دعا الدكتور طارق الجمال، رئيس جامعة أسيوط، إلى نشر ثقافة الاعتدال وإعلاء فريضة التسامح وصون الحريات في مواجهة كل الأفكار المتطرفة والأخطار التي تحيط بالشباب من كل جانب.
وشدد رئيس الجامعة على ضرورة تسلح أبناء الوطن بالعلوم والمعارف القائمة على حب الوطن ونبذ كل الأفعال الهدامة التي من شأنها جلب الدمار والخراب للبلاد، وهو ما ينعكس واضحًا في الدور الذي تتبنّاه الجامعة خلال هذه الآونة من حراك علمي وتوعوي لخدمة أبنائها وحمايتهم وتصحيح معتقداتهم الدينية.
جاء ذلك خلال افتتاح الجامعة لندوتها الثقافية الموسعة حول «تجديد الخطاب الديني وعودة الدولة المصرية» بحضور الدكتور أحمد المنشاوي، نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمود محمد على، رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب، رئيس الندوة، ومحمد بشير، رئيس حي غرب محافظة أسيوط، وحاضر خلالها كل من الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، والأستاذ حلمي النمنم وزير الثقافة السابق، وبمشاركة حشد كبير من القيادات التنفيذية والأمنية وأعضاء مجلس النواب ورجال الدين الإسلامى والمسيحى وعمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس ولفيف من الطلاب من مختلف كليات الجامعة.
وخلال الافتتاح، طالب الدكتور أحمد المنشاوي الشباب بضرورة التحلي بالوعي والثقافة والفكر الذي يمكنه من تقبّل الفكر المخالف والتمييز ما بين الصالح والطالح من الآراء، خاصة في ظل المفاهيم والنظريات المنحرفة عن صحيح الدين والتي يتم تسويقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتسهم في اندفاع الشباب وتحولهم نحو الفكر المتطرف والسلوكيات العنيفة، وهو ما دفع الجامعة بكل قطاعاتها لتلبية النداء وتقويم المسار في مواجهة هذه الأخطار.
وقال الدكتور محمود محمد على، إن المشهد السياسي خلال هذه الآونة شهد ظهور الكثير من الظواهر الغريبة والمختلفة على المجتمع المصري بكل فئاته والذي لطالما اتسم بالوسطية والاعتدال، ولعل أبرزها الفتن المتكررة وأحداث العنف المتزايدة، والتي كانت دافعاً كبيراً لوحدة الجيش والشرطة لإسقاط حكم الإخوان المسلمين واستعادة مكانة الدولة وهيبتها وإدراك مدى الخطر المحيط بكل مؤسساتها، وذلك من خلال العديد من المبادئ المرجعية التي استرشد بها النظام الحالي نظرياً وتطبيقياً، وفي مقدمتها تجديد الخطاب الديني بما يتماشى مع الخصوصية الثقافية المصرية باعتبار ذلك من المهمات الأساسية للدولة والتي دعا لها الرئيس السيسي منذ أكثر من 5 سنوات مضت، وذلك بما يسهم في مواجهة الإرهاب والحفاظ على الوطن من الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام والتوعية من الاستغلال الإعلامي السيئ لهذه القضية.
وأكدت الدكتورة آمنة نصير على قيمة مصر في كل الأديان والشرائع السماوية التي يجب أن يقابلها اعتزاز متواصل في نفوس المصريين وسعي من المفكرين والمثقفين ورجال الدين لإحياء تلك القيمة الدينية والتاريخية لمصر مع ضرورة إرساء مبادئ الفكر الوسطي المتسامح بين مختلف فئات وثقافات المجتمع والاقتداء في ذلك بالرسل والأنبياء لمواجهة ما يحدث الآن من عنف واستغلال وسفك للدماء، كما يجب على الجميع، خاصةً ورثة الأنبياء من علماء الدين، التحلي بالفكر المستنير ورحابة العقل بحيث يتمسكون بثوابت الدين وركائزه مع استيعاب مستجدات العصر ومحدثاته داخل عباءة الدين دون إفراط أو تفريط، مؤكدةً أن الاجتهاد هو آلة هذا الزمان في الرد على الأفكار المغلوطة وأهم أسلحته في مواجهة الفكر المتطرف والتيارات الهدامة، في إطار تجديد الخطاب الديني الذي يعني مواجهة التعصب المذهبي وتطوير أساليب الدعوة والتلقين وفق متطلبات الواقع المعاصر دون التغيير في صفته أو طبيعته.
