طالب أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية، ببلورة موقف عربيّ جماعي من الطرح الأمريكي للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو ما يعرف بصفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب.
جاء ذلك خلال كلمته أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب المنعقد الآن بمقر الجامعة العربية بحضور الرئيس الفلسطينى محمود عباس.
وقال «أبوالغيط» إن قضية على هذه الدرجة من الخطورة والأهمية للعالم العربي تقتضي أن يكون موقفنا الجماعي على ذات المستوى من الجدية والشعور بالمسؤولية، ففلسطين ليست قضية الفلسطينيين وحدهم، ولم تكن كذلك في أي وقت، ولن تكون، فهي قضية عربية تهم العرب جميعًا وتجمع شملهم من المحيط إلى الخليج، واجتماعنا اليوم هو، في معناه ورسالته، وقفة تضامن مع الفلسطينيين، شعبًا وقيادة.
وأضاف: «نحن اليوم نبعث برسالةٍ للعالم أجمع بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وأن القرار الفلسطيني الحُر، له ظهير عربي مساندٌ في كل حال، وداعم في كل حين.
كما قال أبوالغيط: «ولتسمحوا لي أن أسجل هنا أربع ملاحظات مختصرة على الخطة الأمريكية: الأولى أن العرب يأخذون كل مقترح للسلام، من أي طرفٍ كان، بالجدية الكاملة وبروح المسؤولية، لأن إنهاء الصراع مع إسرائيل هو مصلحة فلسطينية وعربية مؤكدة، ولكم طالبنا الإدارة الأمريكية وغيرها من الأطراف بانخراطٍ أكبر لدفع الطرفين للتفاوض، وبعمل أكثر من أجل توضيح نهاية الطريق ومحددات التفاوض حتى لا تدور المحادثات في دائرة عبثية من تفاوض لا ينتهي.
وتابع: «لكننا- وبكل صراحة- لم نكن نتوقع أن تكون» النهاية المُقترحة للطريق مخيبة للآمال ومجافية للإنصاف على النحو الذي صدر، وكانت الإشارات واضحة منذ الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل منذ نحو عامين، إلى غير ذلك من الإجراءات والسياسات والمواقف الأمريكية التي شكّلت- في مجموعها- ضغطًا غير مسبوق على الفلسطينيين، وسبق لهذا المجلس أن رفض هذه المواقف في حينه، أقول إن الإشارات كانت واضحة، ولكن الحقيقة أن الطرح الأمريكي الأخير، والمدعوم إسرائيليًا، قد كشف عن تحولٍ حاد في السياسة الأمريكية المستقرة تجاه الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وكيفية تسويته، وهو أمرٌ يُشكل مصدر انزعاج وقلق شديد بالنسبة لنا، ونرى أن هذا التحول في محددات الموقف الأمريكي- التي تشكلت منذ بدء مسيرة التسوية السلمية في مؤتمر مدريد (1991)- لا يصب في صالح السلام أو الحل الدائم والعادل».
وأضاف «أبوالغيط» أن الملاحظة الثانية: أن السياق الذي طُرحت فيه الخطة الأمريكية، وتوقيت طرحها يُثير علامات استفهام في أقل تقدير، لكي لا نقول الريبة والتشكك، وكنا نتوقع ونتمنى ألا تخرج تسوية تاريخية على هذا القدر من الخطورة والأهمية، على حد قول الرئيس الأمريكي، بالصورة التي خرجت بها، وكأنها محصلة تفاوض بين الوسيط وأحد طرفي النزاع، بل وكأنها منحة من الوسيط إلى هذا الطرف بالتحديد، لقد كان في طرح الخطة على هذا النحو رسالة سلبية للرأي العام أثرت على استقباله للخطة ومضمونها.
وقال: «الملاحظة الثالثة: إنني وإن كنتُ لا أرغب في أن أناقش تفاصيل الخطة الأمريكية، إلا أنني أكتفي فقط بالقول إننا كعرب لسنا متشنجين أو من أنصار المواقف العنترية، نحن لا نزايد أو نتاجر بقضايانا مثل آخرين، بل ندرس بعمقٍ وتأنٍ كامل ما يُطرح علينا، واضعين نصب أعيننا مستقبل أبنائنا وحكم التاريخ علينا، ومن حقنا أيضًا أن نقبل أو نرفض، من حقنا يقينًا أن نُقدم طرحنا ورؤيتنا (كما فعلنا منذ 18 عامًا في مبادرة السلام العربية)، وإلا كان المقترح الأمريكي – في حقيقته وجوهره- يمثل إملاءاتٍ أو عرضًا لا يُمكن رفضه أو حتى مناقشته، وسيكون الأمر في هذه الحالة منافيًا لأبسط مبادئ العدالة والإنصاف، بل ومجافيًا للمنطق وطبيعة الأشياء».
