أمر المستشار هشام رفعت، رئيس نيابة بولاق الدكرور جنوب الجيزة، بالتصريح بدفن 9 جثامين من ضحايا انقلاب سيارة ميكروباص من أعلى محور صفط اللبن، أمس، كما أمر بالاستعلام عن حالة المصابين الـ5، تمهيدًا لسماع إفادتهم.
وأفادت النيابة بأنه تم دفن الجثامين دون تشريح لها، لعدم وجود شبهة جنائية، مؤكدة أن الواقعة تُعد قتلًا خطأ، تسبب بها سائق الميكروباص، وهو أحد الضحايا، ويُدعى حلمي محمود عواد، 63 سنة، من سكان منطقة بين السرايات.
وقرّرت النيابة انتداب مفتش صحة لتوقيع الكشف الطبى على الضحايا، لبيان ما بهم من إصابات، وتبين تنوعها ما بين جروح وكدمات وشروخ بالجمجمة، كما قررت التحفظ على السيارة الميكروباص، لفحصها ومعاينة الموتور والفرامل والشاسيه الخاص بالسيارة.
بسؤال عدد من أهالي الضحايا، قالوا للنيابة، إن الحادثة تعد «قضاءً وقدرًا»، ولا يتهمون أحدًا بالتسبب بالحادث، خصوصًا أن السائق من بين الضحايا، لتقرر النيابة طلب تحريات أجهزة الأمن لكشف ملابسات الحادث.
وفي ذات السياق، شيعت أمس جثامين الضحايا، من مستشفى بولاق الدكرور العام، فكان «أحمد»، شقيق فهد عبدالباسط، أحد الضحايا، في حالة يرثى لها، يقول في ألم: «أخويا عنده (31 سنة).. وكان راجع من شغله بالصرف الصحى بجوار مديرية أمن الجيزة.. وراكب الميكروباص المنكوب، ومات وترك لنا من رائحته ولدين أكبرهما – 5 سنوات».
بحزن، روى «محمد»، شقيق مجيد أمين، ضحية الحادث، أن أخاه يعمل مدير إدارة المكتبة الصوتية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، وعمره (49 سنة)، ولديه من الأولاد 4، أكبرهم في «سنة أولى جامعة»، واستقل سيارة الميكروباص في طريقه للمنزل الكائن بمنطقة صفط اللبن، لكنه لقي مصرعه: «كان المفروض ينزل بعد 200 متر من العربية، لكنّها انقلبت من أعلى الكوبرى».
«أنا في مأساة حقيقة.. فقدت أغلى ما عندى».. قالها يحيى، الرجل الستينى، والد الدكتور أحمد، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة القاهرة، (29 سنة)، فالأخير ضحية الحادث، هو الابن الوحيد: «الوحيد اللى كان بيفتح عليّ باب شقتى ويسأل عنى».
تزوج الأستاذ الجامعى قبل نحو 3 سنوات، وأنجب طفلة تُدعى «تقوى»، تبلغ من العمر سنة ونصف السنة، فكما يقول والد الضحية: «اللى هيصبرنى على الدنيا حفيدتى»، ليشير إلى أن نجله استقل سيارة الميكروباص وكان في طريقه لمنزله بمنطقة كرداسة، ولقي مصرعه: «ابنى كان شابًا في مقتبل العمر.. وملحقش يشترى عربية».
بأسى قال «محمد»، شقيق رضا فائق، العامل بشركة مياه الشرب، وأحد الضحايا: «أخويا عنده (45 سنة)، وكان متزوجًا وانفصل من غير ما ينجب، سائقي الميكروباص بيعملوا كوارث وبتروح أرواح الناس، وبيوت بتخرب».
وبموقع الحادث، كان رجال وشباب وسيدات يهرولون في فزع، يسألون: «فين ضحايا الحادثة؟»، وآخرون يقفون في حلقات يسردون تفاصيل الحادثة، وسيارات شرطة وقوات أمن لا تبارح مكانها، يستجوبون شهود العيان، ويبحثون عن كاميرات مراقبة تفيد في حركة سيارات التحقيقات.
كان مجدى شحاتة البربرى يجلس بحجرة الصالون داخل شقته، وفوجئ بارتطام شديد بالشرفة، كاد الرعب يقضى على أفراد أسرته، عندما شاهدوا سيارة ميكروباص تسقط من أعلى المحور وتصطدم بالشرفة المواجهة للمحور: «افتكرنا العربية هتدخل جوا.. كل واحد فينا جري في حتة.. أول مرة نشوف المشهد دا».
لكنّ ما حدث أن الميكروياص اصطدم بالشرفة، فحطم واجهتها ومنشر الغسيل، وسقط الميكروباص أمام محيط العقار، ليتحول إلى قطع خردة، ويفزع الجميع من هول المشهد غير المألوف. حسب البربري.
