فالإقصاء يعنى التطرف بينما الاحتواء يعنى الاندماج. وعليكم فى مصر أن تدركوا حجم ما لديكم من تمازج حضارى وثقافى ودينى، ممتد عبر آلاف السنين بشكل تراكمى لا يخشى معه من الاختلاف، وبالإضافة لذلك فقد التقيت الرئيس الجديد لمجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتنى، وهو ليس بشخصية جديدة على الاتحاد البرلمانى الدولى، فقد شارك فى 2006 فى اجتماعات الاتحاد فى نيروبى، وكان له دور واضح بين برلمانات عربية أخرى كانت مشاركة، وساعد بهدوء فى تنسيق بين البرلمانات العربية والأفريقية، ولذلك فهو مدرك لدوره كرئيس لمجلس الشعب، ويعرف أهمية المرحلة التى تعيشها مصر هذه الأيام أكثر مما كنت أتوقع بشكل أشعرنى أنه كان مستعدا لهذا المنصب.
■ زرت مصر مرتين فى العام الماضى واجتمعت بمسؤولين فيها، فما الهدف من الزيارة هذه المرة؟
- السبب الرسمى للزيارة تقديم التهنئة لمجلس الشعب الجديد ودعوته للمشاركة فى أعمال المؤتمر الدولى للاتحاد، الذى سيعقد بمدينة كيمبالا فى نهاية شهر مارس المقبل، وأكد لى الدكتور الكتاتنى تلبيته للدعوة. فكما تعلمين أن مصر لم يتم تجميد عضويتها فى الاتحاد وفقاً لما تقتضيه الإجراءات بعد حل المجلس القديم تقديرا لدورها الذى لعبته فى الاتحاد على مدار عشرات السنين. ولكن وفقاً للإجراءات يجب دعوتها رسميا للعودة للاتحاد البرلمانى. وبالإضافة للهدف الرسمى للزيارة فقد شعرت بحتمية حضورى لمصر فى هذا الوقت للتعرف عن قرب على المجلس بتركيبته السياسية الجديدة وأغلبيته ذات التوجه الإسلامى. لأن العالم تعرف على الإسلام منذ أحداث سبتمبر 2011 من خلال إعلام الحكومات الغربية التى جعلت من الإرهاب صفة مرتبطة بكل ما هو إسلامى. وهذا أمر مؤسف وخلق حالة من التخوف من وصول أى تيارات إسلامية للحكم. وبالتالى فليس سراً أن كل برلمانات العالم تترقب الدور الجديد لمجلس الشعب المصرى، خاصة فى ظل ثقل ومحورية دولة مثل مصر. لذا فأنا أنظر لهذا البرلمان بصفته البداية الشرعية للإسلام السياسى المعترف به.
■ ألا تشعر بالقلق من وجود أكثر من رافد لتيار الإسلام السياسى تحت قبة البرلمان وتأثير ذلك على العملية الديمقراطية؟
- لا أرى أى مشكلة. فوجود أكثر من تيار يعبر عن الإسلام السياسى يدفعنا لفهم ذلك الإطار، الذى أعتقد أن الغرب فى حاجة لمعرفته بشكل سليم. وأنا مثل الآخرين لم تتوفر لدى معلومات كافية عن أفكار تيارات الإسلام السياسى والفروق بينها، ولكننى رأيت أعضاءها فى الجلسة المسائية التى شرفت بحضورها فى المجلس، ورأيت ممارستهم للعمل البرلمانى ولم أشعر بالقلق سوى من ضعف تمثيل المرأة فى البرلمان الذى يمثل مصر بعد ثورة 25 يناير. المشكلة الحقيقية أن مفهوم الغرب عن الإسلام اقتصر على وصفه بالتشدد وبأنه مصدر للقلق. ولذلك رأيت أن أبدأ زيارتى لمصر بزيارة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، للتعرف على المفهوم الحقيقى للإسلام، وبعد معرفتى بالوثيقة التى أصدرها أعتقد أنها تصلح للتطبيق فى دول عديدة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية.
