خلافا لجمعة 7 أكتوبر 2011 التي خرج فيها السوريون إلى الشوارع في كل المحافظات، رافعين شعار «المجلس الوطني يمثلني»، لم يعد الكثيرون اليوم يرفعون ذات الشعار، مع استمرار إخفاق المجلس في تعزيز وحدة أطياف المعارضة الخارجية على اختلاف ألوانها وانتماءاتها الفكرية والعقائدية.
في المقابل، بات المتظاهرون يرفعون شعارات التأنيب لتلك المعارضة التي يرونها «منقسمة على نفسها». ففعليا، ينقسم المعارضون السوريون بالخارج بين تحركات تنظيمية وفردية، أبرز تلك التيارات «هيئة التنسيق الوطنية» و«المجلس الوطني السوري» و«المجلس الوطني الكردي».
تشكلت «هيئة التنسيق» منتصف 2011، من أحزاب يسارية وقومية، وأبرز قياداتها المعارض السوري هيثم مناع، تلا ذلك إعلان «المجلس الوطني» في اسطنبول نهاية 2011، والذي يعد برهان غليون أبرز قياداته، إضافة إلى «المجلس الكردي» المكون من أحزاب ومستقلين ومنظمات حقوقية في أكتوبر الماضي.
بقي «مجلس غليون» هو الأبرز على ساحة المعارضة السورية الخارجية، ففرض نفسه على الشارع الداخلي الذي انقسم حوله بين مؤيد ومنتقد.
تقول (س.ع.) أديبة من الطائفة العلوية: «كان من الممكن للمجلس الوطني السوري الذي ترقب الشارع إعلانه وسارع إلى تأييده والتصريح بأنه الممثل الوحيد له أن يقوم بدوره الوطني لو فكر بذلك الشارع فقط».
وأضافت لـ«المصري اليوم» أن «ما انتظره السوريون من هذا المجلس، وسائر أطياف المعارضة السياسية، التي لم تحمل من الوطنية إلا الاسم فقط، هو قيادة الشارع السلمي ليبقى سلميا بتوحيد معارضته ورؤاه وشعاراته المدنية». وأشارت الأديبة العلوية إلى أن «إخفاق المجلس في توحيد نفسه أولاً جعل كل الآمال المرجوة منه تسقط بالتدريج».
«المعارضة غيبت الطوائف عمداً ليكون للثورة مذهب واحد»
هذا ما أكدته الشاعرة الدرزية (ع. ر)، التي قالت: «بعض الفئات المذهبية في سوريا تأخرت في دخول الثورة نتيجة مخاوف زرعها النظام، ولم تبددها المعارضة. أرى أن هذه المعارضة قامت عمدا بتغيبب الكثير من الطوائف، كي يكون للثورة طابع واحد، ولون مذهبي واحد».
وقالت في حديثها لـ«المصري اليوم»: «هذا المجلس لا يزال يلهث خلف الشارع محاولاً اللحاق به، متجاهلا عمدا دوره الريادي المفترض أن يكون في المقدمة، ما يحصل هو أن الشارع يثور والمعارضة تركض خلفه، لعله يعترف بها، متناسية أن من يسير خلف القافلة جل ما يحصل عليه الفتات فقط، لهذا سريعا ما سيسقط الشارع أحلام تلك المعارضة وكرسيها الذي لم تجلس عليه بعد».
وأكدت الشاعرة أنه «منذ إعلان المجلس لم يقم بأي عمل وطني حقيقي، بل على العكس لم ينهض بالحراك الشعبي، ولم يقم بدوره المفترض في قيادة الثورة ولم يرفع شعاراً وطنياً واحداً، ولم يقدم أي مبادرة وطنية واحدة للخروج من الأزمة خارج مجلس الأمن».
