ساعات وتصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار «غير ملزم» يدين ممارسات نظام الرئيس السوري بشار الأسد بحق المتظاهرين، والتساؤلات تحوم، على وجه التحديد، حول الموقفين الروسي والصيني.
وفتحت الحرب التي يخوضها الأسد، جبهات عدة، من واشنطن إلى موسكو إلى بكين، إلى سائر العواصم الأوروبية. وانتقلت الحرب العسكرية الممتدة من دير الزور شرقا، إلى حمص وحلب ودمشق غربا، ومن الحسكة شمالا، إلى درعا جنوبا، إلى معارك سياسية احتدمت في نيويورك بين جنبات مجلس الأمن.
ورغم برودة طقسها تحت الصفر، وتصلب مواقفها دون التوقعات، لم يكن الحال في موسكو أقل اشتعالا، فردود الفعل الداخلية تتواصل، وتحليلات المراقبين لا تتوقف عن تقييم حسابات المكسب والخسارة التي يجنيها «الكريملين»، جراء قراره استخدام حق الاعتراض «فيتو» ضد القرار الغربي-العربي المشترك حيال سوريا في مجلس الأمن، فضلا عن التكهنات الدائرة حول موقفه المرتقب في تصويت الجمعية العامة، الثلاثاء.
ففي حين يحذر بعض المحللين من انزلاق السياسة الروسية إلى تشعبات الأزمة السورية وامتداداتها الإقليمية والدولية، ومن تحول التباين في المواقف مع الغرب إلى «حرب باردة» جديدة قد تتجاوز حدود تبادل الاتهامات، فإن فريقا آخر يؤيد الموقف الرسمي، من زاوية «إعادة الاعتبار إلى حجم موسكو الجيو-سياسي، ودورها المحوري في إعادة التوازن إلى السياسة العالمية والعودة مجددا إلى نظام القطبين».
وينبغي التذكير هنا بأن السياسة الروسية الجديدة في المنطقة، لا سيما تجاه الأزمة في سوريا، جاءت بعد تساهل نسبي في الموقف من توجهات واشنطن وحلف شمال الأطلنطي «ناتو» تجاه ليبيا، وما ترتب على ذلك من تباين داخل القيادة الروسية حيال كيفية الموقف الذي كان يجب اتخاذه.
تبدو موسكو الآن مصممة على عدم تكرار التجربة الليبية بتفاصيلها وحيثياتها، وهو ما يفسر معارضتها لمحاولات إقامة مناطق حظر للطيران في المناطق السورية، التي شهدت تصاعد الاحتجاجات، وما تبع ذلك من محاولات أخرى لتضييق الخناق على نظام الرئيس بشار الأسد.
وفي الوقت الذي تتصلب فيه موسكو تجاه هذه الخطوات، وتعارضها بشدة، فإنها أبقت فيه المجال مفتوحا لأية حلول سلمية للأزمة تقوم على الحوار المباشر بين أطراف الأزمة، مبدية استعدادها لاستضافة حوار من هذا النوع.
في هذا السياق، قال دميتري ميكولسكي، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، والباحث المعروف في أكاديمية العلوم الروسية إن الموقف الروسي تجاه سوريا يقوم على التمييز بين ضرورة إجراء الإصلاحات المختلفة في سوريا، وفي نفس الوقت منع التدخل الأحنبي، الذي ستكون نتائجه وخيمة، ليس فقط لسوريا بل على الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها- حسب رأيه.
ويؤكد ميكولسكي، في حديثه لـ «المصري اليوم»، أنه لا تناقض في موقف موسكو حيال الأزمة في سوريا، فهي تعتبر أن تأييدها لنظام الأسد ليس موجهاً ضد الثوار، بل للحيلولة دون محاولات واشنطن والغرب «إشعال حرب أهلية»، من وجهة نظرها.
وأضاف أن موسكو ترى في سقوط الأسد تهديدا لنشوء أنظمة ونمو حركات- ذات بعد إسلامي- قد تشكل تهديدا في المستقبل للاستقرار في روسيا، خاصة في المناطق الإسلامية منها.
ويلفت ميكولسكي إلى دلالات الزيارة التي قام بها مؤخرا وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، والتي رافقه فيها مدير الاستخبارات ميخائيل فرادكوف، والتي لم ترق لأمريكا وأوروبا.
ويرى ميكولسكي أن «علنية» زيارة رجل المخابرات الأول في روسيا إلى دمشق تشكل «سابقة تاريخية»، إلى جانب مضمونها الذي تمثل في إطلاع الأسد على المعلومات الحساسة التي تمتلكها المخابرات الروسية، والمتصلة بالشأن السوري.
في الوقت نفسه، والحديث لميكولسكي، «يبدو طبيعيا امتعاض موسكو المزدوج تجاه مواقف أنقرة، وأولها إعلان استعدادها نشر منظومة الدرع الصاروخية على أراضيها، وهو ما تنظر إليه موسكو بتوجس وحساسية مفرطين. الأمر الثاني الذي يثير حفيظة موسكو هو «محورية دور أنقرة واستعدادها لأخذ دور رأس الحربة في الصراع مع الرئيس الأسد – حليف موسكو القوي».
هكذا يفسر ميكولسكي أسباب التحرك «الوقائي» للدبلوماسية الروسية، التي تقرأ خلفية الأحداث وفق فهم يقوم على رصد الأرباح الأمريكية من حصاد «الربيع العربي»، والذي ترى أن أبعاده قد تكون أكثر خطورة حال «انتشاره» ليطال دول حليفة لها.
ويمكن الإشارة هنا إلى انتقال حالة العلاقة بين الولايات المتحدة والحركات الإسلامية من عداء وتوجس، إلى ما يشبه البدء بترتيبات وتفاهمات ولهجة أقل حدة، إن لم يكن بدون حدة. ولربما شكلت إحدى دلالاتها في الآونة الأخيرة استعداد واشنطن لبدء حوار مع حركة «طالبان»، وما تبع ذلك من مؤشرات تمثلت في فتح مكتب ارتباط للحركة في قطر، حليفة أمريكا في الخليج.
من هنا، جاءت ضرورة تقديم موسكو الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري إلى نظام الأسد، وفي نفس الوقت مطالبة القيادة السورية بوقف العنف وإجراء إصلاحات سياسية واجتماعية. كما أن الوقف الروسي من النظام تدرج وفقا لقراءة موسكو لخلفيات المواقف من دمشق وأبعادها.
ويمكن التذكير هنا بتصريح الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف في بداية الأزمة السورية حول أن موسكو قد تعيد النظر في موقفها من دمشق، وأن الأسد سينتطره «مصير محزن» حال لم يقم بالإصلاحات وبالحوار مع المعارضة، وذلك قبل أن تتبدل اللهجة من سوريا «لتلامس الدعم اللامحدود لللأسد»،على حد وصف ميكولسكي.