الدين والسياسة

د. ياسر عبد العزيز الأحد 12-01-2020 00:57

فى العام 1798، استولى الجيش الفرنسى، بقيادة نابليون بونابرت على الإسكندرية، حيث أراد هذا القائد تسهيل مهمته فى احتلال مصر جميعها، التى كانت آنذاك أغنى أقاليم الإمبراطورية العثمانية؛ فكتب رسالة، وأمر جنوده بتوزيعها فى أنحاء البلاد. الرسالة كانت تقول: «أيها المشايخ والأئمة قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا فى روما، وخربوا فيها كرسى البابا. والفرنساوية، فى كل الأوقات، مخلصون محبون لحضرة السلطان العثمانى. أدام الله جلال السلطان العثمانى، وعسكر الفرنساوية، ولعن المماليك، وأصلح حال الأمة المصرية».

بعد هذه الحادثة بسنوات، وقف نابليون أمام مجلس الدولة فى بلاده، محاولاً أن يشرح وسائله الحربية والسياسية، التى مكنته من حصد مجد أوشك به على حكم القارة الأوروبية بأسرها؛ فقال: «لم أستطع إنهاء حرب الفاندى (منطقة غارقة فى العصبية الكاثوليكية)، إلا بعدما تظاهرت بأننى كاثوليكى حقيقى. ولم أستطع الاستقرار فى مصر إلا بعدما تظاهرت بأنى مسلم تقى. وعندما تظاهرت بأنى بابوى متطرف استطعت أن أكسب ثقة الكهنة فى إيطاليا. ولو أنه أتيح لى أن أحكم شعبا من اليهود لأعدت من جديد بناء هيكل سليمان».

، الذى وضع المصنف البديع «سيكولوجية الجماهير».

يقول لوبون: «إن الجماهير أياً تكن ثقافتها أو عقيدتها أو مكانتها بحاجة لأن تخضع إلى قائد، وهو لا يقنعها بالحجج العقلانية والمنطقية فى أغلب الأحوال، وإنما يجذبها ويسحرها بواسطة مؤثرات عاطفية، تماماً كما يفعل الطبيب الذى ينوم المريض مغناطيسياً. إن التغيرات التى تطرأ على الفرد المنخرط فى الجمهور مشابهة تماماً لتلك التى يتعرض إليها الإنسان أثناء التنويم المغناطيسى. الفرد يتحرك بشكل واع مقصود، أما الجمهور فيتحرك بشكل لا واع؛ ذلك أن الوعى فردى تحديداً، أما اللاوعى فجماعى».

.

نحن نتذكر تلك الوقائع التى جرت فى بلادنا حينما حاول تنظيم دينى اعتلاء السلطة، استناداً إلى دعاوى دينية، لم يثبت أبداً تمسكه بها، ورغم ذلك فقد أظهرت الاستحقاقات الانتخابية، التى جرت فى أعقاب «انتفاضة يناير»، خضوع الجمهور لهذا التأثير، وهو ما انعكس بوضوح فى «غزوات الصناديق».

.

.

.

وعن ذلك السلوك، كتب الخبير الأمريكى فى شؤون الشرق الأوسط مايك دورن ما يلى: «عادة ما يلجأ المتشددون إلى الدين عندما تكون سيطرتهم على السلطة فى خطر».

.