■ وهل ناقشت مضمون الوثيقة مع شيخ الأزهر؟
- مبدئياً شعرت بالفخر بعد لقائى شيخ الأزهر والتعرف عليه. فهو هادئ الحديث وذو ذكاء حاد وآراء واضحة. بعضها قد يكون قوياً ومباشراً ولكنه يعلم كيف يصيغها بشكل مقبول ومرن. وكانت لى بعض الاستفسارات حول الوثيقة، ومن أبرزها الدور التشريعى للأزهر، ودور المرأة فى العملية السياسية، وقد أكد لى أن الأزهر هو مرجعية الإسلام المعتدل، وأنه يسعى للحفاظ على هذا المبدأ. وأن دور الأزهر متابعة التشريعات لضمان اعتدالها فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والمساواة بين الجميع. وفيما يتعلق بالمرأة فقد أوضح لى شيخ الأزهر أن ما تدفع به المؤسسات الغربية فى مصر من برامج بهدف تمكين وتنمية المرأة لا يسعى إلا لخلق مزيج مشوه للمرأة المصرية بمعايير غربية، حيث يركز على حريات الإجهاض والعرى. وشرح لى رؤيته بأنه كان يفضل أن تتبنى تلك البرامج قضايا ذات أولوية بالنسبة للمرأة، كالصحة والفقر والتعليم، وهى قضايا لم يُنفق مليم واحد لمواجهتها، واتفقت معه فى رؤيته. كما أكد لى شيخ الأزهر أن وثيقة الأزهر لم تكن موجهة للغرب عند إعدادها، ولكن ردود الفعل الغربية تجاهها أكدت ضرورة بذل مزيد من الجهود لتعريف الغرب بالإسلام الحقيقى، ولكنه أشار إلى جزئية مهمة وهى مدى استعداد الغرب لفهم الإسلام الحقيقى، لا عبر حوارات مكررة للحضارات ولكن عبر تعاون حقيقى يمنح العالم السلام. وشرح لى أن القرآن تحدث صراحة عن اختلاف الأمم وأهمية التعارف كوسيلة للربط بين تلك الاختلافات، وأنه يجب على الغرب أن يبدأ بالتعارف ويترك مشاعر الاستعداء والمواجهة التى ينميها بداخله. ولعل هذا ما جعلنا نفكر فى أنه يمكن للاتحاد البرلمانى أن يلعب دوراً فى تعريف الغرب وبرلماناته التشريعية بالوجه الحقيقى للإسلام. وأكد لى أن الأزهر مستعد للقيام بالتعاون الأمثل فى هذا الإطار، ووافق على استقبال الباحثين من الاتحاد البرلمانى فى هذا الشأن. وأتوقع أن يبدأ هذا التعاون فى أبريل المقبل بعد مؤتمر كيمبالا.
■ بالعودة إلى مجلس الشعب المصرى، بماذا خرجت من اجتماعاتك مع الدكتور الكتاتنى؟
- أعتقد أن رئيس المجلس أراد أن يوجه لى رسالة مفادها أنه بدأ فى ممارسة مهام عمله منذ اللحظة الأولى لتوليه المهام، وأنه مستعد لمواجهة تحديات هذا المنصب، ونقلت له تفهمى لحجم التحديات التى عليه التعامل معها، ومن أهمها عبور مرحلة التحول الديمقراطى وتأكيد الشرعية ومفهومها لدى الجميع، وفى الوقت نفسه تقبل الجميع واحترامهم لها. هناك أيضا تحديات تتعلق بالصورة الذهنية للتيار الإسلامى بوجه عام لدى الغرب. وأنا على يقين بأن مصر ببرلمانها الجديد قادرة على تجاوز تلك التحديات.
■ هناك من يرى أن الإسلاميين بوجه عام غير مؤهلين للتعامل مع تلك التحديات، خاصة الدولية وما يتعلق منها بالعلاقات الخارجية؟
- أعترف لك بأننى كنت أحد هؤلاء إلى حد ما. فالمنطق يقول إنهم لم يحتكوا بخبرات دولية وليس لديهم خبرة واسعة فى هذا المجال، ولكن فى اجتماعى مع الدكتور عصام العريان، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان المصرى، أدركت عبر نقاشه ورؤيته أن ما كان عندى ويشعر به البعض غير صحيح، فالرجل يمتلك مقومات إدارة تلك المهمة، فهو أكاديمى شامل متنوع التخصصات وسياسى مُلم بجميع تفاصيل الأحداث الدولية وتوازناتها.
