عادت الاحتجاجات العمالية مرة أخرى للظهور على الساحة بقوة، رغم ما كان يعتقده البعض من أنها ستختفي، ولو تدريجيا، بعد استقرار الأوضاع السياسية بانتخاب رئيس جديد.
ولكن العكس ما حدث، تجددت الإضرابات والاعتصامات العمالية رافعة نفس المطالب التي اعتادت رفعها طوال السنوات الستة الماضية، منذ إضراب المحلة في 2006 وحتى الآن.
وكان من أبرز هذه الاحتجاجات في الأيام القليلة الماضية، اعتصام عمال مترو الأنفاق الذي طالبوا فيه بزيادة رواتبهم وتعيينهم على درجات مالية ثابتة، وإضراب عمال غزل المحلة الذين طالبوا فيه بزيادة حوافزهم وإنقاذ صناعة النسيج وتطيبق الحد الأدنى للأجور، وأخيرا إضراب عمال «منجم السكري»، ليبقى التساؤل عن متى ينال العمال حقوقهم؟
غياب الحلول.. و«تدليل» رجال الأعمال
يُرجع الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، أسباب استمرار الاحتجاجات العمالية إلى عدم تقديم حلول، حتى الآن، للمشكلات العمالية المتراكمة، كالعمالة المؤقتة وعدم تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور- رغم صدور حكم بصدده من المحكمة الإدارية- بجانب توقف رجال الأعمال مؤخرا عن «المفاوضة الجماعية» مع العمال، فلم يجد هؤلاء حلا سوى الاحتجاج للحصول على حقوقهم.
وتابع «الميرغني»: «ما أخشاه أن يبقى رجل الأعمال (الفتى المدلل) للدولة على حساب العامل مع تغيير الأسماء فقط»، ودلل على ذلك بأن «قرار تغيير تسعيرة الدواء، مثلا، يصب في صالح توكيلات الدواء التي يمتلك أغلبها رجال أعمال إخوانيين».
ولفت «الميرغني» «الرئيس لن يتمكن من حل هذه المشكلات بمفرده، لأنه يحكم بقوانين وهيئات لم تتغير، كما أن الموازنة العامة للعام القادم فُرضت عليه قبل أن يتولى الرئاسة». مشيرا أن حل مشكلات العمال في مصر يتطلب تغيير قانون العمل الحالي الذي يجعل من عقود العمل «عقود إذعان» من العمال، وسرعة إصدار قانون الحريات النقابية دون تدخل من الإخوان بالتعديل عليه.
كما شدد على ضرورة وضع حدين أدنى وأقصى للأجور، وحل معضلة الأجور المتغيرة «الحوافز، والبدلات» والتي تمثل نسبة 80% تقريبا من الأجور الحكومية، مطالبا أن يتضمن الأجر الأساسي للعامل ما يكفيه، ليشعر بالاستقرار.
أسباب أخرى لـ«غضب العمال»
ومن جانبه، أكد الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادي، أن احتجاجات العمال ليست مرتبطة بتدني الأجور فقط، لكن هناك عدة عوامل، منها «استياء العمال من عدم تغيير القيادات القديمة، وكذلك استمرار سياسات االتلاعب في نسب الأرباح بينما تمارس هذه الشركات في الوقت نفسه «الفشخرة الاستثمارية». إضافة لانشغال رئيس الجمهورية بمعارك ثانوية وأولويات لا تتطابق مع هموم بالشعب، مما سبب احتقانا لدى العمال».
وأضاف «فاروق» أن «البطء الشديد في تشكيل الحكومة الجديدة وبقاء الجنزوري كل هذه الفترة أحد أسباب المشكلة» مؤكدا «أن اختيار الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزراء، لايبدو لي حتى الآن اختيارا موفقا حيث يراه البعض من الخلايا النائمة للإخوان، مما يتناقض مع مبدأ المشاركة الوطنية».
وطرح «فاروق» عدة اقتراحات لحل مشاكل العمال، من بينها «ضم الفوائض المالية للصناديق الخاصة إلى الموازنة، وإقرار حد أدنى للأجور لا يقل عن 1000 جنيها» مختتما بالتأكيد أن «إعادة الهيكلة السليمة للموازنة العامة، من شأنها حل المشكلة».
فيما اعتبر دكتور حمدي عبد العظيم، رئيس أكاديمية السادات سابقا، أن مراجعة اللوائح والجداول المالية وقواعد العلاوات والترقيات ومراقبتها أحد الحلول، وذلك بالتوازي مع وضع إطار للتفاوض في حال وجود مشكلات بين العامل وجهة عمله، بحيث يتواجد بها ممثل عن الوزارة المعنية واتحاد العمال مما يضمن أن يكون التفاوض فعالا وملزما للجهة التي يحتج العمال ضدها، على أن تخطر الحكومة تلك الجهات بعقوبات ستوقع عليها في حال عدم التزامها بوعودها للعمال.
ورفض «عبد العظيم» ضم كافة أموال الصناديق الخاصة إلى الموازنة «لأنها ملك للمواطنين» مقترحا «الاكتفاء بنسبة 20% التي أخذتها الحكومة للموازنة من أموال الصناديق».
وعن الأجور- كسبب رئيسي للاحتجاجات- فرّق الدكتور سامر سليمان، أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية بين الشركات الخاسرة وأغلبها بالقطاع العام، والتي يحتاج حل مشكلة الأجور بها إلى «إعادة هيكلتها وتطويرها لتعود للربح». وبين الشركات الرابحة وأغلبها بالقطاع الخاص والتي ترجع مشكلة الأجور بمعظمها إلى «جشع أصحابها، وغياب عملية التفاوض الجماعي، وهو ما يتطلب تطوير الحياة النقابية لضمان حقوق العمال».
وأشار «سليمان» إلى أنه «حتى الآن لم يبد من النظام أي ملامح سياسية واقتصادية جديدة». مختتما بالتأكيد أن التحدي أمام الرئيس لحل أزمات العمال هو «تفعيل دور الدولة في حماية العمال بالضغط على رجال الأعمال وإصلاح جهاز الدولة، بشكل يتطلب تكوين تحالف سياسي واجتماعي قوي يكون الرئيس مصدره أو أحد اطرافه، وهو التحدي الآخر أمامه، لاسيما وأن عدد كبير من القوى السياسية تتوجس من الإخوان المسلمين بسبب سابق تعاملها معهم».