على مدار أربعة أيام، شاركت «المصرى اليوم» فى فعاليات مؤتمر الرابطة النووية العالمية WNA وكذلك فى ورشة عمل نظمها معهد مراقبة الطاقة النووية الجديدة، وذلك فى العاصمة الإنجليزية لندن الأسبوع الماضى، ويكتسب المؤتمر أهمية خاصة هذا العام مع الاستعدادات الأخيرة فى مصر لدخول عصر الطاقة النووية مع اقتراب إنشاء مفاعل الضبعة الذى يدشن مرحلة جديدة من تنويع مصادر الطاقة المصرية، وتأتى أهميته للتعرف عن قرب على هذه الصناعة عالميًا وأحدث الأرقام المرتبطة بها وكيفية تأثيرها على الاقتصاد المحلى وفرص الأعمال وغيرها من القضايا المرتبطة بها. شارك فى المؤتمر معظم اللاعبين الكبار فى سوق الطاقة النووية من مختلف دول العالم وعلى رأسها شركة «روساتوم» الروسية التى تعمل حاليا على اللمسات الأخيرة لمشروع المفاعلات النووية المصرية فى الضبعة، وكان لافتًا للنظر الحضور الكبير للشركات الصينية التى تعتبر حاليًا أكثر الدول توسعًا فى استخدام تلك الطاقة، ولا ينافسها فى التوسع إلا الهند، وبشكل عام شارك فى المؤتمر ٥٦٠ شخصاً من ٤٠ دولة مختلفة.
وعلى الرغم من تعدد القضايا التى تناولها المؤتمر وتشعبها، إلا أن المحور الذى فرض نفسه بقوة فى معظم الجلسات هو علاقة الطاقة النووية بتغير المناخ، وكيف يمكن اعتبار الطاقة النووية هى أنظف أنواع الطاقة التى يمكنها أن تقلل بشكل واضح من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون وتقليل الاحتباس الحرارى والوصول إلى المعدلات التى يسعى العالم لتحقيقها.
ومن المعروف أن اتفاقية باريس للمناخ تستهدف أن توقف الزيادة فى درجة الحرارة المتوسطة للكرة الأرضية أقل من درجتين، وذلك من خلال تخفيض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وتبلغ كثافة الانبعاثات الحالية 570 جيجا طن والهدف المطلوب تحقيقه هو 50 جيجا طن، ويساهم إنتاج الكهرباء بنسبة 40% من إجمالى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون ويجب أن تنخفض هذه الانبعاثات بمقدار 73% عالميا لتقليل الاحتباس الحرارى وتغير المناخ، وهو الأمر الذى يصعب تماما تحقيقه فى ظل استخدام وسائل إنتاج الكهرباء التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفورى (الغاز والفحم).
وضمن فعاليات المؤتمر، تم الكشف عن تقرير الوقود النووى العالمى للعام 2019، الذى أطلقته رابطة الطاقة النووية الدولية، والذى كشفت نتائجه عن ارتفاع فى قدرات توليد الطاقة النووية عالميا للمرة الأولى منذ ثمانى سنوات، وجاء هذا الارتفاع بعد قيام العديد من الدول بتطبيق سياسات لتفضيل تلك الطاقة على الأنواع الأخرى، وبالتالى الدخول فى مشروعات جديدة لإنتاج الطاقة النووية، ومن بين هذه الدول مصر والإمارات.
فى فرنسا على سبيل المثال، تم تعديل سياسات الطاقة، الأمر الذى أدى لتأجيل خطط تخفيض نسبة الطاقة النووية من إجمالى الطاقة فى فرنسا، بالإضافة إلى السماح بتمديد تشغيل المفاعلات الحالية لأكثر من أربعين عاما. وفى الولايات المتحدة بدأت الهيئات التشريعية فى اعتماد تدابير تدعم استمرار تشغيل المفاعلات مع الاعتراف بالدور المهم الذى تلعبه الطاقة النووية فى توفير الكهرباء الخالية من انبعاثات الكربون، كما بدأت تمديد تراخيص المفاعلات الحالية، الأمر الذى يسمح لها بالعمل لمدة 80 عاما.
فى الوقت نفسه، تمتلك الصين والهند برنامجا نوويا واسع النطاق، بالإضافة إلى إيجابية المستقبل لتوسع الطاقة النووية عالميا مع إطلاق العديد من المشروعات الجديدة فى عدد من البلدان على رأسها مصر، وتركيا، وبنجلاديش، بينما أبدت دول أخرى اهتماما واضحا بمثل هذه المشروعات مثل أوزباكستان وكازاخستان وبولندا، مما يدل على اهتمام عالمى واضح بتطوير البرامج النووية.
