قبيل ساعات من تصويت الدول الأعضاء فى الجمعية العامة بالأمم المتحدة على مشروع قرار يدين أعمال العنف فى سوريا تقدمت به السعودية وقطر، رفضت وفود عربية تعديلات روسية على مشروع القرار باعتبارها تضعف المسودة التى تؤيد خطة عربية تدعو إلى تنحى الرئيس السورى بشار الأسد. ووصفت الوفود التعديلات بـ«غير المقبولة»، بينما دعت منظمتان حقوقيتان إلى تبنى «قرار قوى» يندد بأعمال القمع فى سوريا، وذلك فى الوقت الذى واصلت فيه القوات السورية هجماتها فى أنحاء البلاد رغم جهود السلام العربية والغربية.
من بين التغييرات التى طلبتها روسيا تعديل على فقرة تشير إلى الخطة التى اقترحتها الجامعة العربية يوم 22 يناير الماضى وتدعو «الأسد» إلى التنحى وتسليم صلاحياته إلى نائبه.. وتطالب روسيا بتغيير يقضى بالربط بين عودة القوات السورية إلى ثكناتها، وبين «إنهاء الهجمات التى تشنها الجماعات المسلحة ضد مؤسسات الدولة»، كما تريد «موسكو» ألا يتطرق مشروع القرار إلى أى انتهاكات للحكومة السورية ضد مدنيين، بينما يهدف مشروع القرار- الذى وزعته مصر على الجمعية العامة نيابة عن الوفود العربية - إلى حشد الدعم لخطة الجامعة العربية بطريقة لم يتمكن مجلس الأمن من فعلها نتيجة «الفيتو» الروسى - الصينى ضد قرار مماثل فى 4 فبراير.
وقال دبلوماسى غربى رفيع المستوى، إن «التعديلات الروسية رفضها العرب»، فيما قال دبلوماسيون آخرون إن مشروع القرار «غير الملزم»، الذى يتوقع أن يصدر بالغالبية العظمى من أعضاء الجمعية العامة لـ193 دولة، يهدف أيضاً إلى تسليط الضوء على أن روسيا والصين تقفان وحدهما فعلياً بشأن سوريا.
وبدورهما، طالبت منظمتا «العفو الدولية» و«هيومان رايتس ووتش» الجمعية العامة باعتماد قرار «شديد اللهجة» بشأن العنف وانتهاكات حقوق الإنسان فى سوريا، وأوضحتا فى رسالة مشتركة أن 607 أشخاص على الأقل قتلوا فى سوريا منذ 3 فبراير، منهم 377 فى حمص وحدها.
وفى تلك الأثناء، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كى مون، السلطات السورية إلى الكف عن قتل المدنيين، وقال إن جرائم محتملة ضد الإنسانية ترتكب فى البلاد، وأوضح للصحفيين بعد لقائه الرئيس النمساوى هاينز فيشر، الخميس: «نرى أحياءً تقصف بصورة عشوائية، ومستشفيات تُستخدم كمراكز تعذيب، وأطفالاً يُقتلون ويعتدى عليهم. نرى تقريباً جرائم محددة ضد الإنسانية».
يأتى ذلك فيما ينتظر أن يصوت النواب الأوروبيون خلال ساعات لصالح مشروع قرار فى البرلمان الأوروبى يندد بموقف الصين وروسيا فى مجلس الأمن ويدعو الأسد إلى «التنحى فوراً». وقبيل لقاء وزير الخارجية الفرنسى آلان جوبيه بنظيره الروسى سيرجى لافروف فى فيينا أمس، قال جوبيه إنه سيحاول إقناع لافروف بأن موسكو «مخطئة فى الانعزال» فيما يتعلق بالملف السورى. وتابع جوبيه أن بلاده «تتفاوض من جديد على قرار لمجلس الأمن، لنرى ما إذا كان يمكن إقناع الروس بالتراجع عن موقفهم»، كما أشار إلى اعتزامه بحث فكرة إقامة «ممرات إنسانية» فى سوريا لتخفيف معاناة المدنيين.
من جهتها، حثت تركيا، الأمم المتحدة، أمس الأول، على التحدث مع النظام السورى كى يوافق على إرسال مساعدات إنسانية لإغاثة المدنيين من ضحايا القمع والمواجهات، فيما أكد وزير الخارجية الألمانى جيدو فسترفيله أن بلاده عازمة على استغلال الاجتماع المقبل لمجموعة أصدقاء سوريا بتونس المقرر فى 24 فبراير لزيادة الضغوط على نظام الأسد عبر توسيع نطاق العقوبات الاقتصادية.
ومن جهته، أكد الأمين العام لحلف شمال الأطلنطى (الناتو) أندرس فوج راسموسين، أن الحلف لا يعتزم التدخل فى سوريا «بأى شكل من الأشكال»، داعياً إلى «حل إقليمى» للأزمة.
وفى الوقت الذى مدد فيه «المجلس الوطنى السورى» المعارض عقب اجتماع له أمس الأول فى الدوحة رئاسة برهان غليون له لمدة 3 أشهر، أعلن رئيس المجلس الوطنى الانتقالى الليبى مصطفى عبدالجليل أن ليبيا ستسمح لـ«الوطنى السورى» بفتح مكتب له فى طرابلس، بينما أعلنت سويسرا اعتزامها إغلاق سفارتها فى دمشق، داعية رعاياها إلى مغادرة «البلد المضطرب بأسرع ما يمكن». وفى الداخل السورى، رفضت شخصيات سورية معارضة عرض الأسد الاشتراك فى الاستفتاء المقرر فى 26 من الشهر الجارى على الدستور الجديد للبلاد، فيما دعا ناشطون أمس السوريين إلى مقاطعة الاستفتاء لـ«التأكيد على ضعف التأييد الشعبى للنظام المجرم».
وميدانياً، قال سكان وناشطون إن قوات مدرعة سورية هاجمت مدينة درعا جنوباً - مهد الاحتجاجات - أمس، فى محاولة للقضاء على جنود منشقين فى المدينة، وأضافوا أن أصوات الانفجارات ونيران الرشاشات ترددت فى أحياء البلدة مع مهاجمة القوات الحكومية الجنود المنشقين الذين ردوا بإطلاق النار على نقاط تفتيش تابعة للجيش، وقال شهود إن 4 على الأقل قتلوا فى درعا.
وفى حماة، قال ناشطون إن 5 على الأقل قتلوا وأصيب 50 آخرون على مدى الـ24 ساعة الماضية، فى أحدث قصف تتعرض له المدينة من جانب قوات الجيش والقناصة. وقال ناشطون إن المدينة تخضع لـ«حصار كامل بالدبابات والمدرعات»، كما تحدثوا عن حملة مداهمات واعتقالات كبيرة فى أحياء المدينة فيما وصفوه بـ«محاولة فاشلة لترهيب الأهالى ومنعهم من استضافة عناصر الجيش الحر» الذى يضم جنوداً منشقين.
وواصلت قوات الأسد قصف حى بابا عمرو بحمص أمس، كما طال القصف أجزاء من حيى الإنشاءات والخالدية، بينما أشارت تقارير إلى قيام طائرات حربية بقصف جوى على حمص، أمس الأول، بينما أفاد ناشطون بسقوط 52 قتيلاً، أمس الأول، برصاص الأمن، معظمهم فى ريف دمشق وإدلب، ليتجاوز بذلك عدد قتلى الاحتجاجات منذ انطلاقتها فى مارس الماضى الـ8 آلاف.