■ تتواكب زيارتك لمصر فى تلك الأيام مع ما نشهده من جدل حول قضية منظمات المجتمع المدنى ودورها فى عملية التحول الديمقراطى.. كيف ترى تلك الأزمة؟
- لاحظت مؤخراً التنامى المطرد لتلك الظاهرة التى تروج لدعم عمليات التحول الديمقراطى فى الدول سواء كانت حكومية أو غير حكومية. وقد أتفق فى أن تلك المنظمات يمكن أن تقدم دعماً لوجيستياً فقط لتنظيم عمليات الانتخاب للدول الراغبة فى ذلك بما لديها من إمكانيات تمويل هائلة، لكنها لا تملك الخبرة الفنية التراكمية لعوامل بناء البرلمانات وأسباب فشلها أو عوامل نجاحها. فكثيرا ما تلجأ تلك المنظمات للاتحاد البرلمانى لمدها بالخبرة البرلمانية المتوافرة لدى الاتحاد منذ عام 1889، من جانب آخر أنا مؤمن عبر تجارب كثيرة أن عملية التطور الديمقراطى الحقيقى لابد أن تنبع من داخل الدول نفسها دون أن تُفرض عليها تجارب من الخارج. فالديمقراطية الحقيقية هى التى تنمو من الداخل وفى مناخها الطبيعى، والتاريخ علمنا أنه لا يمكن لأى نظام ديمقراطى النجاح إلا إذا كان مرتبطاً بظروفه المكانية والمجتمعية والثقافية. ومصر قادرة بمفردها ومن خلال مؤسساتها وخبرائها على إدارة عملية التحول الديمقراطى السليم والمستدام.
■ رفضت مصر رسميا دعماً كان مُقدماً من برنامج الأمم المتحدة الانمائى لدعمها بخبراء أثناء عملية صياغة الدستور.. كيف ترى ذلك؟
- ليس لدى معلومات عن هذا الموضوع، ولكن أتفق مع وجهة النظر الرسمية المصرية، فكيف يحترم المصريون دستور وضعه غيرهم. الدستور هو عقيدة الدولة وقانونها ويجب ألا يشارك فيه أحد من غير أبناء الدولة، خاصة أن مصر تمتلك خبرات قانونية ودستورية وتشريعية يستفاد منها داخل الاتحاد البرلمانى نفسه فى برامجه التعاونية مع البرلمانات الأعضاء.
■ وما تحديات وضع الدساتير فى مراحل التحول الديمقراطى للدول التى مرت بظروفنا؟
- أولاً تكوين اللجنة التأسيسية. فهناك دول تنتخب اللجنة مثلما حدث فى تونس، ودول أخرى تعطى البرلمان صلاحية اختيارها. والتحدى الذى يواجه مصر هو كيفية الاختيار، ومدى قبول المجتمع ككل لهذا الاختيار، هناك أيضا تحد آخر متمثل فى وضع نظام لعمل هذه اللجنة التأسيسية، وهناك العديد من الأمثلة والتجارب التى يمكن لمصر أن تستفيد منها. وهناك أيضا مخاوف من مدى ما سوف يستقر عليه الدستور وكيفية تأثيره فى نظام العمل البرلمانى الحالى.
■ هل يعنى صياغة دستور جديد حل البرلمان فى ظل إنشائه على خلفية إعلان دستورى؟
- بالقطع هذا سؤال مهم. ولكن تُترك إجابته للبرلمان نفسه والقوى السياسية المصرية. لأن الإجابة تتوقف على حجم الصلاحيات التى سوف تُمنح للبرلمان أو تؤخذ منه فى الدستور الجديد. وهناك تجارب آسيوية كثيرة، وأعتقد أن البرلمان مدرك لهذه الحقيقة. وأثق فى قدرة السياسيين والخبراء المصريين فى معالجة تلك المسألة بالشكل الملائم لها.