ربما تشتهر المرأة السورية بين قريناتها في سائر الدول العربية بأنها أكثر رقة ودلالاً، لكن الربيع العربي كشف أن المرأة السورية تخفي قوة وصلابة خلف ستار الرقة والدلال.
نساء سوريا من «عين ديوار»، في أقصى المثلث الحدودي، مع تركيا والعراق، مرورًا بمدينة «بانياس» الساحلية، وصولاً إلى مدينة «الشهبا» في جبل العرب، انتهاء إلى «داعل» و«إنخل» و«حراك»، في أقصى الجنوب، لعبن دورا رياديا في مسار الثورة التي اجتاحت كل المدن.
فالسوريات، كما كن في التاريخ، اخترن أصعب الخيارات في الاستمرار كتفا بكتف مع الرجل، لرفع راية الثورة، والوصول إلى الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وسط آلاف الثوار، تقف «فدوى سليمان»، الممثلة الشابة، تشدو بصوتها لتملأ سماء «الخالدية» و«بابا عمرو» بأقوى الشعارات والأناشيد الحماسية.
وتقول فدوى: «ما بمل من المايك يلي بيدي، والوقفة ساعات قدام هادا الشعب العظيم الجبار، كل شعار بطلقه بصوتي ويرددوا هالشباب، بستمتع أكتر وقت ترددات صوتون عم تهز الحيطان والشوارع وتهز كيان النظام القمعي».
وتضيف «هلأ (الآن) صار الواحد يعرف قيمة المطالبة بالحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة، وقديش (كم أن) الواحد بيعيش مرتاح بعد سقوط هادا النظام الاستبدادي».
ربة البيت حين تشجع زوجها أو طفلها أو أخاها على النزول لساحات التظاهرات، رغم علمها بأنه قد لا يعود ثانية، تثبت أنها بالفعل إحدى ركائز الثورة.
وتقول «أم لؤي»: «قالولي أنت مرة (امرأة) محجبة، عيب تنزلي ع الشارع، عاداتنا وتقاليدنا ما بتسمح لنا وما حلوة (غير مناسبة) مشان أهلك كمان، قلتلون شو أنا أحسن من جوزي يلي ما بعرف إذا عايش ولا لأ، متل ما كان هو بدو حرية أنا بدياها».
وتمضي زوجة أبو لؤي الغائب قائلة: «حتى لا تفهموني غلط، وتوصلو رأيي بالمعكوس، أنا طالعة ع المظاهرات، حتى إذا طلع جوزي بعد ربع ساعة من حكيي (حديثي) معكم، نحن أخدنا قرارنا وما عاد في رجعة، مو بس أنا، كل نسوان الحي، وإذا مانكون مصدقين، تعالوا وشفوا الجمعة نسوان المعضمية كيف بتشارك بالمظاهرات وتهتف مع الرجال بإسقاط النظام».
مثلها «أم حسام» في حماسها، لكنها في الخامسة والستين من عمرها. يلقبها أهالي حي «برزة» بدمشق بـ«أم الثوار». تقول: «رغم كل هاد القتل والقمع والتعذيب وآلاف الشباب بالمعتقلات، ما عشت لحظة سعيدة بعمري بقدر ما عم بعيشه هلأ. ومع احترامي لكل الثورات يلي قريتا أو سمعت عنها، ما شفت أعظم من هيك ثورة».
وتتابع «أم الثوار» حديثها قائلة: «أتذكر أيام النكسة وسنوات الانقلابات وحرب تشرين (أكتوبر)، بس متل حماس هالشباب ما مر معي، أنا وقت بشاركون بالمظاهرات بستمتع بالشعارات والهتافات يلي عم يرددوها. عمري 65 سنة ما قدرت في يوم من الأيام قول بدي حرية وديمقراطية».
أما «شيرين»، الطالبة الجامعية فتقول: «يلي بقلل من قدرنا كتير عم يسيء إلنا. نحن شاركنا بجميع المظاهرات يلي عم تقوم بكل القرى والمدن السورية بطريقتنا المميزة، بهتافاتنا وزغاريدنا، وفي بعض الحالات كنا نكتب الشعارات من وحي ما بداخلنا. بس في شي لازم يعرفوا الكل المرة (المرأة) يلي بتطلع وتخرج للشوارع بظل القمع والقتل والبطش يلي عم يقوم به النظام السوري على يد عصاباته وفرق الموت وكتائبه الأمنية والشبيحة، هي المرة التي تضرب بها المثل وتقول عنها وراء كل رجل عظيم أمرأة عظيمة. يعني نحن أثبتنا سواء المتعلمات منا أو حتى نسائنا الأميات أن كل واحدة منا أخت رجال إجباري عن أنف النظام، متل ما ساوينا مشافي ميدانية لمعالجة الجرحى».
وتؤكد شيرين أنهم مثل باقي فئات الشعب السوري، الصغار منهم والكبار، الذين دفعوا بأرواحهم ودمائهم فداء للوطن، قدموا ضحايا نساء على مذبح الحرية: «الأمن والشبيحة قوصونا بالرصاص متل ما قوصوا الرجال، وكتير منا وقعوا قتيلات وجريحات، من السيدة الثائرة في بانياس يلي قتلوها بدم بارد وبطريقة وحشية وقت طالعت التلفزيونات طقم أسنانا يلي طار من تمها، للمرة يلي قتلوها الشبيحة بركن الدين، ووحدة هي وأولادها بحمص ما عدا الجريحات والمعتقلات يلي بعضون مازال في السجون متل طل الملوحي».
لكن «سهير» كان لها رأي غريبا عن كل ما قيل، تقول «أولا مشان ما يروح فكرك لبعيد، أنا صبية ومشاركة في معظم المظاهرات، وأخدت حقي من الضرب والإهانات والشتائم ما يكفي لتخريب منظومة أخلاقية كاملة. لكني أقولها ودون خجل وأقسم بالله العظيم حتى الحب بزمن الثورة صار إلو طعم آخر. تماما طعم تحس فيه إنك بالفعل إنسان، فيك تحب من قلبك من دون وجود هادا النظام، إذا مانك مصدقني ياخي روح جرب والله غير شكل».