قبل نحو ٢٠٠ عام، أقام محمد على باشا، «كورنتينة القصير»، لحجز المشتبه فيهم بالعدوى، من القادمين عبر ميناء القصير البحرى، لتكون هذه الكورنتينة أقدم مكاتب الحجر الصحى فى مصر، غير أنها، وبمرور الزمن، تحولت إلى «خرابة» تعانى الإهمال لعدم تنفيذ أى مشروعات لترميمها، حتى أصبحت مهددة بالانهيار، رغم تسجيلها ضمن قائمة الآثار.
وقال وصفى تمير، أحد مؤرخى التراث لمدينة القصير، إن الكلمة مأخوذة من الإيطالية quarantina بمعنى «40»، وكان القادمون من الخارج، عبر ميناء القصير البحرى، ممن يشتبه فى مرضهم يحجزون فى الحجر الصحى 40 يوماً حتى تثبت سلامتهم من الأمراض الوبائية، بعد تحصينهم ضدها، وعزلهم صحيا.
وأضاف تمير أنه مع بداية القرن الـ19 تغير حال مدينة القصير بعدما صارت مديرية مستقلة، ومع كثرة المقيمين والوافدين ومرور وفود الحجاج عليها ذهاباً وإياباً فى موسم الحج وكثرة عدد التجار وأصحاب المهن والحرف ومرور عساكر الهجانة إلى الأراضى الحجازية، كان لزاماً على الوالى محمد على إنشاء مبنى الكورنتينة لعزل الحجاج إن ظهرت عليهم الأمراض المعدية.
وتابع انه فى 2 محرم 1253هـ، الموافق 1836 م، أصدر محمد على باشا أمراً إلى وكيل الجهادية بإنشاء حجر صحى بجوار ميناء القصير البحرى بعد أن ظهر الريح الأصفر بجهات الحجاز وخوفاً من انتقال العدوى عن طريق الحجاج الوافدين، كما أمر يإيفاد نفر عارفين بأصول الكورنتينة لحفظ ووقاية أهل القصير وعمل حجر على الحجاج.
وأوضح «تمير» أنه فى 15 رمضان 1270هـ، أمر الخديو عباس باشا الأول، محافظ القصير حسن بك فتحى بشراء منزل لعمل إسبتالية «مستشفى»، واشترى منزل «أحمد حسين عمر زين» بجوار ساحل البحر، بمبلغ ثلاثة آلاف قرش، وأربعة عشر قرشاً ونصف، صرفت من خزينة القصير.
ويشير تمير إلى أن الكورنتينة كان بها إقامة للمرضى ومؤن من الطعام، وتعيين لزوم إقامتهم، وكان يقيم بها حسب وثيقة غرة صفر 1275 هـ /1858م، حوالى 87 من المرضى والفقراء «المقاطيع» وعند خروجهم كان يصرف لهم من المؤن و«البقسماط»، وكان منهم عابرو سبيل الذين لا تسمح حالتهم بالإقامة فى الأحواش، والتى كانت بمثابة فنادق ربما كانت أسعارها ليست فى متناولهم، وقد عينت الحكومة لتلك الكورنتينة حراسا أشداء لحماية الأطباء والممرضين والمرضى من اعتداءات اللصوص، وكذلك دفع أجرة لهم لتوصيل الحجاج إلى بئر عنبر فى قفط. وفى عام 1864، تم تعيين الدكتور «كارل بنيامين كلوسنجر»، العالم والطبيب ألمانى الجنسية فى عهد الخديو إسماعيل، لمدة عشر سنوات فى نفس موقع المستشفى، وكانت تسمى الرسوم والعوائد الصحية بالصحة والكورنتينات، وأضيفت بعض المبانى للحجر الصحى وجرت ترميمات فى عهد سعيد باشا.