دواء صناعة الدواء!

عبد المنعم سعيد الأحد 10-11-2019 00:20

لفت نظرى قيام مؤسسة الأهرام العريقة بعقد «مؤتمر ومعرض الأهرام الأول للدواء» الذى جرى فيه بحث مشكلات ومعضلات صناعة الدواء فى مصر.

وللحق أن الدكتور العزيز أحمد عامر، رئيس شركة الأهرام للأدوية، لفت نظرى من قبل إلى أهمية الموضوع استنادا إلى أمرين: أن صناعة الدواء فى مصر صناعة استراتيجية، وأن الصناعات الدوائية تمثل جزءا كبيرا من الاقتصاد القومى ومصدرا لجذب الاستثمارات.

الأمر الأول يُشار إليه عندما يكون الموضوع من الحساسية بحيث يمكن لقوى خارجية أن تضغط على مصر، أما الأمر الثانى فهو المساهمة فى عملية التنمية الجارية فى البلاد، حيث إن المعلومات عن صناعة الدواء تشير إلى أنها حاليا تحتوى على ١٦٠ مصنعا مرخصا، و٨٠ مصنعا تحت الإنشاء، وحوالى ١٢٠٠ من الشركات المصنعة لمنتجات شركات أخرى، و١٥٠٠ شركة توزيع، وفى الحقل الدوائى توجد ٧٠ ألف صيدلية.

الاهتمام الصحفى والإعلامى بالموضوع يفتح الباب لتناول مختلف للعديد من القضايا القومية التى يغم عليها الالتباس بين جوهر الموضوعات، والمعارك الإعلامية اليومية سواء كانت وراء خلافات داخلية فى وجهة النظر، أو الاشتباكات مع من لا يريدون للدولة خيرا. وإذا تركنا هذه وتلك جانبا فإن الواقع المصرى غنى للغاية بما يستحق المتابعة والتحليل والتفسير، وخلال الفترة القصيرة الماضية فإن عددا من المشروعات الصناعية الكبيرة جرى افتتاحها، والتى تعنى مجمعات من مصانع صناعة بعينها. هذا التركيز خلال فترة قصيرة يعيد التوازن إلى ساحة التنمية التى بدت فى بعض الأوقات كما لو أن مصر تفرغت للعقارات والمدن والطرق، وتركت ما يضيف وينتج وأيضا يعطى فرصا كبيرة للعمل والتشغيل. والحقيقة مهما كان التصنيف الذى يجرى استخدامه لوصف الاقتصاد المصرى بين الدول النامية فإنه بشكل عام من الاقتصادات المتوازنة والمتنوعة، بمعنى أنه لا يركز على منتج بعينه مثل البترول أو الماس، أو خدمات بعينها مثل الموانئ والسياحة والبنوك، وإنما هو متعدد المصادر. وبالنظر إلى الناتج المحلى الإجمالى فإن الصناعة فيه تتصدر قائمة المساهمين (17.7٪) مقارنة بالزراعة (14.7٪) والتشييد والبناء (10.4٪)، وبعد ذلك تتفرق الأنصبة بين المواصلات والاتصالات والنقل والتجارة والتعدين والخدمات التعليمية والصحية والحكومية.

وهكذا فإن عودة الصناعة لكى تتصدر المشهد القومى ربما كانت أولى الجرعات التى تحتاجها صناعة الأدوية، وللحق فإن افتتاح المشروعات لم يكن أول الغيث فى هذا الاتجاه، وإنما جرت خطوات أخرى حميدة، كان منها دعم الصادرات التى يعد المصنعون أول المستفيدين منها، وأضيف لها دعم موجه إلى أسعار الغاز الضرورية لصناعات عالية الاستهلاك للطاقة وتعمل فى ظل منافسة عالمية غير عادلة.

وثانية هذه الجرعات هى أن مشكلات ومعضلات الصناعات ليست متشابهة، فهناك «خصوصية» لكل صناعة لها علاقتها بالظروف التاريخية التى نشأت فيها الصناعة داخل مصر، وبالتطور التكنولوجى الملازم لها والذى يسير الآن بسرعات خرافية.

وقد جرى ذلك فى صناعة الدواء كما جرى فى صناعات أخرى، بل إن ما جرى فى الدواء من تطورات مؤخرا فيما يتعلق بأمراض مستعصية مثل السرطان والسكرى هو بمثابة الثورة الكبرى التى تتخطى أزمنة كثيرة فى فترات قصيرة.

مثل هذا لا ينبغى له أن يفوتنا، أو يُحرم منه مرضانا، ولا يوجد لذلك حل بالاستثمارات الجديدة فى الصناعة فقط، وإنما بتطوير البحث العلمى المصرى فى الداخل وارتباطه بشبكات عالمية للبحوث والتطوير.

والحقيقة أن بلدا مثل مصر لديها ثروة هائلة من «المعلومات»، والقدرة الكبيرة على تخزينها وتحليلها، وهو ما يعد أولى الخطوات فى البحث العلمى سواء كان نظريا أو تجريبيا أو سريريا أو معمليا. وعلى هذا الطريق يوجد الكثير من الحساسيات القائمة فى القوانين والأعراف، وفى الثقافة العلمية عامة، والتى تجعل المشاركة مع الدول المتقدمة، وإجراء الأبحاث من العمليات الصعبة والمعقدة.

التحرير العلمى لصناعة الدواء فى مصر، وربما فى صناعات أخرى أيضا، هو الذى يعطينا دفعة للتقدم فى التقليل من الأوجاع ومعالجة الأمراض من ناحية، وفتح الأسواق العالمية لمنتجاتنا من ناحية أخرى. فالمسألة ليست فقط وجود حزمة من المحفزات والتسهيلات الاقتصادية المعروفة من الضرائب إلى غيرها، وإنما فى القدرة على مواكبة العصر وفهمه والاستفادة من الفرص التى يوفرها خلال هذه المرحلة من التاريخ.

وإذا كانت مصر قد قطعت خطوات على هذا الطريق عندما دعت الجامعات الأجنبية للاستثمار التعليمى المباشر فى مصر، ودعت إلى الشراكة بين الجامعات المصرية والأخرى الأجنبية، فإن مجال الدواء ليس مجرد رخص للإنتاج وإنما شراكة فى الإنتاجية، وهذه قصة أخرى.