لا تعرف شركة مصر المحلة الكثير عن الأجواء الرمضانية، فنظام العمل الصارم لا يترك لأحد مجالا، سوى العمل. فى غزل المحلة 24 ألف عامل، موزعين على ثلاث ورديات، «الصباحية» تتسلم عملها مع دقات السابعة والنصف صباحاً، و«المسائية» فى الثالثة والنصف عصرًا، ثم «الليلية» فى الحادية عشرة والنصف ليلاً.
لا تعرف الماكينات قسوة الجوع والعطش، كذلك إدارة الشركة، التى لا تصرف للعمال أى وجبات، إفطار أو سحور. فى الشهر الفضيل، عندما تدق ساعة الشركة الثالثة والنصف عصراً، يمارس آلاف العمال طقس تسليم وتسلم يومى لماكيناتهم، تعود الوردية الصباحية إلى منازلها بعد يوم من العمل والصيام، فى انتظار أذان المغرب وسط الأسرة، حيث يذهب الظمأ والجوع والتعب معًا.
الأمر يختلف مع عمال الوردية المسائية، فمدفع الإفطار، الذى يسمعونه من أجهزة راديو يحملها بعضهم، ليليه أذان المغرب، يدوى صوته وهم وقوف أمام ماكيناتهم يعملون، لا يستطيعون مغادرة أماكنهم، كى لا تتوقف عجلة الإنتاج. يخرج كل عامل من كيس صغير حمله معه من منزله، لقيمات صغيرة «يكسر بها صيامه»، ويسد بها جوعه، إلى حين.
تختلف طريقة الإفطار بحسب أقسام الشركة، فقسما الغزل والنسيج، لا يستطيع عمالهما مبارحة أماكنهم، فهم مضطرون للإفطار على ماكيناتهم، وقد يتناول العمال فى بعض من هذه الأقسام وجبات الإفطار بالتناوب مع المشرفين، حيث يقف المشرفون على الماكينات، بواقع مشرف لكل ماكينتين، لحين تناول العمال إفطارهم، وعودتهم لتسلم ماكيناتهم، ليذهب المشرفون بعدهم للإفطار.
الأقسام الأخرى، مثل الإدارة الهندسية، وغيرها، يتناول عمالها إفطارهم سوياً، حيث يحضر كل عامل طعامه من منزله، ثم يتشاركون جميعاً فى مائدة «أرضية» كبيرة، يستحضرون بها أجواء غابت عنهم، اعتادوها فى منازلهم.
مع دقات الحادية عشرة والنصف مساءً، يتسلم عمال الوردية الليلية، هم تناولوا إفطارهم فى منازلهم، لكنهم يكررون مع السحور، ما حدث مع الوردية المسائية فى الإفطار، يخرج كل منهم ما أتى به من طعام، لـ«يتسحر» واقفا أمام ماكينته.
يقول العمال إن قسمى الغزل والنسيج هما الأكثر صعوبة فى رمضان، حيث يعانى العمال من الغبار والحرارة العالية، وتتفاقم الصعوبة مع الوردية المسائية، حيث يدخل العامل صائماً لساعات، وعليه أن يكمل عليها ثلاثاً أخرى قبل أن يكسر صيامه، وهو منهك تمامًا.
فئة قليلة جداً لا تتحمل صعوبات العمل بالشركة فى الشهر المبارك، هم «المديرون».. درجة أولى وثانية، فدوامهم يقتصر على خمس ساعات، من التاسعة صباحاً حتى الثانية عصرًا.
رمضان 2007 فى حياة عمال غزل المحلة لم يكن مثله كأى رمضان آخر، فى هذا العام دخلوا إضراباً عن العمل واعتصاماً بمقر الشركة لمدة 6 أيام، استطاعوا خلالها إقامة حياة اجتماعية كاملة داخل أسوار الشركة. تولت العاملات تحضير وجبتى الإفطار والسحور لمئات المضربين، من خلال وجبات قليلة كن يحضرهن من منازلهن.
خلال الاعتصام، لم يكن بينهم جائع مهما خلا جيبه، كان ثمة جو رمضانى بنكهة عمالية نضالية، عمال يصومون ويعتصمون مطالبين بحقوقهم، وما إن يرتفع صوت المؤذن بالمغرب، حتى يتجمعوا فى حلقات، وأمامهم أصناف مختلفة من الطعام رغم بساطتها وفقرها، بينما يمر عليهم آخرون بأكواب التمر هندى والعرق سوس، يعبئونها من براميل كبيرة قبل الإفطار لتوزيعها على زملائهم، الذين أتى بعضهم بأسرهم لمعايشة شهر البركات، بنكهته العمالية.