«المؤسسات القومية»: قنابل على وشك الانفجار

كتب: ابتسام تعلب الإثنين 23-01-2012 15:54

قنابل موقوتة قابلة للانفجار فى أى وقت.. بهذه الجملة لخص نقابيون وكبار الصحفيين الوضع داخل المؤسسات القومية والتى لم تصلها رياح التغيير بعد ثورة 25 يناير مثل كثير من مؤسسات الدولة، فتارة نجد اعتصاماً بـ«مؤسسة الأهرام» لتغيير رئيس التحرير، وفى مؤسسة «أخبار اليوم» يُجبر الصحفيين الحكومة على تغيير رئيس مجلس الإدارة، وكثيراً ما نشاهد الإضرابات والمظاهرات بمؤسسات «الجنوب»، كما يطلق عليها، التى تعانى من الفقر المادى والمهنى بجميع مستوياته، وأحدث الأزمات التى شاهدناها فى «مؤسسة الأهرام» احتجاز صحفييها رئيس التحرير بعد إجرائه عدداً من التغييرات فى إدارة التحرير، وفى «روزاليوسف» اعتصم عشرات الصحفيين للمطالبة بحقوقهم فى التعيين والمساواة فى الأجور، أما فى «المسائية» و«التعاون» فقد اعتصم صحفيوهما بمقر المجلس الأعلى للصحافة للضغط لتعيينهم بمؤسستى «الأهرام» و«الأخبار»، ووصل الأمر إلى احتجازهم الدكتور عصام فرج، القائم بأعمال أمين عام المجلس الأعلى ومنعوه من مغادرة مكتبه لحين صدور قرار بتعيينهم.

الكاتب الصحفى رجائى الميرغنى، النقابى المعروف، منسق الائتلاف الوطنى لحرية الإعلام، علق على وضع المؤسسات القومية بأنه يعكس الحالة الحقيقية لمصر بعد عام من ثورة 25 يناير، لأن كل الإجراءات التى تعاملت مع هذه المؤسسات فوقية وغير مدركة لطبيعة ما تعانيه من أزمات ومشاكل، خصوصاً أن هذه المؤسسات مارست دوراً كبيراً فى التطبيل للنظام السابق واضطهاد الكفاءات الحقيقية بها وإساءة توزيع الدخول وانحراف مالى وإدارى.

وأكد الميرغنى أن الحل لهذه المؤسسات هو الاستقلال بألا تكون تابعة للسلطة التنفيذية، ففى النظام السابق كان مجلس الشورى والمجلس الأعلى مشرفين عليها وبعد الثورة أصبحت الحكومة مشرفاً مباشراً عليها بدرجة رقابة فاقت التى كانت فى النظام السابق، ولفت إلى أن مبدأ إدارة هذه المؤسسات لم يختلف، ففى السابق كان يديرها محظوظون يزكيهم أمن الدولة ويختارهم بعناية، والآن يختارهم الجيش والمجلس العسكرى، لذا لابد من إزالة هيمنة الدولة من خلال المجلس العسكرى والحكومة على هذه المؤسسات لأن كلها صيغ مزيفة تهدف إلى إبقاء القطاع الأكبر من الصحافة فى مصر تحت ولاية النظام الحاكم.

واقترح «الميرغنى» أن يتم تشكيل هيئة مستقلة تشرف على المؤسسات القومية وتديرها لفترة معينة بمعايير اقتصادية ومهنية سليمة، ويكون ولاؤها للقارئ والعاملين بها فقط وليس للجهة الحاكمة، إلى جانب استبدال الصيغة القائمة بوجود المجلس الأعلى للصحافة، بشكل عشوائى ليس بها سلطة استقلال حقيقى، إلى مجلس أعلى يعبر عن كل أطياف المجتمع ورغبته فى صحافة حرة ومستقلة ويضمن الحريات وضمانات الممارسة المهنية ومعايير محترمة ووضع خطة للنهوض بهذه المؤسسات المدينة بما يقارب 10 مليارات جنيه.

وأشار «الميرغنى» إلى أن الوضع داخل المؤسسات القومية متأزم فهى تعانى من سنوات، فالمعايير المهنية غائبة ومجالس الإدارات والجمعيات العمومية مجرد شكل لا يعبر عن جموع الصحفيين بها، مطالباً نقابة الصحفيين بالقيام بدور حيوى فى إنقاذ هذه المؤسسات وألا تكتفى بالدور التوافقى الإصلاحى، فالمطلوب منها وضع تصور عملى، وقال: مجلس النقابة للأسف متماسك جداً مع رؤساء مجلس الإدارات الذين جاءوا بعد الثورة ولا يوجد أداء مختلف لذا عليها أن تتوقف عن إعطاء المسكنات وأن تتدخل بقوة وبمعايير واضحة لإنقاذ هذه المؤسسات.

فيما قال يحيى قلاش، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، إن مصر بها حالة من السيولة غير المسبوقة فى ملف الصحافة بشكل عام منذ الثورة التى كان شعارها الحرية والتغيير لكن لاتزال وسائل الإعلام تعمل بقوانين مضادة للتغيير والحرية، وأضاف: «وجدنا تصريحات مقلقة ومخيفة من قيادات المستقبل بحزب الحرية والعدالة تناهض حرية الرأى والتعبير وتعطى الحق بحبس الصحفيين»، وأكد قلاش أن حرية الإعلام ملف لا يخص الإعلاميين فقط بل المجتمع كله فهو مرتبط بالحريات العامة، ولفت إلى أن المجلس العسكرى ارتكب جرائم تفوق ما ارتكبه نظام مبارك من إحالة للنيابات العسكرية وتفعيل المواد المتعلقة بنشر أخبار كاذبة.

