ولأنه ثبت بالتجربة المعملية والحياة الواقعية أن مسألة التجديد لن تتم بالسلاسة أو الليونة التى اعتقدها البعض، فإنه وجب على المهتمين بمسألة الخطاب الدينى/ الثقافى الذى ورد إلينا مع نهاية سبعينيات القرن الماضى فضرب ثقافتنا ومسيرتنا فى مقتل أن يلجأوا إلى سبل أخرى هى الأوقع والأمثل. فقد ثبت انتفاء الرغبة أو انقشاع الإرادة أو كلاهما فيما يتعلق بتجديد الخطاب وتطهيره.
كما أن ما أفسده التسلل الثقافى المستورد وما شوّهته المظاهر المجتمعية الهجينة على مدار نصف قرن لا يصححه تغيير منهج أو تعديل خطبة. فقد بات الهسْهسْ متوطناً وتحول الوسواس إلى منهج. ومواجهة الفكر لا تتم إلا بفكر، ومغالبة الجهل لا تنجد إلا بعلم وفن وثقافة شعبية حقيقية متغلغلة فى الحارات والشوارع والنجوع. واقتصار الهبد الثقافى والرزع التنويرى على أثير العنكبوت أو سطور كهذه يعنى أننا ندور فى دوائر مغلقة، لا شأن للقاعدة العريضة من المصريين بها.
فما أعطبه الفكر المشوه عبر تحريم الغناء يجب مواجهته بالغناء واكتشاف المواهب فى كل شارع وحارة. وما لوثه الفكر المتشدد بحظر الموسيقى لن يطهره إلا بث الموسيقى فى محطات المترو ومواقف الباصات. وما أمرضه الفكر المتخلف عبر الترويج لخرافة أن التمثيل حرام لن تداويه إلا عروض مسرحية وتشجيع على اكتشاف مواهب مدفونة فى أحياء غارقة حتى أذنيها فى الجهالة، وهلم جرا.
ونحن لا نطالب بأن يجول عادل إمام أو عمر خيرت أو عمرو دياب الأحياء والحارات (وإن كنت على يقين بأنه لو طُلب منهم المشاركة فى التنوير لما تأخروا)، لكن ماذا عن الاستعانة بالمواهب الشبابية الموجودة بالفعل، والتى سيسعدها كثيراً توسيع قاعدة المشاهدين والمستمعين والمتابعين، وذلك مع تقديم بعض الدعم الحكومى لها؟! التعامل مع ما وصل إليه المجتمع من ظلام فكرى وثقافى لن يجديه نفعاً صالونات ثقافية مغلقة تنعقد على مقاهى وسط القاهرة، أو مجادلات عنكبوتية تدور رحاها على صفحات فيسبوك.
.