رغم مرور أكثر من عام على انفصال دولة جنوب السودان، إلا أن عقبات خارجية وداخلية تحول دون استقرار أوضاعها. والمشكلات لا تقتصر على صراعات حكومتي جوبا والخرطوم، اللتين تستأنفان جولة جديدة من المباحثات، الاثنين، في أديس أبابا، لبحث القضايا العالقة وعلى رأسها: الأمن والنفط والحدود. بل إن هناك من الأزمات الداخلية في جنوب السودان ما يقوض فرص التنمية والاستقرار في تلك الدولة الوليدة.
عندما أعلنت جوبا قبل 3 أيام وقف المفاوضات، اتهمها مسؤولون في الخرطوم بأنها تتحرك «وفقا لأجندات خارجية تهدف إلى فرض المزيد من العقوبات على السودان». لكن هناك من المحللين من يرى أن الصراعات في الجنوب لا تحكمها الأجندات الخارجية بقدر ما تحكمها الأساطير والصراعات الداخلية لقبائلها.
وتواجه جنوب السودان تعقيدات عديدة منذ انفصالها عن الشمال عام 2011، بموجب اتفاق سلام وقع بين الحركة الشعبية وحكومة الخرطوم في منتجع «نيفاشا» الكيني عام 2005، ليضع حدا لأطول حرب أهلية شهدتها القارة الأفريقية.
وفور إعلان نتائج الاستفتاء، الذي قضى بالانفصال، دخل الجنوب في احتفالات وصفها مراقبون بـ«الهيسترية»، ووعد مسؤلون جنوبين الأهالي بـ«مستقبل أفضل»، إلا أن بعضهم لم يكن متفائلا بل أكثر صراحة عندما قال «إن متاعب عدة تنتظرنا».
الذين يرون أن الوضع في الجنوب سيكون أكثر تعقيدا عادة ما ينظرون من زاوية «الصراعات القبيلة والتركيبة السياسية للمجتمع الذي تتحكم فيه معتقدات وأساطير أفريقية يصعب القفز فوقها». ينعكس ذلك في الصراعات القبيلة المحتدمة منذ سنوات في ولاية جونقلي، خاصة منطقة «بيبور»، مسقط رأس مؤسس الحركة الشعبية الراحل دكتور جون قرنق.
اندلع الصراع هناك بين قبيلتي «المورلي» و«النوير»، مخلفا أكثر من 2000 قتيل، راحوا ضحية أساطير متنوعة يؤمن بها الطرفان. قبيلة «النوير»، وفقا لأسطورتها، ترى أنها الأحق بالنهر الذي يمثل رمزا لطقوس أولئك الريفين في موسم صيد السمك. أما «المورلي» فيرون أنهم الأولى بالسيطرة على النهر.
وبالرجوع إلى ما للأبقار من قداسة لدى تلك القبائل الأفريقية، يمكن تفهم كم أن عمليات السرقة المتبادلة لتلك الأبقار يمكن أن تشكل عنصرا جوهريا في احتدام الصراع حول المكانة الاجتماعية عند هذه القبائل في جنوب السودان.
والملفت للنظر في هذه الصراعات أن السلطات التفيذية والسياسية فى جنوب السودان في العديد من الأحداث تكاد تقف بعيدة، بيد أنها تخشى اتهام البعض لها بالانحياز لبعض القبائل المتصارعة دون غيرها.
وتمثل الأساطير الأفريقية والمعتقدات المتعددة ركيزة أساسية لرسم الخريطة السياسية في البلاد. يبرز هذا من خلال تقاسم السلطة على هذا الأساس القبلي، فمثلا قبيلة «النوير»، ثاني كبرى القبائل في الجنوب، والتي تقع في أراضيها حقول النفط تنطلق من مبدأ «نبوءة المندينق»، وهي نبوة يؤمن بها النوير، وتشير إلى أنه بعد حروب طويلة في الجنوب، سيأتي ليحكمه «رجل طويل ذو فلجة يخلص شعب جنوب السودان من الصراعات». ووفق هذه النبوءة، ترى قبيلة «نوير» أن دكتور رياك مشار، نائب الرئيس الحالي، هو المقصود بحكم الجنوب.
وفي الوقت نفسه، ترى قبيلة «الدينكا»، كبرى قبائل جنوب السودان، أنها هي المقصودة بـ«الشعب الأسود»، الذي أشار إليه الإنجيل، وأن وفقا لأساطيرهم، فإنهم الشعب الأول في أفريقيا.
وهنا يرى المحلل السياسي الجنوبي، سبت جون، أن صراع المعتقدات الأفريقية صار يؤثر بصورة مباشرة في الحياة السياسية في البلاد. وأشار جون إلى نظرة قبيلة النوير، وفقا لتلك المعتقدات، إلى رياك مشار، باعتباره «المخلص».
وأضاف «أيضا قبيلة الشلك، ثالث كبرى القبائل في الجنوب، فتعتبر الملك هو ممثل الإدارة السياسية والروحية، وأن كل القبيلة يجب أن تخضع لسلطته». وأوضح «هذه المعتقدات الأفريقية هي التي تنطلق منها القبائل والسياسة في الجنوب، والتي تقوم السياسة فيه على أساس الموزانات القبيلة». وبالنهاية، أشار المحلل إلى أن صراع المعتقدات هذا هو أكثر ما يقوض الاستقرار في جنوب السودان، وقد يؤدي في العديد من الأوقات إلى حروب أهلية بين القبائل.