تباينت آراء قضاة وقانونيين حول قرار مجلس القضاء الأعلى الصادر الثلاثاء، الذى يسمح ببث وإذاعة محاكمات المتهمين فى قضايا الفساد وقتل الثوار عبر شاشات عرض توضع خارج قاعة المحكمة، بغرض إتاحة الفرصة لمتابعة ومشاهدة وقائع الجلسات لمن لم يتمكن من ذلك. ففى الوقت الذى اعتبر فيه بعض القضاة أن القرار لم يضف شيئاً لمبدأ علانية الجلسات رآه البعض الآخر مخرجاً كانت المحاكم فى حاجة إليه لإنهاء الخلاف حول نقل وإذاعة الجلسات تليفزيونياً، والذى كان يمثل عبئاً ذهنياً ونفسياً على القضاة.
قال المستشار أحمد دهشان، رئيس محكمة جنايات الجيزة، إن القرار أنهى إلى حد كبير خلافاً فى وجهات النظر، ووضع حلاً حاول فيه إرضاء جميع الأطراف، فالعلانية هى المبدأ القانونى المستقر عليه، ولاشك أن المحاكم طبقت هذا المبدأ فى حدود المتاح وبما لا يخل بنظام الجلسات، إذ إن جميع جلسات المحاكمات سواء فى قضايا الفساد أو قتل المتظاهرين أو حتى غيرها كان يسمح فيها بحضور مندوبى جميع وسائل الإعلام، إضافة إلى من له مصلحة أو صفة من الجمهور، وفقاً لاتساع قاعة المحكمة ولم تكن أى من هذه المحاكمات سرية أو غير معلنة.
وتوقع «دهشان» أن يكون قرار مجلس القضاء الأعلى بدخول كاميرا تليفزيونية تنقل وقائع الجلسة على شاشات عرض غير مرض للثوار، وأن يرتفع سقف مطالبهم إلى مطالب أخرى فى هذا الشأن تحديداً، وقال إن الهدف الأساسى ليس هو الإذاعة بقدر ما هو إصدار أحكام تتفق وأهواء الثوار دون النظر إلى قدسية هذه المحاكمات، واعتبر ذلك تدخلاً فى صميم عمل القاضى غير مقبول بأى حال من الأحوال، وأشار «دهشان» إلى ضرورة أن يتخلى كل منا عن رأيه إذا كان الرأى الآخر يهدف إلى المصلحة العامة.
وأضاف المستشار أسامة الصعيدى، الرئيس بمحكمة جنايات القاهرة، أن قرار منع إذاعة المحاكمات تليفزيونياً، السابق صدوره من مجلس القضاء الأعلى، كان السبب الأول فيه تجاوزات بعض وسائل الإعلام، بما لا يتفق والنظام العام لإدارة جلسات المحاكمة، ولا تتيح للقاضى العمل فى المناخ الملائم لسير المحاكمة على النحو الصحيح.
وأضاف «الصعيدى» أن القرار الأخير لمجلس القضاء الأعلى هو قرار حكيم، لكنه غير مأمون العواقب أيضاً، فهو بالتأكيد راعى فى المقام الأول هيبة المحكمة وحافظ على النظام العام لإدارة الجلسة لكنه فتح باباً جديداً لكيفية الحفاظ على تأمين الأجواء خارج قاعات المحاكم، وأوجب على الأجهزة الأمنية وضع خطط جديدة لتأمين الطرق والأماكن المحيطة بالمحاكم، منعاً لحدوث أى شغب أو خروج على القانون فى حالة إذا كان ما يحدث داخل القاعة لا يلقى استحسان البعض ممن يتابعون الجلسة خارجها.
وقال مصدر قضائى بمحكمة استئناف القاهرة ـ طلب عدم ذكر اسمه ـ إن إعادة تصوير جلسات المحاكمات وتسجيل ما يتعرض له بعضها من تجاوزات واعتداءات من قبل بعض الأطراف، لا يخدم العدالة بقدر ما يحمله من تبعات سلبية، خاصة فى قضايا الفساد المالى والإضرار بالمال العام، فعلى سبيل المثال كيف سيكون لمصر الحق فى استرداد أموال مهربة للخارج يمتلكها أحد المتهمين إلا ـ وكما ينص القانون ـ بحكم قضائى نهائى وبات، وفقاً لمحاكمة عادلة ومنصفة.
