بين السماء والأرض.. «المصاعد» تاريخ وحوادث وسينما

هل تعرّف مراحل تطوّر صناعات المصاعد؟.. إليك التفاصيل
كتب: مادونا عماد الثلاثاء 10-09-2019 18:57

هل تتخيل نفسك تصعد على السلّم متجهًا للدور الـ١٥؟ ربما تداهمك الآن مشاعر تتباين بين الهلع والاضطراب، عند تصوّرك للمشهد، حاول الهدوء والسيطرة على ضربات قلبك، فلن تتعرّض لذلك البلاء إلا عند انقطاع الكهرباء عن بنايتك، وتوقف الاختراع البديل للسلم عن أداء مهمته.

ذلك الاختراع الذي انتقل من وسيلة تمثل الـ«كماليات»، التي تلحق بالبنايات السكنية، إلى ضلع أساسي بالمجتمعات وحياة السكّان اليومية، وهو المصعد أو الأسانسير، حتى إنه نجح في تبديل مسار العمارة من بناء منشأة لا تتجاوز الـ5-6 طوابق، إلى الاتجاه نحو بناء ناطحات السحاب.

ووصل التحوّل إلى حد التنافس بين المهندسين المعماريين، على تأسيس البناية الأطول على الإطلاق، وباتت الدُول تتنفس الصعداء بسيطرتها على رأس قائمة «أطول المنشآت في العالم»، من هنا أثبت الأسانسير قدراته ومواهبه بعالم التطوّر التكنولوجي.

«الرافعات»- كما أطلق على الأسانسير قديمًا- فكرة انطلقت منذ القرون الأولى التاريخية، ويميل الإنسان الأول إلى النقل الرأسي، بداية من ظهور حفر البئر وحمل الماء نحو الأعلى، في القرن الثالث قبل الميلاد، التصقت معرفة الإنسان بهذه الوسيلة، اعتمادًا على الطاقة البشرية والحيوانية والمائية، في الرفع والهبوط بالرفعات.

وفي 1743، بني لأول مرة المصعد بصورته الحديثة، بغاية نقل الإنسان، لصالح الملك لويس الخامسة عشرة، وحينها دُعي «الكرسي الطائر»، كان مُثبتًا خارج قصر فرساي بفرنسا، واستعمله الملك للوصول إلى الطوابق العليا من خلال الشرفة.

تظل وتيرة الاختراع متذبذة بين منازل الأثرياء أو التواري عن الأنظار، ثم يحل عام 1857، ويظهر بأحد المتاجر الواقعة بالولاية الأمريكية نيويورك، لأول مرة كان الاختراع يتحرك إلى أعلى وأسفل حاملًا الركّاب عن طريق مُحرّك بخاري، مُثبّت بالطابق الأرضي داخل البناية.

تستغرق الرحلة نحو 40 قدمًا في الدقيقة، وهو ما لا يقارن بالرافعات هذه الأيام، فأسرع المصاعد تصل إلى 40 قدمًا في الثانية.

في النهاية، لم يأتي ذلك الاختراع بنتيجة إيجابية وفشل في أسر قلوب الركّاب، بسبب بطء الدفع والتحرّك، وكان مصيره الإغلاق.

في ذلك التوقيت، سيطرت البنايات القصيرة بطوابقها المحدودة، على أشكال العمارة، فهي المُفضلة لدى الجميع حينها، لذا باتت فكرة المصاعد ترفيهية، فلا يحتاجها قاطنو منازل 2-5 أدوار، ووصمت بكونها وسيلة لتدليل السّكان وجذب السائحين، بفعل طرافتها وغرابتها.

تصميم الأسانسير في مراحله الأولى، شكل خطورة على حياة الأفراد، حسب وصف أستاذ التاريخ المعماري في جامعة كاليفورنيا، شارلوت جراي، فلا أبواب تضمن حماية أرواح المستقلين للوسيلة، إلى أن جاء إلايشا أوتِس، المخترع الأمريكي، ليمنح الأمريكيين الاطمئنان على أرواحهم.

إذ أطلق اختراعًا يضمن الحفاظ على الأرواح، وفي حالة حدوث خلل بالأسانسير يقوده نحو السقوط لا محال، هنا يحل دور جهاز الأمان لـ«أوتِس»، حتى يحتضن الصندوق المعدني الحاوي للركّاب والمنتقلين، متشبثًا بجسم الأسانسير من الجانبين، مانعًا إياه من السقوط.

وأعدّ الأمريكي تجربة عملية لإثبات أداء جهاز السلامة، بقطع الحبل الممُسك بالأسانسير، وبالفعل عمل النظام الذكي- والذي لايزال باقيًا إلى الآن مع تطور تصميمه- على الإمساك بإحكام بالعربة الحاملة للركّاب، وصعد الاختراع للنور حاصلُا على براءة الاختراع عام 1861.

وتميز اختراع «أوتِس» بكونه الأول من نوعه، الذي استطاع القضاء على مشاعر الخوف، لازمت ركّاب الأسانسير آنذاك، بفعل أذرع الأمان، ما وطد علاقة الأفراد بالرافعات. تعثر «أوتِس» في بيع المصعد بنظامه الجديد، في بداية الأمر، إذ إن ارتفاع سعره صعّب انتشاره، لذا أصبح الاختراع عملة يتفرّد بها الفنادق اللامعة بالولايات المتحدة الأمريكية ولندن وباريس.

ورغم تعدد المخترعين للأسانسير، بين المهندس الفرنسي ليون إيدوكس والألماني فيرنر فون سيمنز، مُخترع أول مصعد كهربائي 1880، والأفريقي الأمريكي ألكساندر مايلز، باختراع الأسانسير الكهربائي، بنظام مُتقدّم للأبواب، إلا أن «أوتِس» استطاع إضافة البريق لاسمة حتى يومنا الحالي، وارتباطه بالاختراع، بفكرة نظام السلامة وشركته للمصاعد.

