خصوصية العلاقات الألمانية ـ الإسرائيلية تنعش سياحة «الرايخ»

الأربعاء 27-01-2010 00:00

تجود ألمانيا بمناطقها السياحية المنتشرة فى ربوعها الجميلة بسخاء، لترضى جميع الأذواق من عشاق السياحة التاريخية أو الأثرية أو الدينية أو الرياضية أو حتى سياحة التسوق، إلى أولئك الباحثين عن سياحة المناظر الطبيعة من جبال وسهول، لكن تلك الحقبة النازية التى حكمتها مكنتها من صناعة سياحة أخرى جديدة، لم تكن لتزدهر لولا حرص التنظيمات الإسرائيلية الدائم على إنعاش تلك الذكرى الأليمة بدلا من نسيانها، وهو ما جعل شخصا مثل «كريس هيك»، الباحث فى التاريخ الألمانى، يتجه للعمل فرديا فى مجال السياحة، مستثمرا حالة التعاطف السائدة فى المجتمع مع كل ما هو إسرائيلى، مقابل الرغبة العامة لدى الألمان فى مواجهة ماضيهم والتعلم من أخطائه.

يقف أمام المبنى التاريخى العريق للمجلس المحلى لمدينة ميونيخ، رافعا لافتة كتب عليها «رحلة الرايخ الثالث»، ولكن «كريس» ليس الوحيد الذى يقوم بذلك، فهناك زميلة له، تقف بجواره رافعة لافتة «رحلة الداخاو»، وتخصص فيه ساعتين لزيارة أشهر غرف الغاز التى عرفتها معتقلات هتلر فى ميونيخ، التى يشار إليها باعتبارها المهد الذى ولدت فيه «النازية» الألمانية، التى تشكلت حروفها من اسم «حزب العمال الوطنى الاشتراكى الألمانى».

يدعو «كريس» السياح إلى مرافقته فى جولة سير على الأقدام تستغرق 3 ساعات فى مختلف أرجاء المدينة، يمر خلالها على أهم المعالم التى شهد بعضها أول اجتماع لقادة الحزب الاشتراكى بزعامة هتلر فى نادى «هوفبراوخ هاوس»، مرورا بساحة مبنى «فيلهيرينهاليه» التذكارية التى شهدت مواجهات أتباع هتلر والشرطة البافارية فى نوفمبر 1923، وصولا إلى المقر الذى تم فيه التوقيع على «معاهدة ميونيخ» عام 1938، الجولة مصحوبة بشرح تاريخى لأهم الأحداث التى شهدتها تلك المناطق، وكل ذلك مقابل 12 يورو للفرد.

فكرة بسيطة، وتلاقى قبولا شديدا بين الناس، لذا سرعان ما يبدأ «كريس» رحلته مصطحبا معه ما لا يقل عن 10 سياح، يجول بهم مدينة ميونيخ التى يؤكد أن «80 % من مبانيها وبنيتها التحتية وشوارعها ومواصلاتها تحطمت خلال الحرب العالمية الثانية، وأعيد بناؤها فى فترة ما بعد الحرب، التى تسبب فيها وخسرها هتلر. لم يبق من ميونيخ سليما سوى 2 % فقط من مبانيها».

ولأنه ليس مجرد مرتزق سياحى، بل دارس للتاريخ الألمانى، تجد «كريس» مهتما بالجانب المعلوماتى، وربما السياسى فى شرحه، لذا لم أملك نفسى عندما تهكم بشدة وهو يقول «كان هتلر المسكين يعتبر الأقلية اليهودية تهديدا»، ليثير ضحك وسخرية باقى السياح، وبالطبع تعاطفهم مع يهود الأمس وإسرائيليى اليوم، لأعلق على عبارته «تماما كما تعتبر إسرائيل الآن مطلقى الصواريخ البدائية تهديدا، أليس كذلك؟!»

النقاش البارد الذى أعقب هذا السؤال، والدفاع المستميت من قبل «كريس» عن كل ما هو إسرائيلى، خلف لدى يقينا بأن ألماناً كثيرين تجاوزوا مرحلة الشعور بالذنب إلى مرحلة التعايش مع الخطيئة وجلد الذات، فمن أصعب الأمور التى قد تواجهك فى ألمانيا محاولة إقناع أحدهم بأن جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين تضاهى جرائم النازية.

قد يعترف البعض بأن إسرائيل مخطئة فى قتل «أبرياء»، لكن أن يقروا بأن ما حدث فى غزة «إبادة جماعية» تعادل من قريب أو بعيد محارق النازى، فهذا من رابع المستحيلات. بلسان مبرمج، ودماغ بدا خاضعا لعملية غسيل مخ حادة، أصر «كريس» على أن «اعترافنا بالخطيئة الفادحة التى ارتكبناها بحق 6 ملايين يهودى هى سبب نجاحنا اليوم»، ومضى قائلا «نقد الذات وتمسكنا بتعويض اليهود عما جرى لهم بسبب هتلر الذى انتخبناه هو أحد أهم مقومات نجاحنا الآن».