سياسة «القوى العظمى» تعود إلى الشرق الأوسط.. روسيا والصين نموذجاً

كتب: رويترز الأربعاء 01-02-2012 17:02

روسيا ترسل سفنا حربية للحول دون أي تدخل خارجي في سوريا، والصين تنخرط بعمق في المواجهة الجارية بين إيران والغرب. هكذا تتجه المؤشرات – بحسب المراقبين - إلى عودة سياسة «القوى العظمى» إلى الشرق الأوسط، بشكل متسارع، بعد أكثر من 20 عاما على انهيار الاتحاد السوفييتي، وظهور العالم أحادي القطب.

بعد أن انسحبت روسيا من المنطقة في ختام الحرب الباردة، لم تواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، سوى بضعة منافسين خارجيين، في محاولات التأثير على مجريات الأحداث.

لكن مع انسحاب الولايات المتحدة من العراق، تعيد القوى الاقتصادية الصاعدة تشكيل العالم وتتعمق صلاتها بالخليج بسبب احتياجاتها من الطاقة، بما يؤذن، فيما يبدو، بانتهاء هذا العصر الخالي من المنافسة وتنازع النفوذ.

وقال وليد حزبون، مدير مركز الدراسات العربية والشرق أوسطية في الجامعة الأمريكية ببيروت، «ما نراه هو فقد الولايات المتحدة للقدرة على تشكيل الأحداث بالمنطقة على الرغم من أنها لاتزال القوى العسكرية المتفوقة.. نرى آخرين يتحركون لملء الفراغ».

وتقول حياة ألفي، المحاضرة المتخصصة في دراسات الشرق الأوسط، بكلية الحرب، التابعة للبحرية الأمريكية، «الخلاصة هي أنه سيكون هناك المزيد من اللاعبين... كان الشرق الأوسط دائما مسرحا للعبة الكبرى. القوى الصاعدة ترى فرصا ومميزات من الانخراط في هذا تماما مثل القوى الاستعمارية».

وفي حين ظلت موسكو وبكين بدرجة كبيرة على الهامش دبلوماسيا خلال حربي العراق عامي 1991 و2003، وحتى خلال الحملة على ليبيا العام الماضي، فإنهما تطالبان بالإنصات لصوتيهما على نحو متزايد.

وعبرت الدولتان عن نية واضحة لمنع أي تدخل «لتغيير النظام في سوريا»، لكن إرسال روسيا حاملة طائرات وسفن مرافقة لها إلى ميناء طرسوس، هذا الشهر، يحدد موقف موسكو بوضوح أكثر من المعتاد.

من ناحية أخرى، فإن نجاح العقوبات الأمريكية والأوروبية على إيران سيتوقف بشكل شبه كلي على مدى انضمام الصين لها، مع ظهور مؤشرات متزايدة على أن بكين تعتبر طهران أداة لتحويل القوة العسكرية الأمريكية، بعيدا عن جنوب شرق آسيا.

كما تحجم الهند أيضا عن مجاراة الاستراتيجية الغربية الأوسع التي تنطوي على محاولة خنق إيران اقتصاديا حتى تتخلى عن برنامجها النووي. وتعتبر الهند أيضا لاعبا إقليميا صاعدا.

ما يزيد الأمور تعقيدا هو أن الانتفاضات التي اجتاحت العالم العربي غيرت المعتقدات السائدة منذ فترة طويلة عن الاستقرار والسيطرة التي تستطيع الحكومات ممارستها على الأحداث.

وقال أشر سوسر، أستاذ سياسة الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، «تزداد صعوبة التحكم في الأمور مع انزلاق المنطقة إلى أزمة اجتماعية اقتصادية تزداد عمقا.. الاتجاهات المحلية تجبر القوى الخارجية على أن تعير اهتماما وليس العكس».

غير أن منهج موسكو وبكين على وجه الخصوص الأكثر قوة بالمنطقة يرتبط بشكل متزايد فيما يبدو بأجندة الدولتين العالمية.

ويعتبر دعم روسيا للرئيس السوري بشار الأسد على نطاق واسع خطوة للدفاع عن موطئ قدم من حقبة الحرب الباردة في سوريا، وإغلاق الطريق أمام تدخل مستقبلي على غرار ما حدث في ليبيا.

ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الروسية هذا العام، لذلك يرى البعض أن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين حريص على الظهور بموقف من يواجه الغرب ويضع بصمته خارج حدود روسيا.

وواجهت كل من موسكو وبكين تصاعدا في الاحتجاجات بالداخل العام الماضي وليس لدى أي منهما رغبة في مشاهدة إسقاط زعيم شمولي آخر. وإذ سمح الكرملين بإقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاقتراح جامعة الدول العربية بأن يسلم الأسد السلطة، فإنه سيفعل هذا بتحفظات هائلة مع إدراج بند يستبعد استخدام القوى العسكرية.

وفي ظل احتياطيات موسكو الوفيرة من الطاقة فإنها ليست في حاجة تذكر للاحتفاظ بالدول المصدرة للطاقة في المنطقة في صفها. غير أنه من المتوقع أن يزيد اعتماد الصين على غاز ونفط الشرق الأوسط في الأعوام القادمة، بما قد يعمق انخراط الصين في صراعات المنطقة وسياستها، شاءت أم أبت.

غير أن موسكو وبكين تقولان إن هدفهما هو الحفاظ على السلام وتفادي الصراع، وهو أمر له أهمية خاصة بالنسبة للصين، التي تحرص بشدة على استمرار تدفق نفط الخليج وتجنب الصدمة الاقتصادية العالمية، التي قد تنجم عن حرب بالمنطقة.

ويقول مسؤولون من الدولتين إن تحركات الغرب في العراق تحديدا لم تسهم بدرجة تذكر في تحسين الاستقرار بالمنطقة. ويقولون إن شن حرب «وقائية» في الخليج ستكون في نهاية المطاف بنفس خطورة امتلاك إيران سلاحا نوويا.