رغم انبهار الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط بالتجربة الماليزية، ورغم دعوات المتابعين إلى محاكاتها اقتصاديًا وسياسيًا، فإن للشارع السياسي هنا في الشرق الأدنى رأى مخالف تمامًا.
تجلى ذلك على مدار اليومين الماضيين، كان المشهد غير مسبوق، مظاهرات حاشدة في العاصمة أمام مقر المحكمة العليا، دعمًا لزعيم المعارضة الحالي، ورئيس الوزراء السابق، أنور إبراهيم، قبل تبرئته من تهمة ممارسة الشذوذ الجنسي، ليقرر المتظاهرون الرحيل. لكن فض المحتجين لتظاهراتهم لا يعني إطلاقًا اختفاء حالة الاحتقان في الشارع السياسي من «الحكم القمعي وكبت الحريات والفساد الإداري المتفشي في البلاد».
ولعل أكبر دليل على كبت الحريات هو ما تمثل في هلع مجموعة الشباب التي تحدثت إليهم «المصري اليوم» من فكرة نشر صورهم. بعضهم يعتبر كل غريب عنهم بالضرورة «عضو في جهاز أمني»، والبعض الآخر «جريء مترقب يتكلم بحذر، ويرفض التصوير».
بسؤاله عن أسباب غضبه، قال ذو القرنين بن محمد إبراهيم (34 عامًا)، رئيس عمال في إحدى الشركات الكبرى، «لا أعلم لماذا اشتهرت ماليزيا حديثًا بالحريات والحكم بالشريعة الإسلامية، ما يحدث هو العكس تمامًا، فهم يطبقون الدين، حسب ما يروه هم، ويطلقون الزمام لمن يرون أنه لن يضر مصلحتهم»، وأضاف ذو القرنين: «الحرية هنا حكر على فئة معينة، أما عامة الشعب فليسوا ضمن هذه الفئة».
وأضافت أمينة بضيق واضح «الشعب الماليزي معظمه لا يكترث بالسياسة أو السياسيين، لكنه يذهب لينتخب فقط، بسبب إصدار الحكومة فتوى بحرمانية عدم الانتخاب، لذلك يتوجهون إلى صناديق الاقتراع طاعة للحكومة، وينتخبون مرشحيها، طاعة لأوامرهم، الذين يثقون فيهم كل الثقة، لأنهم يرون أن الخروج على الحاكم حرام شرعًا».
وفي حديثه لـ«المصري اليوم»، قال محمد زين العابدين، الذي اكتفى باسمه مجردًا، إن «الحياة السياسية في ماليزيا مليئة بالفساد، ولابد للظلم أن ينتهي»، وتدخل زميله سيف الله في الحديث معربًا عن أسفه لما يجري في البلاد من فساد سياسي وإداري، وقال: «هذا الحكم يثبت أن لدى ماليزيا نظامًا قضائيًا مستقلًا، لكنه يثبت في الوقت نفسه أن الحكومة الفاسدة».
أما لقمان الحكيم (20 عاما)، وهو صاحب نزل في قلب العاصمة، فعبر عن سبب غضبه بشكل آخر، إذ أكد أن «مهاتير وإبراهيم أنور بالنهاية يشبهان بعضهما البعض، كلاهما يسعى لمصلحته الشخصية من خلال الكذب والتلاعب بالشعب».
في المقابل، يعتبر حسن بن زهري (47 عامًا) ويعمل سائق أجرة، ما يقال عن الفساد الساسي في ماليزيا به نوع من المبالغة، ويتساءل عن سبب غضب هؤلاء الشباب من الحكومة «لماذا نحتاج إلى التغيير؟! الفساد موجود في كل أنحاء العالم، لكنه بنسب، فعلينا أن نفرق بين الفساد الذي يمكن التحكم فيه، والفساد الخارج عن السيطرة»، ورأى زهري أن الحديث عن فساد مهاتير وإبراهيم ربما يكون مبالغًا فيه، لكنه لا يمكن مقارنته بدول أخرى.
وأضاف بنبرة اعتذار: «مع كامل الاحترام لك وللشعب المصري، قد قمتم بالثورة وعزلتم مبارك وطهرتم البلاد من الفساد، لكنكم الآن ومع تولي المجلس العسكري للسلطه مازلتم تعانون من الفساد، أنا لا أريد أن يحدث هذا في ماليزيا، حتى وإن رحل داتو سري محمد نجيب، رئيس الوزراء، وحل محله إبراهيم أو غيره، سيظل الفساد موجودًا، لكن السؤال هو: من يستطيع أن يتحكم فيه ولا يخرج عن السيطرة».