بدون لافتات ضخمة أو «بروباجندا» عميقة، فقط بلغة عربية مُنمقة، صوت جهوري، وقليل من المال، طفا «الأستاذ قيس سعيد»، كما يُطلق عليه محبوه، على سطح الساحة السياسية، قادمًا من خلفية أكاديمية جعلتهُ يتسرب إلى الأوساط السياسية، عقب سقوط نظام بن على، إذ كان يظهر ليُعطي رأيه في الكثير من المسائل، بصفته «أستاذ قانون دستوري».
أطلق عليهِ المتابعون اسم «العصفور النادر»، ولم يرفض هو التسمية، فقبل ساعات من الصمت الانتخابي، قال «قيس» إنه يتذكَر مشهدا واحدا طوال الوقت من فيلم «العصفور» ليوسف شاهين، تحديدًا حينما أطلق الشاب العصفور من القفص، فتحرر، شعر بالحرية، ولم يشأ العودة إلى القفص مرة أخرى.
من شقة متواضعة مُستأجرة في عمارة بشارع ابن خلدون، قلب العاصمة تونس، أطلق الأكاديمي قيس سعيد، حملته الانتخابية، ليصل منها طائرًا إلى قصر «قرطاج»، دون حملات انتخابية، إذ أعلن في وقت سابق، أنه «لن يقوم بحملته الانتخابية للدور الثاني لدواعٍ أخلاقية وضمانًا لتجنب الغموض حول تكافؤ الفرص»، مُشيرًا إلى منافسه، نبيل القروي.
مع بداية شتاء 1958، ولد قيس سعيد في تونس، داخل عائلة من الطبقة الاجتماعية الوسطى، من أب موظف وأم ربة بيت، ودرس بالجامعة التونسية وتخرّج فيها ليدرس فيها لاحقا القانون الدستوري.
في سن 28 عامًا، حصل «قيس» على دبلوم من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري في تونس ثم باشر تدريس القانون في جامعة «سوسة»، وأشرف بعدها لفترة قصيرة على قسم القانون العام، لينتقل إثرها ومنذ العام 1999 إلى حدود 2018 إلى جامعة العلوم القانونية والسياسية في تونس العاصمة.
تقلد «قيس» بين عامي 1989 و1990 مهام مقرر اللجنتين الخاصتين لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بغرض إعداد لتعديل مشروع ميثاق الجامعة، ومشروع النظام الأساسي لمحكمة العدل العربية.
حصل «قيس» في 1997 على عضوية المجلس العلمي وعضوية مجلس إدارة الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، وهو أيضًا رئيس مركز تونس للقانون الدستوري من أجل الديمقراطية.
رغم المشاغل الكثيرة، يحظى «قيس» بمحبة طلابه، إذ قال عنهُ أحدهم: «نحن تعلمنا من قيس سعيد العفة ونكران الذات. تعلمنا الكثير من الأستاذ، كل يوم نتعلم منه».
«أنا لا أبيع الوهم للشعب التونسي، وبرنامجي الذي أعلنته واضحًا»، لم يحمل «قيس» وعودًا انتخابية بحجم «السماء»، إذ قال في حواره مع «بوليتيكو تونس»: «انتهى عهد الحملات الانتخابية القائمة على وعود بالتخفيض في أسعار المواد، كحملات التخفيض في الأسعار بالفضاءات التجارية الكبرى، المقاييس تغيرت الشعب من يحدد البرنامج لأنه أصل السلطة والسيادة له».
وأضاف: «ما أطرحه هو مشروع يمكن التونسيين من الفعل السياسي ويعيد إليهم السلطة التي سلبت منهم».
وعن تصنيفه سياسيًا، قال قيس في الحوار نفسِه: أنا لا أريد مثل هذه العناوين، هذه تصنيفات بالية بائسة تجاوزه الزمن، العالم دخل مرحلة جديدة ويحتاج آليات جديدة للعمل، الشعوب صارت تتحرك خارج الأطر التقليدية.
وعن أول ما سيفعله «قيس» عند وصوله للرئاسة، وعد «قيس»: «أعرف جيدا صلاحيات رئيس الجمهورية، وإذا تم انتخابي سألجأ لما يمكنني منه الدستور سواء من اقتراح مشاريع قوانين أو من رفض الختم على القوانين أو الاستفتاء وغيرها من الآليات لإنفاذ تصوري، فلكل مرحلة من التاريخ آلية للتعامل معها».
وبعد إعلان فوزه بنسبة تجاوزت 72 بالمئة على حساب منافسه نبيل القروي، ظهر «قيس» على شاشة التليفزيون، متحدثًا بلغة رسمية: «الشباب الذي فتح صفحة جديدة في التاريخ»، مضيفًا: «سأحمل الأمانة، الشعب يريد».