بدأ الليبيون مبكراً احتفالاتهم بالذكرى الأولى لثورة «17 فبراير» التى أطاحت بنظام العقيد معمر القذافى وانتهت بمقتله فى أكتوبر الماضى، بعد 42 عاماً من الحكم، وسط هواجس أمنية من شن أنصار القذافى هجمات محتملة، وآمال شعبية بـ«ديكتاتور عادل» يحكمهم لمحاولة استعادة الأمن الذى لم يهنئوا به منذ سقوط النظام.
وناشد المجلس الوطنى الانتقالى الليبيين بإقامة احتفالات بسيطة لا تتخللها مظاهر تسلح، قائلاً: «إن جراح ليبيا لم تلتئم بعد». وأعلن المجلس صرف ألفى دينار ليبى لكل أسرة، و200 دينار لكل فرد غير متزوج بمناسبة الذكرى الأولى للثورة. واستعادت بنغازى، التى انطلقت منها شرارة الانتفاضة، أجواء ثورة 17 فبراير، حيث سلم أهالى ضحايا مجزرة سجن بوسليم «شعلة الثورة» إلى نجل المجاهد عمر المختار، إيذانا ببدء الاحتفالات. وفى تصريح لـ«الجزيرة» أشاد محمد عمر المختار ببطولات ثوار ليبيا، ونصح الحكومة الانتقالية بوضع الأمن والتعليم والصحة والصدق مع الشعب من أولوياتها.
وتأتى الاحتفالات وسط أجواء توتر من بطء الإصلاحات التى وصلت لحد اتهام المجلس الانتقالى الحاكم بـ«سرقة الثورة» والسماح لفلول القذافى بالتسلل للنظام الجديد. ولكن المراقبين يرون أن السلطات الجديدة ترزح تحت وطأة ميراث نظام القذافى، المتمثل فى انتشار الأسلحة وتقادم البنى التحتية وغياب المؤسسات، واقتصاد ينخره الفساد ونظام صحى وتربوى بدائيين.
وبعيداً عن مشاهد الثوار - الذين يبدو على أكثرهم علامات الانتماء الدينى، توضح أن ليبيا تتجه بلا شك إلى دور أكبر للإسلام فى الحياة السياسية - هناك العديد من المظاهر تؤكد أن طريق الإصلاح واستعادة الأمن فى ليبيا سيكون شاقاً. فالعاصمة لم تعرف الاستقرار حتى الآن، مجموعات من الثوار والميليشيات تمتلك القوة الفعلية وسط وغياب سلطة مركزية قوية. حيث باتوا يتولون مهاماً فى الشرطة والجيش اللذين لا يسيطر عليهما النظام الجديد بعد، فعلى سبيل المثال يتولى ثوار الزنتان تأمين المنطقة المحيطة بالمطار، بينما يتولى ثوار مصراتة تأمين مناطق أخرى فى طرابلس.
ويقول صحفيون ليبيون منتقدون الوضع فى مقالات بمناسبة الذكرى الأولى «إن الثوار أشهروا السلاح لتحرير ليبيا من الديكتاتورية، ولكنهم عندما حصلوا على الحرية لم يلقوا السلاح». ويرفض الشباب والثوار وضع السلاح ويبررون ذلك بقولهم إنهم إذا سلموا سلاحهم فإن هذا يعنى ببساطة إلغاء دورهم فى الثورة، وبالتالى إلغاء دورهم فى مستقبل ليبيا.
وبجانب غياب الأمن، لم يتوقف التعذيب بعد سقوط القذافى، حيث يسيطر الثوار على السجون التى يقبع فيها مسؤولون ومقاتلو النظام البائد والذين تعرض بعضهم إلى التعذيب حتى الموت، على ما أفادت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. وحذرت منظمة «العفو» الدولية من أن الميليشيات باتت تهدد الأمن والاستقرار فى أجزاء واسعة من ليبيا دون أن تتصدى لها الحكومة. وقالت المنظمة إن 12 شخصاً على الأقل توفوا أثناء احتجازهم لدى الميلشيات المسلحة بعد تعرضهم للتعذيب منذ سبتمبر الماضى. ووسط الأوضاع المتوترة فى ليبيا، يبدو أن أمل الشعب هو فى ديكتاتور قوى ولكن عادل يعيد لهم الأمن فى بلاد تعرف بسيطرة القبلية والعصبية عليها، وفى هذا السياق نشرت «الإندبندنت» نتائج استطلاع آراء الليبيين فيما يجرى فى بلدهم، وكيف ينظرون إلى المستقبل مع حلول الذكرى السنوية الأولى لإطاحة حكم القذافى. وتقول الصحيفة إن الاستطلاع يشير إلى إن أكثر من ثلث الليبيين يفضلون أن يحكمهم «رجل قوى» أقرب للديكتاتور العادل بدلا من الحكم الديمقراطى على الأقل لمدة الـ5 سنوات المقبلة. وأشارت الصحيفة إلى أن هناك مخاوف من أن فراغ السلطة قد يؤدى إلى نشوب صراعات بين الأطراف التى أسهمت فى الإطاحة بالقذافى.