في 2016 جلس الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على مائدة واحدة مع قادة الاتحاد الأوروبي، لعقد اتفاق عُرف بـ«إعادة القبول»، يقضي بإنهاء تدفقات الهجرة غير الشرعية من تركيا إلى الدول الأوروبية، وضمان تحسين ظروف استقبال اللاجئين في تركيا، مقابل دعم بقيمة 6 مليارات يورو.
هذا الاتفاق جنت منه أوروبا الكثير من المكاسب، إذ انخفض عدد طالبي اللجوء عبر بحر إيجه، لكن القارة العجوز تدفع الآن ثمنًا غاليًا، يجعلها تقف في موقف غض الطرف عما يفعله الرئيس التركي، شمال سوريا.
اللاجئون، الذين استضافتهم تركيا بمقتضى الاتفاق، صاروا ورقة الضغط الرابحة دائمًا في يد أردوغان، يلوّح بها من وقت لآخر في وجه أوروبا، حال اعتراضها على خططه بشأن سوريا. ورقة ضاغطة أفضت في النهاية إلى تواجد الجيش التركي الآن في شمال سوريا، بعد ساعات من انسحاب القوات الأمريكية.
بلغة تحذيرية مهددة، ظهر أردوغان، الخميس الماضي، موجهًا رسالته إلى الاتحاد الأوروبي: «إذا وصفتم عمليتنا العسكرية في سوريا على أنها اجتياح (غزو)، فسنفتح الأبواب للاجئين إلى أوروبا».
وتستقبل تركيا 3.6 مليون لاجئ سوري على أراضيها، منذ بدء الصراع هناك قبل 7 سنوات، وتقول أنقرة إن الاتحاد الأوروبي لم يفِ بتعهداته المالية تجاهها، بينما ينفي الاتحاد قائلًا إن تركيا استلمت الدفعة الأولى بنحو 3 مليارات دولار، وبدأت مؤخرًا في تلقي الدفعة الثانية.
تهديد أردوغان الأخير لم يلق ترحيبًا من رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الذي وصف تصريحات الرئيس التركي بأنها «ابتزاز لأوروبا وليست في مكانها»، لكن تظل ورقة اللاجئين الكارت الذهبي الساند للرئيس التركي.
التهديد الأخير ليس الأول، إذ سبقه آخر الشهر الماضي، قال فيه أردوغان إنه «سيفتح الحدود أمام اللاجئين السوريين باتجاه أوروبا، إذا لم يحصل على الدعم بشأن المنطقة الآمنة»، جاء ذلك في ظل ازدياد عدد اللاجئين المتدفقين على اليونان قادمين من تركيا.
ويبرر أردوغان عمليته العسكرية الأخيرة، برغبته في إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومترا، شمال شرق سوريا ستسمح للاجئين السوريين في تركيا «بالعودة لأرضهم وتسمح بالوفاء بكل احتياجاتهم من تعليم وصحة ومأوى. ستسمح لهم بالعيش في أرضهم والابتعاد عن حياة المخيمات ومدن الحاويات»، بينما يرى خبراء أن السبب الرئيس للهجوم التركي يأتي من خوف أنقرة من أن يحذو الأكراد في بلادها حذو الأكراد في مناطق شمال سوريا، ويعلنون رغبتهم في إقامة حكم ذاتي.
تهديد الشهر الماضي جاء في أعقاب آخر، صرح به أردوغان، لغرض آخر أراد من خلاله زيادة الأموال التي يتلقاها من الاتحاد الأوروبي مقابل دعم اللاجئين، إذ يرى أن الـ6 مليارات المتفق عليها «ليست كافية»، مؤكدًا أن تركيا أنفقت 40 مليار دولار حتى الآن على استضافة السوريين.
مع رفض أوروبا لتهديدات أردوغان المتعاقبة، دافع نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، عن تصريحات رئيسه: «حديث رجب طيب أردوغان عن فتح أبواب تركيا أمام اللاجئين نحو أوروبا ليس تهديدًا أو مخادعة وإنما حقيقة».
لغة تصعيدية اتخذتها تركيا بشأن اللاجئين على أراضيها مؤخرًا، بعد سنوات من المغازلة والحديث الدائم عن الدعم غير المشروط: «تركيا ليست حارسة لأي دولة ولا مستودع مهاجرين، وليست أيضًا بلدًا يدفع فاتورة الأزمات التي افتعلها الآخرون»، حسب «أوقطاي».
«تركيا لا يمكنها أن تتحمل وحدها تدفقًا جديدًا محتملًا من اللاجئين السوريين»، لوّح أردوغان قبل شهر من الآن بنيته في عدم تحمل المزيد من فاتورة أعباء اللاجئين، وهو ما رفضته اليونان: «لا يمكن للرئيس التركي تهديد أوروبا واليونان بشأن ملف اللاجئين للحصول على مزيد من المال (...) سبق أن دفعت أوروبا ستة مليارات يورو».
من أجل الأموال تارة، ومن أجل تبرير الحرب تارة أخرى، يتلاعب الرئيس التركي بورقة اللاجئين: «لسنا بصدد طرد اللاجئين عبر إغلاق أبوابنا، لكن كم سنكون سعداء لو نستطيع المساعدة في إحداث منطقة آمنة (في سوريا) وننجح في ذلك»، جاء تصريح أردوغان قبل أقل من شهر من حربه على سوريا.
«سنضطر إلى فتح الأبواب. إما أن تعطونا الدعم، وإن لم تعطونا، آسف، ولكن هذا ما نستطيع تحمله».. 3 مرات في شهر واحد هدد فيها أردوغان الأوروبيين بفتح الحدود أمام اللاجئين، أعقبه هجومه على سوريا، ثم تهديده الأخير، قبل أيام، بينما تقف أوروبا بين شقي الرحى في انتظار ما قد تنتج عنه عمليات تركيا شمال سوريا.