وقفت «علا»، إحدى العاملات بمعمل تحاليل، بالشرفة المطلة على طريق المحور، حيث سقطت السيارة، تنتظر قدوم نجلها «عمر»، بالصف الرابع الابتدائى، من درس خصوصى، وفوجئت بسقوط السيارة من أعلى المحور، دخلت للشقة من فورها، لم تستطع المكوث بالشرفة لثوانٍ، فقالت إنها أغمى عليها لتوها فور دخولها الشقة.
تذكر أن لوثة إصابتها فور تخيلها أن نجلها في الطريق إليها، لكنّ الأهالى طمأنوها بقولهم: «محدش مر من مكان الحادث.. ربنا سترها».
رأى أحمد على، وهو يقف أمام محل الجزارة الذي يعمل به، رجلًا كبيرًا لم يستطع تحديد عمره، ويرجح أن يكون السائق، يلقى بنفسه من أعلى المحور، ولحق به شاب في العقد الثالث من العمر، ثم أجزاء من السور الحديدى للمحور.
ابتعد الشاب «أحمد» عن محيط المحل، بسرعة، وهو يصيح في الناس: «ابعدوا.. ابعدوا»، ثم سقطت سيارة الميكروباص، فجأة على الأرض.
لم يخلف الحادث حرائق أو تلفيات سوى بشرفة «البربري»، كما لم يُصَب أحد من المارة جراء سقوط السيارة، فالعناية الإلهية أنقذت نحو 3 أشخاص كادت السيارة تسقط عليهم، ولولا انتباه الناس ومناداة هؤلاء الأشخاص، للحقوا بضحايا الحادث، وفقًا لـ«أحمد».
اتجه الناس إلى سيارة الميكروباص، حطموا أبوابها، وساعدتهم قوات الحماية المدنية في قطع أجزاء من السيارة بـ«شنيور»، لانتشال الجثامين، ومحاولة إنقاذ أي من مستقلي السيارة، واتصلوا بالشرطة التي حضرت على الفور.
كان الأهالى يسردون في غضب ما سموه بـ«كوارث محور صفط»، قال عدد منهم: «المحور دا مبنى بطريقة غلط، لازق في البيوت، والحواري فيه ضيقة للغاية، وهذا لم يكن الحادث الأول»، واتجه آخرون إلى أن سبب الحادث، رعونة سائق الميكروباص: «تلاقيه كان سرحان».
غطى الأهالى الجثامين بعد انتشالها جميعًا بملاءات سرير، حتى حضرت الإسعاف وحملت الجثامين لمستشفى بولاق الدكرور العام، كما شكا شهود عيان من سلوك عدد من المُسعفين: «كانوا مهتمين ببيانات الضحايا، وانتظروا كثيرًا حتى يعثروا على بطاقات هويتهم، ومن ثم حملهم للمستشفى».
توقفت الحركة بشارع المدرسة لنحو ساعتين، لحين حضور سيارات الحماية المدنية لرفع آثار الحادث، عقب إجراء المعاينات اللازمة من قبل النيابة العامة، ورفع آثار الدماء التي كست موقع الحادث.
وفيما تستجوب أجهزة الأمن شهود العيان، وتتحفظ على كاميرات المراقبة بالمكان، حضر عدد كبير من أهالى الضحايا والمصابين.. كانوا يرتعدون من هول ما سمعوا عنه بشأن الحادث.
توجهوا لمستشفى بولاق الدكرور، وقفوا أمام ثلاجة حفظ الموتى، في انتظار خروج الجثامين عقب مناظرة النيابة لها والتصريح بالدفن.
كانت النساء بساحة المستشفى يصرخن ويرددن أسماء أبنائهن، وأشقائهن.
وقالت الدكتورة جيهان شحاتة، مديرة المستشفى، لـ«المصرى اليوم»: «إن المستشفى تلقى إخطارًا بانقلاب سيارة ميكروباص على محور صفط اللبن، ووصل للمستشفى 5 مُصابين، و9 جثث هامدة، من بينها سائق السيارة، وضمن الجثث الـ9 جثة مجهولة».
وذكر الدكتور رضا محمد حسن، مدير إدارة الطوارئ بمديرية الصحة بالجيزة، أن المصابين الـ4 حالاتهم مستقرة، فيما عدا وليد عبدالرحمن توفيق- 35 سنة، وهو يتلقى العلاج اللازم بالمستشفى، مشيرًا إلى أن الإصابات تنوعت ما بين «جروح وخدوش وكدمات بالوجه، والرأس، والنزيف الداخلي بالمخ، وشروخ بالجمجمة».
وأشار إلى أن سائق الميكروباص يُدعى حلمى محمود عواد، 63 سنة، ويقطن منطقة بين السرايات، وأن الضحايا من مناطق صفط اللبن، وكرداسة، والمعتمدية.