وقال «قلاش» إن المجلس العسكرى والإخوان والليبراليين جميعهم يتحدثون عن الفوضى الإعلامية ويحملون الإعلام مسؤولية ما يحدث فى البلاد ولا يدركون أن الإعلام يعانى من أزمة، نخشى أن نستبدل استبداد وفاشية الحزب الوطنى برؤية أكثر استبداداً وفاشية بدعوى الاستقرار، والخوف الأكبر من القوانين التى سيصدرها مجلس الشعب المقبل والتى قد تكون مضادة للحريات، وطالب «قلاش» بضرورة إعادة النظر فى قانون 96 وأن تجتمع الأطراف المعنية فى المؤسسات القومية والإدارة والعاملين ونقابة الصحفيين والنقابة العامة للطباعة والنشر لإجراء حوار جاد للوصول إلى صيغة مهنية لهذه المؤسسات لتعبر عن المجتمع.

واعتبر «قلاش» أن جزءا من الأزمة هو غياب نقابة الصحفيين عن المبادرة بالحلول، وهناك اجتهادات لابد من الاعتماد عليها بمجلس النقابة، وقال: «هتبقى جريمة لو انتظرنا كصحفيين أن يفاجئنا البرلمان المقبل بقوانين مقيدة للحريات».

فيما قال الكاتب الصحفى سعد هجرس، مدير تحرير «العالم اليوم»، إن الأوضاع فى المؤسسات القومية سواء الشمال أو الجنوب خطيرة للغاية، والسبب أنها ميراث لما قبل 25 يناير ولم تحل أى منها، إلى جانب سوء الإدارة فى البلاد عموماً، وقال: الثورة لم تصل رياحها إلى الإعلام المصرى وتواجهه أزمات مهددة بالانفجار فى أى لحظة طالما لم يتحرر الإعلام.

وتساءل «هجرس» كيف لبلد به 85 مليون مواطن تكون به نقابة صحفيين واحدة تضم 7 آلاف صحفى فقط؟ ولماذا لا تأخذ كل قرية ومدينة حق إصدار صحيفة وإذاعة وتليفزيون خاص بها؟ لافتاً إلى أن الإعلام والقضاء لم يتم تطهيرهما حتى الآن ونفس من كانوا يسيطرون عليهما مازالوا موجودين فى مناصبهم، كما أن نقابة الصحفيين أصبحت غير معبرة عن واقع الصحفى بحكم القانون لذا أهم أولويات النقابة فى المرحلة المقبلة تغيير القانون الحالى لنقابة الصحفيين مثل الدستور، والميزة أننا لدينا توصيات عديدة من مؤتمرات النقابة خاصة بالمهنة وهيكل الأجور والحريات وجميعها تنتظر البدء فى تنفيذها والنضال من أجلها فقط.

فيما قال جمال عبدالرحيم، عضو مجلس نقابة الصحفيين، إن المشاكل التى تعانيها الصحف القومية السبب الرئيسى لها تراكمى، فهى تعانى من عهد رؤساء مجالس إدارات سابقين وبعد إقالة سابقيهم والذين تسببوا فى خسائر جمة لهذه المؤسسات وصلت لعشرات الملايين بعد انهيار النظام، وأضاف: بعد الثورة أسند ملف الإعلام إلى الدكتور يحيى الجمل، ولأنه يفتقد للخبرة فى هذا المجال استعان بفلول مبارك ومنهم جلال دويدار لاختيار رؤساء تحرير الصحف القومية الجدد، وهم ليسوا أفضل حالا من سابقيهم بل تلاميذهم.

وضرب «عبدالرحيم» مثالاً فى «الأهرام» والتى تم اختيار رئيس تحريرها عبدالعظيم حماد بالانتخاب وقال: كلنا نعلم أن من اختاروه 170 صحفياً فى الوقت الذى تضم فيه الجريدة أكثر من ألف صحفى، ومن رشحه كان صاحب مصلحة فى اختياره فى الوقت الذى غاب عن الانتخابات أكثر من 85% من الصحفيين. مضيفا أن جلال دويدار تدخل لتعيين خالد بكير، رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير وهو الشخص القريب أيضاً لصفوت الشريف وزكريا عزمى ولا علاقة له بالمؤسسة منذ 20 عاماً.

ولفت «عبدالرحيم» إلى أنه فى ذات الوقت أبقى النظام على بعض القيادات رغم صلتها المباشرة بالنظام لذا تعتبر المشكلة الرئيسية الآن فى اختيار القيادات وسوء اختيارهم وهم ليس لديهم خبرة أو دراية بما تغرق فيه هذه الصحف من معاناة وأزمات، وقال: «دار الهلال» تصرف رواتب العاملين بها من المجلس الأعلى للصحافة ومؤسسة «روزاليوسف» لا يوجد لديها ما يكفى لرواتب العاملين بها، ومؤسستا الأهرام ودار التحرير تسحبان من المكشوف من البنوك لسد عجزهما المالى. وأضاف أن الحل تدريجى بالتركيز على جذور المشاكل بهذه المؤسسات عن طريق تغيير نمط الملكية، فلا يكون مجلس الشورى مالكاً لهذه المؤسسات ولابد من البحث عن صيغ مناسبة ليتم تعيين رؤساء مجالس الإدارة والتحرير، ويكون الانتخاب بشكل ديمقراطى هو النظام.

وعن دور نقابة الصحفيين فى حل هذه المشاكل قال «عبدالرحيم» إن النقابة حاولت التدخل لإنهاء عدد من المشاكل بالمؤسسات القومية لكن السلطات المخولة لها فى ظل قانون يحول دون أدائها دورها الكامل يجعل يدها مغلولة.