وأضاف المصدر: كيف سيتأتى هذا ونحن نعرض ونذيع على كل شاشات تليفزيوناتنا ما تتعرض له المحاكمات من تجاوزات واعتداءات لاشك أنها تضر بسير المحاكمة على النحو العادل المقرر قانوناً.
وأشار المصدر إلى ضرورة وضع خطط تأمينية تحافظ على قانونية المحاكمة قبل أى شىء، خاصة بعد هذا القرار ووسط كل ما تتعرض له المحاكم من تجاوزات فى تلك المحاكمات.
ورحب قضاة الإسكندية بقرار مجلس القضاء الأعلى بعلانية محاكمات الفاسدين من رموز النظام السابق، والمتهمين بقتل المتظاهرين أمام الرأى العام، مؤكدين أن العلانية تعيد الثقة فى القضاة وتبرئهم من الاتهامات التى واجهوها خلال الفترة الأخيرة بالتباطؤ فى نظر هذه القضايا، فضلاً عن طمأنة المواطنين بأن هناك محاكمات فعلية تحدث وليس مجرد تمثيلية.
قال المستشار عبدالرحمن بهلول، رئيس محكمة جنايات الإسكندرية، إن الأصل فى المحاكمات هو العلانية والشفافية، متهماً الإعلام بارتكاب تجاوزات كانت سبباً فى إصدار مجلس القضاء الأعلى فى وقت سابق قراراً بحظر إعلان المحاكمات والجلسات.
وأكد أن العلانية لا تضر بالعدالة ولا تمثل أى ضغوط على القضاء على الإطلاق، واصفاً قرار علانية المحاكمات بـ«الجيد»، مشدداً على ضرورة ألا يقابل الشعب هذا الأمر بالتشفى والانتقام.
من جانبه، أيد المستشار أحمد غازى، عضو الجمعية العمومية لنادى قضاة الإسكندرية، رئيس محكمة جنايات الأقصر، علانية المحاكمات خاصة فيما يتعلق بقضايا الفساد وقتل المتظاهرين المتهم فيها رموز النظام السابق.
وقال «غازى» إن طبيعة كل من المرحلة الدقيقة الحالية التى تمر بها البلاد والقضايا المنظورة الآن والخاصة بقتل الثوار والفساد توجب أن يكون هناك نوع من الشفافية والوضوح والثقة بين المواطنين والقضاة.
ومن الناحية الأمنية قال الرائد فهد خليفة، ضابط بالعلاقات العامة والإعلام بمديرية أمن حلوان، إن الأجهزة الأمنية طلبت فى بداية محاكمات المسؤولين علانية المحاكمات وإذاعتها عن طريق شاشات عرض، لكن طلبهم قوبل بالرفض.
أضاف «خليفة» أن علانية المحاكمات سوف تكسر حدة العنف والقلق الذى يراود الشعب المصرى نحو القضاء، لأن نظر القضايا أمام الجميع وسماع طلبات دفاع المجنى عليهم والمتهمين ومناقشة الشهود سوف تؤدى إلى الطمأنينة بالإضافة إلى أن إذاعة المحاكمات سوف تنقل المزايا والعيوب داخل القاعة وخارجها وما يجرى من المواطنين والضباط، والطرف الذى يعتدى على الآخر سواء كان مواطناً أو ضابطاً لابد من محاسبته بالقانون.
وأشار إلى أن إذاعة المحاكمات على شاشات العرض خارج القاعات سوف تخفف ضغط الأهالى من الوصول إلى المحكمة من مسافات بعيدة وتخفف ضغط التأمين داخل القاعة.
لكن الأهم هو اختيار المكان الذى يتم إذاعة المحاكمة فيه من خلال شاشات العرض، وبذلك يثق الجمهور فى الأجهزة الأمنية المسؤولة عن ترحيل المتهمين حينماً يشاهدونهم وهم داخل القفص وأثناء ترحيلهم إلى محبسهم فى سجن طرة.
ولفت إلى أن هذا القرار سوف يوضح للمواطن من المسؤول عن تأخير المحاكمات، هل هو القاضى مثلما يقال أم المدعون مدنياً الذين يقومون باستمرار طلب التأجيل لتلبية مطالبهم.