بالصور: معاناة شباب مصر في النمسا: طلاب جامعة صباحًا.. موزعو صحف ليلاً

كتب: محمد الحريري الأحد 22-01-2012 15:35

على رنين المنبه في الواحدة صباح كل يوم، يستيقظ «من أحلى نوم»، كما يقول هو، ليتناول  مشروبًا ساخنًا، ثم يحمل حقيبة على كتفه، بها عدد كبير من المفاتيح وقوائم تحوي أسماءً وعناوين، قبل أن يستقل دراجته إلى المكان المخصص لتسلم صحف اليوم الجديد، لتوزيعها على العناوين المدونة بالقوائم.

يكاد يكون هذا هو الروتين اليومي لعدد كبير من شباب مصريين مازالوا يشقون طريقهم في النمسا، بحثًا عن لقمة العيش، عن طريق توزيع الصحف ليلاً.

وظيفة مرهقة، أصعب ما فيها توقيتها الليلي في البرد القارس تحت الصفر، لذلك عزف عنها النمساويون، لكنها بنظر العشرات من الشباب المصري «طوق نجاة»، هكذا قال محمد على (25 سنة) بكالوريوس تجارة من محافظة الشرقية.

في طريقه لتوزيع الصحف، كثيرًا ما تعترض محمد وأقرانه من المصريين دوريات الشرطة الليلية، للتأكد من إقامتهم بشكل شرعي، فإذا كانوا من الحاصلين على أوراق إقامة رسمية، تركوهم. أما إذا كانوا مقيمين غير شرعيين – وما أكثرهم، فيصطحبونهم لأقسام الشرطة، تمهيدًا لإجراءات الترحيل.

ويعتبر محمد أن هذه المهنة، رغم صعوبتها، «أفضل بكثير من سنوات البطالة التي ملها بعد تخرجه من الجامعة، دون أمل فى إيجاد فرصة عمل تحفظ له كرامته وآدميته».

يلتقي محمد يوميًا مع زملائه من موزعي الصحف، وغالبيتهم مصريون، قبل الثانية صباحًا، في المكان المخصص لتسلم الصحف (الباكيتة). وأحيانًا بعد طول انتظار تصل سيارة ميكروباص يقودها أجنبي، غالبًا مصري أو هندي، ليسلم رئيسهم الصحف، ويوقع بتسلمها.

أما الموزعون، فعليهم تفريغ حمولة السيارة قبل تسلم حصتهم من الصحف، التي يضعونها في صندوق بلاستيكي مثبت خلف الدراجة، ويتجهون إلى المنطقة المخصصة للتوزيع. وأحيانًا يتم التوزيع في مناطق بها بيوت مكونة من 5 طوابق أو أكثر، ويصعدون درجاتها المتهالكة ترجلاً، نظرًا لقدم البيوت، التي يتجاوز عمر بعضها الـ 100 عام.

ويقول محمد لـ«المصري اليوم» إنه «سجل في جامعة فيينا لدراسة الماجيستر فى إدارة الأعمال، وحصل على فيزا للدراسة، لكنه يضيف أن الطالب الأجنبى ليس مصرحًا له بالعمل في النمسا، وليس أمامه إلا توزيع الصحف في الليل».

ويصف محمد هذا العمل بأنه «غير آدمي ويتنافى مع حقوق الإنسان»، فضلاً عن أن المقابل لايتجاوز 400 يورو شهريا، وهو ما لا يكفي تغطية نصف نفقاته. ويضيف: «بينما المشرفون النمساويون يجلسون فى المكاتب ويحصلون على الآلاف».

ويقارن محمد بين هذا العمل في النمسا وغيره من الدول الأوروبية، قائلاً: «هذا العمل نفسه مريح ويدير دخلاً معقولً في دول أوروبية أخرى».

وكثيرًا ما يواجه موزع الصحف تحديات كبيرة قد تصل أحيانًا لتعريض حياته إلى خطر الموت على يد سكير أو «عنصري». هكذا يؤكد إبراهيم محمود العرابي، (26 سنة)، من المنصورة، ووصل النمسا في شهر مايو الماضي للدراسة، أي قبل بدء العام الدراسي بحوالي 4 أشهر، فكان في حاجة ماسة للعمل.

يقول إبراهيم، الذي بحث عن عمل، ولم يجد غير توزيع الصحف: «ذات مرة، خرجت من أحد المنازل بعد توزيع الصحف فجرًا، فوجدت رجلاً نمساويًا يشرع في سرقة دراجتي، ولما حاولت منعه، أشهر مطواة في وجهي، وعندما قاومته، فر وهو يكيل لي سيلاً من الشتائم العنصرية».

أما حسين إبراهيم، القادم من القاهرة، فكان يعمل محاسبًا في أحد الفنادق السياحية في مصر، وكان يحصل على 700 جنيه شهريًا، أي «مايعادل 100 يورو». وبعد حصوله، بدوره، على فيزا للدراسة، وصل فيينا ليستأنف دراسته للمحاسبة.

لكنه يقول «لا أستطيع العودة لمنزلي للراحة بعد توزيع الصحف، بل أتوجه مباشرة لعمل آخر شاق أيضًا. فمع طلوع الفجر، يبدأ يوم العمل الجديد للجميع، ولا وقت عندئذ للنوم». ويضيف أنه «يستطيع بعد كل هذا المجهود والتعب الشديد أن يوفر من العملين معا حوالي 200 يورو فقط».