وتظهر أرقام تقرير الوقود النووى العالمى لعام 2019، أن قدرات الطاقة النووية العالمية تنمو خلال الفترة الحالية وحتى عام 2040 بمعدلات أسرع من أى وقت مضى منذ عام 1990، وتأتى هذه الزيادة بشكل رئيسى بسبب البرامج الواسعة لبناء المفاعلات فى الصين والهند ودول أخرى فى آسيا. ويرصد السيناريو المرجعى فى التقرير التوقعات بزيادة سعة الإنتاج النووى إلى 596 جيجا وات بحلول عام 2040، ولكن السيناريو الأكثر تفاؤلا يتوقع أن تتضاعف القدرة النووية إلى 776 جيجا وات.
وتعليقًا على نتائج تقرير الوقود النووى، قالت أجنيتا رايزنج، المدير العام للرابطة النووية العالمية: «إن تحقيق الهدف المثالى المتمثل فى توفير 25% من الكهرباء فى العالم عبر الطاقة النووية قبل عام 2050 سيتطلب تعزيزا سريعا فى بناء المفاعلات الجديدة، الأمر الذى يتجاوز التوقعات فى السيناريو المتفائل، وهذا بدوره سيعزز الحاجة إلى كميات أكبر من اليورانيوم والتخصيب وتصنيع الوقود وخدمات النقل، ويجب أن يكون المشاركون فى دورة الوقود النووى على استعداد لتلبية الزيادة الكبيرة المتوقعة فى الطلب لتحقيق هذا الهدف».
وتضع صناعة الطاقة النووية الدولية هدفًا أمامها وهو الوصول إلى نسبة 25% من إجمالى توليد الطاقة الكهربائية فى العالم قبل عام 2050، لدعم الجهود الدولية لجعل زيادة حرارة الكرة الأرضية أقل من درجتين مئوية.
ويرصد التقرير زيادة العرض فى سوق اليورانيوم الدولية، الأمر الذى أدى إلى انخفاض كبير فى مستويات الإنتاج فى المناجم الحالية، وانخفاض حاد فى الاستثمار فى تطوير المناجم الجديدة والحالية، وتوضح سيناريوهات التقرير ضرورة مضاعفة سعة جميع مشروعات التعدين المعروفة بنهاية فترة التوقعات، والحاجة إلى إنشاء وحدات أولية جديدة. ويكشف التقرير أيضا أن هناك الكثير من موارد اليورانيوم الكافية لتلبية الاحتياجات المستقبلية، ومع ذلك فإن العرض المفرط وبالتالى انخفاض أسعار اليورانيوم يمنع الاستثمار اللازم لتحويل هذه الموارد إلى إنتاج.
وفى المنظور بعيد المدى الذى يصل إلى عام 2040، يمكن أن يؤدى تطوير مفاعلات الجيل الرابع إلى الانتشار الشامل لأنواع جديدة من المفاعلات، الأمر الذى من شأنه أن يؤدى إلى تغييرات جذرية فى مشهد الوقود النووى، ومن الواضح أن مفاعلات الجيل الرابع توفر إمكانية استفادة أكثر كفاءة لمجموعات متنوعة من مصادر الإمداد الثانوية.
وناقش المؤتمر أيضا الآثار المترتبة على إلغاء الطاقة النووية فى الدول ذات الاقتصادات المتقدمة بموجب السياسات الحالية والمقترحة، حيث رصد الخبراء أن أهم الآثار ارتفاع فواتير الكهرباء بنسبة تصل إلى 15% بحلول عام 2030، و30% بحلول عام 2040 فى البلدان التى تعتمد بشكل كبير على الطاقة النووية، وأيضا زيادة انبعاثات ثانى أكسيد الكربون خلال العقدين المقبلين، حيث يتوقع أن تزيد هذه الانبعاثات بمقدار 4 بلايين طن من ثانى أكسيد الكربون الناتج من إنتاج الكهرباء بعيدا عن الطاقة النووية، بالإضافة إلى ذلك صعوبة تحقيق مستقبل مستدام للطاقة، حيث يصبح تأمين الكهرباء أكثر صعوبة لأن إمدادات الكهرباء ستكون أقل تنوعا ومرونة، مع زيادة الحاجة إلى استثمارات أعلى بكثير فى هذا القطاع.
وتكشف أحدث الإحصاءات العالمية أن الطاقة النووية تنتج حاليا 10% من إجمالى الطاقة الكهربائية فى العالم، كما أنها تحتل المركز الثانى بين مصادر الطاقة «النظيفة» فى إنتاج الكهرباء. ومن ناحية التكلفة الاستثمارية تكشف الأرقام أن تكلفة إنتاج الميجا وات/ساعة من محطات الطاقة النووية الجديدة لا تزيد كثيرا عند المقارنة مع طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، كما أنها تقل كثيرا فى حالة تجديد المفاعلات القديمة للعمل متجاوزة عمرها الافتراضى.
المزيد