قال يزيد صايغ، الباحث بمؤسسة «كارنيجي» للسلام الدولي إن هناك صراعا في مصر يدور بين المسؤولين «المنتخبين ديمقراطيا»، وبين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، حول قيادة مستقبل البلاد في حقبة ما بعد مبارك، مشيرًا إلى أن فالمجلس العسكري «يسعى إلى ترسيخ وصايته على البلاد في الدستور»، أما السلطات المدنية فتحاول انتزاع السلطة من المؤسسة العسكرية، وهو ما يضع المرحلة الانتقالية في مصر على المحك.
وأضاف أنه بعد عام 1991، وسعت القوات المسلحة المصرية سلطاتها لتشمل كل مجال تقريبا في نظام حسني مبارك القائم على المحسوبيات، وجرت استمالة كبار الضباط عبر وعدهم بتعيينهم بعد التقاعد في مناصب رئيسة في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، ومنحهم رواتب إضافية وفرصاً مربحة تُمكِّنهم من كسب دخل إضافي وزيادة موجوداتهم المادية، وذلك مقابل ولائهم للرئيس.
ووصف ما حدث بأنه بدء «جمهورية الضباط»، مشيرًا إلى أنها كانت الأداة الأساسية في يد السلطة، بعد أن اخترقت الدولة والاقتصاد.
ورأى الصايغ أنه لتفادي الوصاية العسكرية الصريحة، فينبغي على الرئيس محمد مرسي، والأحزاب، الوصول إلى توافق للحد من الصلاحيات الاستثنائية التي يسعى المجلس إلى تضمينها في الدستور الجديد، كما أكد أنه من الضروري تثبيت الرقابة المدنية الفعالة على تفاصيل ميزانية الدفاع وأي مصادر أخرى للتمويل العسكري.
وأوضح في الورقة البحثية التي نشرها موقع المؤسسة الأربعاء، أنه يجب أن يلزم القادة المدنيون الحذر، «فكلما أحرزوا مزيداً من التقدّم، كافحت جمهورية الضباط أكثر لإحكام قبضتها على ما لها من سلطات، مستخدمةً شبكاتها الواسعة المتغلغلة في جميع أنحاء جهاز الدولة لعرقلة سياسة الحكومة وإصلاحاتها، وإعاقة تأمين الخدمات العامة، وتقويض النظام الديمقراطي الناشئ»، مشددًا على أن جمهورية مصر الثانية «لن تولد إلا عندما تزول جمهورية الضباط عن الوجود».
وقال إن تصوير المجلس العسكري لنفسه منذ الإطاحة بمبارك بأنه وصي على الثورة المصرية، «ينطوي على قدرٍ كبير من التحوير، فهو لم يبدأ بالعملية الانتقالية، بل اضطلع فيها بدور القابلة الذي فرضته عليه حركة الاحتجاج الجماهيرية، أو تصرّف في أسوأها على نحو استباقي، حيث أزاح الرئيس لكي يجهض حصول تغيير ثوري أعمق ويحمي نفسه».
وأضاف أن طنطاوي شغل منصب وزير الدفاع لمدة 20 سنة في حكم مبارك، « وهي أطول فترة يمضيها أي شخص في هذا المنصب منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة والجيش العصري على يد محمد علي في أوائل القرن التاسع عشر».
وأشار إلى أن «البقاء كل هذه المدة الطويلة في المنصب إنما يعكس الولاء السياسي من جانب طنطاوي وزملائه الضباط لمبارك، وليس كفاءتهم المهنية العسكرية». وتابع أن القوات المسلحة أصبحت «أكثر انغلاقاً من دون أن تكتسب الكفاءة كقوة مقاتلة، وقد أصبحت بلا ملامح واضحة، تمثلها شبكات الضباط غير الرسمية التي تتغلغل في جهاز الدولة واقتصادها، بقدر ماتمثّله فروعه القتالية الرسمية».
وقال إن القوات المسلحة في مصر «لم تُختبَر في القتال منذ أربعة عقود – باستثناء مساهمة محدودة في عملية (عاصفة الصحراء) في الكويت في العام 1991، ويصفها الضباط الأميركيون بأنها كانت (خائبة) - وبالتالي يبدو أن الروح الجماعية لدى كبار الضباط تعتمد على الذهنية الدفاعية والتصوّر المحافظ بأن الإصلاح والتغيير يشكّلان مصدر تهديد كامن لهم، أكثر من اعتمادها على شعور حقيقي بأنها تضطلع بمهمة وطنية».