حذر أدباء ومثقفون عرب من اندثار ما اعتبروها الثقافة الأفروعربية بسبب ضعف الدبلوماسية الثقافية للدول العربية والأفريقية ومخاوفها من الاختلاط بالثقافات الأخرى، خاصة الغربية، وأكدوا أن مجتمع المعرفة الجديد الذي صنعته وسائل التكنولوجيا الحديثة لن يرحم أي دولة أو مؤسسة أو مجتمع ما لم يندمج في مجتمع المعلومات.
جاء ذلك خلال ندوة «مصر أفريقيا.. ثقافة التنوع» بعنوان «الدبلوماسية الثقافية الأفروعربية» التي عقدت بقاعة الندوات الرئيسية «قاعة جمال حمدان»، اليوم الخميس، بمعرض الكتاب، حيث أشار الدكتور محمود الضبع، أستاذ الأدب الحديث بجامعة قناة السويس، والذي أدار الندوة، إلى أن الدبلوماسية الثقافية أصبحت واقعا يخضع لسيطرة التكنولوجيا ومن يتحكم في هذه الأدوات.
وأضاف «الضبع» أن الدول العربية والأفريقية ليست في أمان وسط هذا العالم، وتتعرض لأعتى حركات المواجهة، وهي تتسلح بمستويات تعليم متدنية، قد تصل إلى مرحلة تفكيك الهوية العربية.
فيما قال الدكتور عيسى الأنصاري، المستشار الثقافي لدولة الكويت بالقاهرة، أمين عام مساعد المجلس الوطني للثقافة والأدب في الكويت، أن علم الدبلوماسية الثقافية أصبحت علما يُدرس في جامعات فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وليس له حضور في المنطقة العربية سوى بعض المفاهيم «وليس لدينا مؤسسة دبلوماسية قادرة على مواكبة العالم»، موضحًا أن الحداثة والعولمة صنعت صراعا «حميدا» تجاه الثقافات، وأصبحت القوة الناعمة هي التي تحكم عقول الشباب، فضلاً عن القوى الصلبة الممثلة في القوة العسكرية أو الاقتصادية.
وتساءل الكاتب الكويتي عن إمكانية نقل ثقافتنا العربية للآخر قائلا: «هل لنا قدرة على التأثير في التنوع الثقافي؟ وهل نستطيع نقل ثقافتنا للآخر؟» ورد قائلا: «العالم العربي من وجهة نظر الآخرين مجرد ثقافة ضعيفة تابعة لهم، وهذا ليس صحيحًا».
وأكد «الأنصاري» أن الخوف من الذوبان هو نقطة الضعف لدى المنطقة العربية، «رغم أن ثقافتنا ليست ركيكة ولها عمق وتاريخ عظيم، ويجب أن نستفيد من ثقافة الآخر، وآن الأوان لنعيد التفاعل والتضاد مع أي ثقافة آتية من الخارج وألا نخشى الذوبان فيها».
ودعا «الأنصاري» كل المؤسسات والحكومات العربية للاستفادة من ثورة المعلومات المتاحة للتأثير في الآخر، وأن نتجاوز مرحلة الدفاع عن النفس ونصعد للسطح، كما فعلت الصين ومعظم دول آسيا التي أصبحت ثقافتها تحترم من العالم أجمع، وقال: «الدول العربية ليست أقل من هذا»، مشيراً إلى أن الثقافة العربية تم تشويهها من الداخل واستغلها الخارج، بسبب خطاب الديانة والعرق، والذي أصبح غير مقبول في هذا العصر، ويجب الوصول لسياسة موحدة يتم تصديرها للخارج، وخطاب استراتيجي يحمل ثقافة الدول العربية أمام الآخر، بنشر كتبنا ومؤلفاتنا للآخر، وأن يتم النظر للثقافة من منطلق تبادل المصالح، يتم من خلالها إنشاء معاهد دولية وجامعات عربية بالخارج.
ولفت المستشار الثقافي لدولة الكويت بالقاهرة إلى أن حادثة تسببت في تدمير دول عربية، وهي واقعة تفجير برجي التجارة العالمية في 2001، والتي استغلها الغرب لتدمير دول مثل أفغانستان والعراق واليمن بزعم محاربة الإرهاب.
وأيد حديثه الدكتور محمود الضبع، مطالبًا باستثمار القوى الناعمة العربية والأفريقية، واستثمار الأزمات التي نتعرض لها لتحقيق مكاسب كما يفعل الآخر.
من جانبه، قال السفير رضا الطايفي، مدير مكتبات مصر، أن الدبلوماسية الثقافية وصلت لأبعد ما وصلت إليه الدبلوماسية السياسية العادية، لأنها الأسرع وتصل إلى كل أفراد المجتمع وتخاطب احتياجاتهم واهتماماتهم، «فالعالم انتقل إلى دبلوماسية القمر الصناعي عبر شركات متعددة الجنسيات وعابرة للقارات» وأصبحت مظاهر القوة للدول هي القوة العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة، وهي الثقافة التي تحقق ما لم تحققه الدبلوماسية الصلبة في الحرب العالمية الثانية، ونجحت الدبلوماسية الثقافية في الحرب الباردة.
ولفت «الطايفي» إلى أن معرض الكتاب أصبح أحد فروع الدبلوماسية الثقافية الناجحة، وتم نقل تجربتها لدول أوروبية ولاتينية، لذلك فالدبلوماسية الثقافية الأفروعربية لم تعد رفاهية.