أصوات من السماء: البهتيمي.. مُقرئ «عبدالناصر»

كتب: ميلاد حنا زكي الأربعاء 25-07-2012 20:05

ثقته بنفسه كبيرة من الصغر، محمد زكى يوسف، الشهير بكامل البهتيمى، ولد بحى بهتيم، شبرا الخيمة قليوبية، عام 1922، كان أبوهً من قراء القرآن، ألحقه بكتاب القرية وعمره ست سنوات، وأتم حفظ القرآن قبل العاشرة.

حين أدرك حلاوة صوته، ذهب، دون دعوة، لمسجد قرية «عزبة إبراهيم»، المجاورة لبهتيم، ليتلو القرآن قبل صلاة العصر. جذب انتباه المترددين على المسجد، وبدأ يُعرف كقارئ بالقرى المجاورة، وأحيانا منشدا بالليالى الدينية. رافقه أبوه لمدة طويلة إلى أن استقل عنه، بعد أن أصبح قارئاً معروفاً نسبيا.

فى مرحلة مبكرة، قلد الشيخين محمد رفعت ومحمد سلامة، إلى أن استمع إليه الشيخ محمد الصيفى، بدايات عام 1952م ، وأعجب به، وطلب أن يستضيفه فى بيته بالعباسية. مهد الصيفى طريقاً للبهتيمى إلى قاعدة أكثر اتساعاً عشرات المرات، ضمه لبطانته فى الحفلات والسهرات الدينية، وقدمه للناس على أنه اكتشافه، فلما اتسعت معرفة الجمهور القاهرى به، أخذ الكثير منهم يدعونه لإحياء المآتم والحفلات الدينية، مستقلاً.

تدريجيا، أصبح للبهتيمى أسلوبه وبصمته الخاصة، ورغم إجادته لفنون القراءات، لم يلتحق بمعهد متخصص، معتمدا على السماع والخبرة. وظل عدم حصوله على شهادة متخصصة «عُقدة» بالنسبة له، حتى إنه رفض أن يتقدم للإذاعة، خشية أن يستبعد لعدم حصوله على «شهادة»، لكن أستاذه الصيفى ضغط عليه، فتقدم ونجح بامتياز، وتعاقدت معه الإذاعة، أول نوفمبر 1953، مقابل 4 جنيهات شهرياً، وسجل القرآن مجوداً لها، ولم يمهله القدر لإنجازه مرتلاً. وتم تعيينه قارئاً للسورة يوم الجمعة بمسجد عمر مكرم حتى وفاته، وكان محبوباً من دائرة الحكم وقتها، وعادة ما دعى لإحياء المناسبات الدينية بمقر الرئاسة، حتى عُرف بمقرئ عبدالناصر.

عام 1967، ذهب لإحياء مأتم فى بورسعيد، أثناء التلاوة تلعثم لسانه وفقد النطق مؤقتاً. قيل إن أحدهم وضع له مخدرات فى القهوة، فحملوه إلى الفندق لإسعافه قبل نقله للقاهرة. وبعد تلك الحادثة بأسبوع واحد أصيب بشلل نصفى، عولج منه، واسترد عافيته، إلا أن صوته لم يعد لحالته الأولى.

يتذكر أول مبلغ حصل عليه، كان «ربع جنيه»، 25 قرشاً، وضعها على وسادة أمه قائلاً: «اصبرى يا أمى، بكره ربنا حايفتحها علينا». لما فتحها الله عليه، اشترى قطعة أرض فى العباسية «بشارع نجيب»، أقام عليها عمارة كبيرة، وأحضر أمه للإقامة معه فيها. كان آخر أجر تقاضاه 60 جنيهاً عن إحياء حفل القاهرة، و150 جنيهاً خارجها، وكانت أمنية حياته أن يعود لبهتيم ويستقر فيها. عام 1969، فوجئت أسرته بدخوله البيت وقد تملك منه الإعياء الشديد، استدعوا طبيبه الخاص، د. مصطفى الجنزورى، ليكتشف أنه مصاب بنزيف فى المخ، وبعد ساعات فارق الحياة. رحل صغيرا، 47 عاما، دون أن يحقق حلم العودة لمسقط رأسه.