أما حلمي النمنم، فقد أكد سعادته بوجوده في رحاب جامعة أسيوط التي تعد موطناً لكثير من العلماء والأدباء، وأن تجديد الخطاب الديني ليس أمراً شائكاً، فقد بدأ في عصر الخديو إسماعيل، وازدادت الحاجة إليه مؤخراً بعد انتشار الإسلاموفوبيا في الدول الغربية والأجنبية، نافياً أن يكون سبب الإرهاب والتطرف هو نفس العلم، فمعظم قادة التيارات الإرهابية من خريجي الطب والعلوم والهندسة، كما أن الإرهاب والتطرف لا يقتصر وجوده على الدول النامية ولكنه أصبح خطراً متواجداً في كثير من الدول الأجنبية المتقدمة.
وأضاف ان الإرهاب هو فكرة في الرأس النابعة من اشتقاق خاطئ وقاصر للإرهابيين لأجزاء من الدين وتوظيفها بما يخدم أفكارهم المتطرفة، يتم اجتزاؤه من تفسيرات ابن سيرين وابن تيمية وكانت مقصورة على الظروف والأحوال في دمشق في ذلك الوقت وهو الذي لا يمكن تطبيقه على الوقت الحالي.
وأوضح ان كثيرًا من الأفكار المتطرفة تقود بأصحابها في نهاية الطريق إلى الإلحاد أو الانتحار ونحن مدعوون للدفاع عن الدولة المصرية لا عن نظام سياسي بعينه، فنحن بحاجة إلى دولة قوية وصارمة تتواكب مع كل الأفكار والآراء والثقافات، ومن المعيب أن يقال إن تجديد الخطاب الديني الهدف منه هو النيل من الدين في دولة قامت على مر تاريخها بحماية الرسائل السماوية ونشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، مؤكدا أن تجديد الفكر والخطاب الديني هو مسؤولية الشباب.
وشهدت الندوة في ختامها مناقشة حرة وموسعة بين أعضاء المنصة والحضور من مختلف الفئات حيث بدأها رئيس الجامعة بالإجابة عن أحد التساؤلات التي تتم دعوة جامعة أسيوط خلالها بتبني مشروع لتجديد الخطاب الديني، حيث أكد رئيس الجامعة أن تجديد الخطاب الديني هو أمر يرجع في المقام الأول لعلمائه ورجاله من الأزهر الشريف والأوقاف وهيئة بيت العائلة المصرية وهى الجهات المنوط بها القيام بتلك المسؤولية، وهو ما يمكن أن يصاحبه تعاون من العلماء والمثقفين، موجهًا سؤاله للدكتورة آمنة نصير وما إذا كان مصدر الخلاف في استخدام النصوص، أم في تفسير دلالاتها؟، وعن هذا الأمر أجابت الدكتور آمنة أن التيارات المتطرفة تستغل بعض النصوص الدينية المرتبطة بظروف معينة إبان نزول الإسلام ومحاربته من الكفار وتأويلها على نحو خاطئ يخدم أهدافهم الساعية إلى هدم الدول وزعزعة استقرارها.
واستعرض حلمى النمم بعض القضايا الخلافية التي أثارها بعض الأفكار الدينية المغلوطة التي تدعو إلى تحريم زراعة الأعضاء ونقلها، وهو ما جعل مصر تتأخر طبيًا في ذلك المجال، وذلك بعد تعرضها لأفكار معارضة أودت بحياة الكثيرين، مشيراً إلى انتشار دعوى إقامة الدولة الإسلامية يتزعمها في الأصل قيادات من أصحاب مزدوجي الجنسية.