وقع خبر إحالة عشرات النشطاء، من بينهم 19 أمريكيًا، إلى القضاء كالصدمة في الدوائر السياسية الأمريكية، ومنظمات حقوق الإنسان. واشتعل الغضب في المنظمات، التي ينتمي إليها الناشطون، مثل المعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي القومي، و«فريدم هاوس».
واعتبر عدد كبير من السياسيين والمحللين أن قرار إحالة النشطاء إلى المحاكمة يدفع بالتوتر بين واشنطن والقاهرة إلى ذروة جديدة، في وقت تمر فيه مصر بحالة من الانتقال السياسي والغضب الشعبي، لاسيما مع المواجهات الميدانية بين قوات الأمن والمحتجين في الشوارع، إضافة إلى حالة الاقتصاد المتدهور.
لم تكن تحذيرات وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، بقطع المعونة عن مصر، على هامش مؤتمر «الأمن» في مدينة ميونيخ الألمانية، هي الأولى من نوعها، فقد سبقها السيناتور، باتريك ليهي، بمجلس الشيوخ الأمريكي، عن ولاية «فيرمونت»، الذي حذر من «خطورة المسلك الذي تتخذه القاهرة»، مؤكدًا أن «بوسع (الكونجرس) وقف كل أشكال المساعدات الأمريكية لمصر، ما لم تتوقف هذه الحملة الشرسة على جماعات ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية العاملة في مصر بتمويل من الإدارة الأمريكية». وقال ليهي، الذي يرأس لجنة الإشراف على المساعدات الخارجية إن «زمن الشيكات على بياض انتهى».
بعدها جاءت تصريحات كلينتون بـ«إعادة النظر في المساعدات الأمريكية لمصر»، لتكشف حجم الاحتقان المتصاعد، لاسيما بعد قرار إحالة 19 أمريكيًا إلى القضاء. وقالت كلينتون، عقب لقائها وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، على هامش مؤتمر ميونيخ، إن واشنطن «تعرب عن عميق القلق مما يحدث للمنظمات غير الحكومية في مصر، خاصة أنه لا يوجد أي أساس للتحقيقات في أنشطة تلك المنظمات، أو مداهمتها، ومصادرة ممتلكاتها، ومن المؤكد أنه ليس هناك أساس لقرار منع أعضائها من السفر».
وقالت كلينتون للصحفيين: «المشاكل التي ستنشأ من هذا الوضع يمكن أن تؤثر على كل ما تبقى من علاقاتنا مع مصر. عملنا بجد في العام الماضي لمساعدة مصر من الناحية المالية وتقديم الدعم للإصالاحات الاقتصادية والسياسية التي تحدث في مصر». أما وزير الخارجية فاكتفى بالتأكيد على أن «القضاء يخرج عن سيطرة الحكومة، ويقع تحت سلطة مباشرة للمجلس العسكري».
وصرح تشارلز دن، مدير قسم الشرق الأوسط في مؤسسة «فريدم هاوس» بأن «تعامل الجيش مع قضية المنظمات غير الحكومية كان كارثيا. هذا القرار بإحالة العاملين إلى القضاء هو تصعيد آخر من قبل الحكومة المصرية في حربها على المجتمع المدني، وليس فقط المؤسسات الأمريكية، بل كل المنظمات المصرية أيضًا». وأضاف دن: «من المذهل أنهم يفعلون ذلك في حين يقوم وفد رفيع من العسكريين بزيارة الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع الكونجرس والإدارة الأمريكية لضمان استمرار التمويل العسكري الأمريكي لمصر».
ورأى محللون أن هذه الخطوة قد تدفع قادة الكونجرس إلى تصعيد تهديداتهم بوقف المعونة الأمريكية لمصر، التي تبلغ 1.55 مليار دولار، خلال العام الجاري 2012، بما في ذلك 1.3 مليار دولار من المعونة العسكرية، فضلا عن أن الإقدام على هذه الخطوة قد ينهي علاقات استمرت 3 عقود من التعاون العسكري بين البلدين، كما قد ينهي هذا التصعيد علاقة طويلة التزمت خلالها مصر باتفاقية السلام مع إسرائيل، التي تشكل «حجر الزاوية في دعم الولايات المتحدة للنظام المصري».
ويقول المراقبون إن قرار إحالة النشطاء إلى المحاكمة يتزامن مع خروج تصريحات معادية للولايات المتحدة في وسائل الإعلام، وتوجيه اتهامات للمنظمات بدعم الاحتجاجات، وأشاروا إلى تصريحات فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي، التي قالت فيها إن الحكومة المصرية «لن تتردد في فضح المخططات الخارجية»، التي تهدد استقرار الوطن، وهي اتهامات وصفها المراقبون بـ«المبطنة»، بما يوحي بأن واشنطن تسعى لزعزعة الاستقرار في مصر «بطريقة غير مشروعة عن طريق تمويل الناشطين الشباب».
كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد تناول الأزمة المتصاعدة مع مصر في اتصال هاتفي مع المشير حسين طنطاوي، لمناقشة أبعاد وضع المنظمات غير الحكومية، كما أرسل 41 عضوًا في الكونجرس رسالة إلى المشير طنطاوي تحذر من «تأثير مداهمة مكاتب المنظمات غير الحكومية واعتقال أعضائها على مستقبل المعونة الأمريكية لمصر».