وأضاف: «وهو ما يقودني إلى الملاحظة الأخيرة، فهناك ما يُشير للأسف إلى أن الطرف الإسرائيلي يفهم الخطة الأمريكية بمعنى الهبة أو العطية التي يتعين اغتنامها والاستحواذ عليها، وهناك ما يؤكد أن اليمين الإسرائيلي يعتبر الطرح الأمريكي ضوءً أخضر للمُضي في خطة طالما تبناها وحلم بتنفيذها، وهي ضم المستوطنات كلها وغور الأردن بأكمله، والانفصال أحاديًا عن بقية الأراضي المحتلة في الضفة، ومعنى ذلك أن تكون نتيجة هذا الطرح الأمريكي هي استدامة الاحتلال مع إضفاء الشرعية عليه، وهي نتيجة لا أظن أبدًا أن هذه الإدارة الأمريكية تسعى إليها، أو أن المجتمع الدولي يُقر بها».
كما قال أبوالغيط: «ولهذا فإننا نجتمع اليوم ليس فقط لتقييم الطرح الأمريكي، وإنما أيضًا لمناقشة وبحث ما يُمكن أن يترتب على هذا الطرح من آثار وتبعات سلبية على الأرض، والانعكاسات المحتملة لهذا الطرح على واقع معيشة الفلسطينيين ومستقبلهم»، وأكد أن الفلسطينيين يرفضون الوضع الحالي لأنه لا يُلبي تطلعاتهم ويضعهم فعليًا تحت احتلال، وسيكون من قبيل العبث أن تُفضي خطة للسلام إلى تكريس هذا الاحتلال وشرعنته، وأن يؤدي طرحٌ يُفترض أنه يقوم على فكرة الدولتين إلى وضع يقترب من وضع الدولة الواحدة التي تضم فئتين من المواطنين، أي وضع «أبارتايد» يكون فيه الفلسطينيون مواطنين من الدرجة الثانية، محرومين من أبسط حقوق المواطنة، وهو وضع نبذه العالم منذ زمن، ولم يعد له مكان في المستقبل، قائلًا: «وأقول بصراحة إن تطبيقه لا يخدم حتى الجانب الإسرائيلي، إذ تقف اعتبارات الديموغرافيا بوضوح في صف الفلسطينيين على المدى الطويل».
وأشار إلى أن هذه السيناريوهات لا تجلب استقرارًا أو تقيم سلامًا، بل تضع بذور مائة عام أخرى من الصراع والمعاناة، وأرى أن البديل المنطقي والآمن ما زال في أيدينا لو صحت النوايا، لا بد أن يتفاوض الطرفان بنفسيهما من أجل الوصول إلى حل يستطيع كلٌ منهما التعايش معه والقبول به، لا يُمكن أن تكون نقطة البداية لهذا التفاوض هي الحد الأقصى لمطالب طرف، والتجاهل الكامل لرؤية الطرف الآخر، لا يُمكن أن تكون خطوط الحل، بل وتفاصيله، مفروضة فرضًا ومقررة سلفًا، فعلام يكون التفاوض إذن، إن كان الأمرُ كله قد أُقر والحدود رُسمت، والتفاصيل حُسمت؟!، المطلوب والمأمول هو أن يبدأ التفاوض على أساس صحيح ومتكافئ، يأخذ في الاعتبار مطالب الطرفين، وتطلعات الطرفين، أو على الأقل الحد الأدنى من هذه المطالب والتطلعات، في ضوء تجارب التفاوض السابقة، وجولات المحادثات المتعددة التي تحمل بين طياتها خطوط الحل وصورة التسوية النهائية بنسبة تقترب من 90%، وبما يأخذ في الاعتبار مبادئ القانون الدولي والقرارات الأممية، وأسس العدالة والإنصاف، قائلًا إن تفاوضًا على هذا الأساس هو السبيل الوحيد إلى تسوية عادلة، وقابلة للبقاء.
واختتم أبوالغيط كلمته بقوله: «وأقول في الختام، إن التحديات التي تطرحها علينا الخُطة الأمريكية لا بد وأن تدفع الإخوة الفلسطينيين إلى العمل بأقصى سرعة على سد الثغرة الخطيرة التي ما برحت تنخر في بنيان العمل الوطني، والسعي بكل سبيل إلى رأب هذا الصدع الذي خصم من النضال الفلسطيني لما يربو على ثلاثة عشر عامًا كاملة من الانقسام الداخلي، لقد آن لهذا الانقسام البغيض أن يُفارقنا إلى غير رجعة، فالتحديات المتسارعة تواجه الفلسطينيين جميعًا، ولا ينبغي أن يواجهوها منقسمين متفرقين»، وأضاف: «إن هناك إشارات أولية إيجابية لمساعٍ من أجل لملمة الشمل، ونرجو أن تُثمر هذه المساعي في أقرب وقت، فالرأي العام العربي، يرغب في طي هذه الصفحة اليوم قبل الغد.