المشهد السياسي من نافذة وزارة الداخلية يختلف تماما عنه كما يراه المتظاهرون من تحت الوزارة، ففي الوقت الذي تشير فيه نظرة «الثوار» للأصابع الداخلية وصراع القوى كمتسبب في الأزمات التي يشهدها الشارع السياسي في مصر، تشير أصابع «الداخلية» للأصابع «الخارجية» باعتبارها المحرك والمدبر للأحداث. «المصري اليوم» تحدثت مع «الثائر» و«اللواء»، فأكد لنا كلاهما «أنها مؤامرة».
«صراع القوى» هو التفسير الذي تبنته مي عبد الرازق، إحدى الثوار التى شاركت في كل الأحداث السابقة وآخرها أحداث وزارة الداخلية.
«مي طبيبة صيدلانية وناشطة في «اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة المصرية بميت عقبة والدقي ، ترى أن المجلس العسكري يعمل على قتل الثورة وتحويلها لعملية تجميل شكلية للبلاد ليستمر النظام الذي اعتاد «العسكري» على العمل فيه، والذي أكدت أنه «يريد أن يظل دولة فوق الدولة، ويعمل على إصلاحات طفيفة دون المساس بمنظومة القوى».
أحداث بورسعيد كما تراها أعين مي «الثورية»، لا تخرج عن كونها محاولة للعسكري للقضاء على ثاني قوة منظمة في الشارع المصري وهم «الألتراس»، بعد الاتفاق مع القوة الأولى وهي جماعة الإخوان المسلمين».
تضيف «مي»: «نخشى أن يتحول العسكري إلينا بعد تخلصه من القوتين المنظمتين، فالتخلص من الثوار هو آخر خطوة في عملية قتل الثورة».
لا تستبعد «مي» أن يكون «المجلس العسكري» حليفا لـ«مبارك» و«نزلاء طرة»، مؤكدة أن الأحداث تحركها يد من داخل طرة مع يد من داخل المجلس العسكري، وإن كانت لا تستبعد أيضا أن يكون هناك صراع قوى داخلي في المجلس العسكري، انطلاقا من الاختلاف داخل المنظومة على الولاء لـ«المشير طنطاوي».
«الأصابع الخارجية»، التى يتحدث عنها «الجانب المقابل»، لا تراها مي عبد الرازق إلا مجرد «كسل وخداع للنفس» يمارسه مدعو نظرية «المؤامرة الخارجية»، لأنهم لا يريدون أن يتعبوا عقولهم في تفسير الموقف بشكل صحيح، مستشهدة بمبارك وتقول: «مبارك كان يقنع نفسه أن الشعب يحبه، لكن هذا لا ينفى عنه أنه عميل، وأنه كان يعرف ذلك.. هؤلاء يضحكون على أنفسهم ولا يريدون أن يرون الحقيقة».
وعن قضية «التمويل الخارجي» للجمعيات، الذي يتخذه الطرف الأمني دليلا على نظريتهم، تقول مي عبد الرازق: «معروف أن الجمعيات تتلقى تمويلاً خارجيًا..لأنها غير حكومية وبالتالي فيجب ألا تكون ممولة من الحكومة المصرية، لكن الحكومة استطاعت أن تربط بين كلمة تمويل وكلمة عمالة، رغم عدم ارتباطهما ببعض».
وتواصل: «هذا لا يعني أن التمويل الخارجي لابد أن يترك بلا ضابط. نحن أول من يطالب بوضع ضوابط، ولذا ننتقد تلقى المجلس العسكري لتمويل أمريكي بانبطاح تام».
لم تنفى «مي» وجود أصابع داخلية تتلقى تمويلات لتحقيق أهداف شخصية، ولكنها لا ترقى لدرجة العمالة والخيانة وتقول: «نعم هناك مرتزقة سياسيين، لكن حجمهم لا يرقى لدرجة التسبب في لاندلاع حادث، مثل مجلس الوزراء أو محمد محمود».
وكما ترى «مي» أن الطرف الآخر المؤمن بنظرية المؤامرة الخارجية وهيمنتها على المشهد السياسي كله «لا يريد أن يرى الحقيقة»، يرى اللواء الدكتور سامح أبو هشيمة «الخبير الأمني والاستراتيجي» أن الخدعة إذا كشفها المخدوع لن تصبح خدعة، ومن ثم فإن عدم إدراك المتظاهرين للخدعة هو تأكيد على كونها خدعة مؤامرة خارجية.
يقول أبو هشيمة: «من مبادئ السياسة أنها بلا أخلاق، وأنه إذا وجدت أدوات أيا كانت ولم يستخدمها السياسي لما كان سياسيا محنكا».
أضاف شارحا رؤيته للمؤامرة الخارجية التى تسيطر على المشهد السياسي في مصر: «لا يمكننا تجاهل القلق الأمريكي بعد الثورة، التى نتجت عن سقوط الحكام، الذين كانوا ينفذون توجيهاتهم، وهو ما دفعها لاستخدام الشباب والجمعيات لتنفيذ هذه التوجيهات، خاصة بعد رفض الجيش للتدخل السافر لأمريكا بغرض فرض قيود على التصرفات السيادية داخل حدود البلاد بحجة حقوق الإنسان».
يرى «أبو هشيمة» أن ذوي المصالح الخارجية يستخدمون طاقات الشباب المؤججة نتيجة البطالة، ويستشهد بمباراة الأهلي والمصري في بورسعيد، مؤكدا أن حضور الشباب بكثافة للمباراة والتعصب للرياضة هو نتيجة للبطالة، ويقول: «أنا لم أكن أعرف أن هناك مباراة لأنني رجل مشغول، وحتى لو علمت ستكون بالنسبة لي رياضة هدفها الترفيه وإفادة الجسد..لكن من يتخذها تعصب ويقضي وقته في تشجيعها هو قصور في التربية». وأضاف: «تحولت الساحة السياسية لعيل صغير يلاعب عيل صغير..فأحدثوا كارثة..لذا لابد من تدخل الكبار وأن يأخذوا مسؤوليتهم».
تتعدد «الأصابع الخارجية» من وجهة نظر اللواء سامح أبو هشيمة، بدءًا من إسرائيل حتى أمريكا وإيران والسعودية، مؤكدا أن كلا منهم له مصلحة غير الآخر وأن كلا يلعب الآن على مصلحته، وأنه لا أحد ينكر قلق إسرائيل الهائل بعد الثورة، لكننا نعرف أن إسرائيل لا تقلق بالعواطف وإنما بالأفعال، لأنها تعرف أن العداوة بيننا لن تنتهي.
يعلم «أبو هشيمة» أن المتظاهرين من الشباب لا يؤمنون بنظريته، لكنه يفسر قائلا: «لو المخدوع شعر أنه مخدوع لما أصبحت خدعة.. هم آلة تستخدم، لكنهم لا يعرفون أبعاد الموقف لأنهم مجرد ترس في خطة المؤامرة».