بدورها، ترى غالبية القواعد الشيوعية في سوريا أن المجلس الوطني «منقطع عن الأحداث الحقيقية التي تجري في سوريا». ويقول الرفيق (س. م.) شيوعي منذ 40 عاما: «إذا كان بعض أعضاء المجلس ممن غادروا الوطن مؤخرا، فأكثرهم غادروا منذ أحداث حماة في الثمانينيات، أي أنهم منقطعون عما يجري في سوريا منذ 20 عاما على الأقل».
وأضاف: «ما يؤخذ على توجهاتهم وأهدافهم دعوتهم المعلنة للتدخل الخارجي عبر نقل الملف السوري من الجامعة العربية إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار منه بالتدخل في الأحداث السورية، على أساس البند السابع، فجاء الفيتو المزدوج الروسي- الصيني لمنعه، وسحب البساط من تحت كل من يروجون ويدعون له».
«التدخل الخارجي ستكون نتائجه كارثية»
ورأى (س. م.) أن أعضاء المجلس «بفعلتهم هذه كالمستجير من الرمضاء بالنار، نعم جميعنا يريد إجراء تغيير في سوريا من أجل تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية عبر سيادة القانون، وضرب الفساد المستشري، وتحقيق حد من النمو الذي يسمح للسوريين بأن يعيشوا بوطنهم بكرامة، لكن درس العراق وما جرى به من أحداث كارثية نتيجة التدخل الخارجي كان من الواجب أخذه بعين الاعتبار».
وأوضح: «إذا كانت أعداد القتلى السوريين حاليا بالآلاف ولا شك أن دماءهم غالية جدا، فإن التدخل الخارجي سيرفعها إلى مئات الآلاف، وربما أكثر وسيقوم بتفتيت سوريا أرضا وشعبا إلى دويلات متقاتلة، وإشعال حرب أهلية لا أحد يعرف متى تنتهي إذا نشبت».
على الجانب الآخر، مازال البعض يعطي ثقته للمجلس الوطني، ويرى أنه أفضل تشكيل للمعارضة عبر عنهم، حتى الآن، وأن حديث النظام عن معارضة الداخل ليست سوى «اختراع أمني»، وفكرة عدم طلب التدخل الخارجي في الشأن السوري «ما هي إلا غطاء لأعمال القتل التي يمارسها النظام بدعوى وجود عصابات مسلحة، واحتمال نشوء حرب أهلية».
ويقول أبو علي (مدرس): «قبل أقل من سنة، لم يكن لهؤلاء أصوات، كانوا مجرد سجناء، أو كتاب بأسماء مستعارة، اليوم يسلط النظام وإعلامه الضوء عليهم كمعارضة، وبعضهم يسعى لمناصب وعدهم بها النظام».
أما محمود س. (بائع خضراوات) فيقول: «النظام مجرم وأعضاء المجلس هربوا إلى الخارج ليعبروا عنا بعد أن سجنهم النظام، أغلبهم هرب بعد اعتقاله، والمجلس يمثل كل التيارات في سوريا، وكل الأديان، والمذاهب».
وعلى النقيض من هذا وذاك، كان لفايز سارة، أبرز وجوه المعارضة الداخلية الذي دفع سنوات طويلة من عمره في السجن نتيجة مواقفه من النظام، رأي آخر تماما فقال: «لا أعتقد أن هناك شيئا اسمه معارضة الداخل والخارج.. إذا اعتبرنا المجلس الوطني معارضة خارجية فهناك تنظيمات فيه مثل إعلان دمشق، التي تشمل عدة تنسيقات مع حركة الشباب، ويمكن القول إن قيادته هنا في الداخل، وحتى إذا اعتبرنا هيئة التنسيق معارضة خارجية فإن لها أيضا قياداتها وتنظيماتها في الداخل، أيضا إعلان دمشق، الذي تأسس في 2005 له قيادة في الخارج (قيادة المهجر)، لذلك لا يجب الفصل، والانتهاء من أن هناك معارضة داخلية وخارجية».