ويصف «جراي» الشكل الداخلي لمصاعد «أوتِس» بالفنادق: «غرفًا فاخرة وتشملها مقاعد مُنجدة ومرايا على الجدران، وأحيانًا تتزين بثريات تتدلى من منتصف المصعد، جميعها كان يحركها لأعلى وأسفل المحركات البخارية»، لذلك كانت سرعتها مُتأخرة.

ومع الوقت، انتقلت المحركات البخارية إلى الهيدروليكية، ويتم استعمالها لليوم بأماكن لا يتوّفر بها غرف المحركات وعدد مرتادي المصعد قليلون، ومنحت الأنظمة الجديدة للمحركات سرعة بالمصاعد وسهلت رحلة صيانتها.

ومن الفنادق إلى المؤسسات الشاغلة بالموظفين، فدخلت المصاعد على مبنى يحوي مكاتب للعمل، يتألف من ثمانية طوابق، يبلغ طوله حوالي 130 قدمًا، وسط مدينة مانهاتن الأمريكية، عام 1870، وهو أول مصعد هيدروليكي تصممه مؤسسة المخترع «أوتِس»، وكانت واحدة من أكبر مؤسسات المصاعد والسلالم المتحركة، ولا تزال قائمة.

ولأول مرة تضم منشأة أكثر من مصعد، كأول ناطحة سحاب في شيكاجو عام 1885، هو مبنى للتأمين على المنازل، يتكون من 10 طوابق ويشمل 4 مصاعد، من أجل خدمة العملاء والزائرين للبناية الضخمة، وفي 1889، تم افتتاح برج إيفل وتركيب مصعد هائل الحجم، بأيادي أبناء «أوتِس».

وبالخروج من القرن الـ19، والاتجاه للقرن التالي، اهتمت بعض الدُول ببناء ناطحات السحاب بكثافة، وكان السبب وراء تلك الرغبة، توّفر الأسانسير، وسرعان ما تأسست أطول ناطحة سحاب في 1986 بنيويورك، بطول «705 قدمًا»، على يد المهندسة المعمارية إيمري روث، والتي استطاعت تحطّيم الأرقام القياسية، للمرة الأولى بعدد المصاعد داخلها بنايتها العملاقة، إذ ضم المبني غير المسبوق حينها، 73 مصعدًا.

وتمر الأيام، ويرتفع معدلات الشعور بالراحة تجاه المصاعد، خلال تلك الفترات تتراكم الطلبات على الأسانسير، وما يجعل الاهتمام بتطوير صناعته يستحق مزيدا من الانتباه، وسرعان ما يحصل أسانسير برج شنجهاي، ثان أطول ناطحة سحاب زمن تأسيسه، على لقب «أسرع مصعد»، حيث يتحرك بسرعة 46 ميلًا في الساعة.

أما التصميم الداخلي للمصاعد، فتبدلّت حالته من البخار نحو ارتباطه بالكهرباء، وتتوالى رغبات المبتكرين في التطوير، ونجح هؤلاء في التخلص من الأحبال في المصاعد، وإحلالها بالمغناطيس، ومنذ أعوام، لمع نظام باسم «Multi»، تشبه المنظومة المغناطيسية التي تحرك القطارات، وأشارت الشركة وراء الفكرة، التي تقلل من استهلاك الطاقة والمساحات، إلى أن المصاعد دون أحبال تنهي تاريخ 160 عامًا من المصاعد ذات الأربطة، ويحاولن تعميم مصاعد دون أزرار كاتجاه أكثر حداثة.

وتستمر التحديثات والانتشار للأسانسير، على الجانب الثاني، أشار موقع «CNN» بنسخته الإنجليزية، إلى أنه رغم أهمية العربات الناقلة للأفراد صعودًا وهبوطًا، إلا أن هناك مخاطر تحاصر الأفراد، نتيجة اضطراب بعض الأنظمة الداخلية للمصاعد، ينتج عنها سقوط مفاجئ للعربة أو انحصار الأشخاص داخلها.

ويذكر مكتب الولايات المتحدة لإحصائيات العمل ولجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية، أن المصاعد تؤدي إلى إصابة 17 ألف شخص ومقتل 27 شخصًا سنويًا بالولايات المتحدة الأمريكية، وأبرزها كارثة وقعت في 1999، إذ انغلقت أبواب المصعد على أحد الأشخاص، وهو نيكولاس وايت، الموظف بإحدى ناطحات السحاب في مدينة نيويورك الأمريكية، وبعد الانتهاء من عمله استقل المصعد، وفجأة تنقطع الكهرباء، ويظل دون فكاك حبيسًا بين جدرانه المعدنية.

دامت فترة الحبس إلى 41 ساعة، وما أنقذه هو تماسكه وقوة شخصية، التي قادته إلى تحمل الموقف دون الهلع من ضيق المكان وطول مدة الانعزال المُباغت، وكل ما كان يقلق تجاهه ازدياد حاجته إلى تناول الماء أو الإصابة بالجفاف. وسجلت كاميرا الأسانسير الموقف بحذافيره.

وفي 2018، داخل رابع أطول بناية حاليًا، في ولاية شيكاجو الأمريكية، المعروفة سابقًا باسم «مركز جون هانكوك»، نجا 8 أشخاص من الموت، بعد سقوط كابينة مصعد حوالي 84 طابقًا، نتيجة انقطاع حبل رافعة المصعد، واتجه الركّاب من الـ95 للطابق الـ11.

استمرت عمليات الإنقاذ لـ3 ساعات، وتتوالى من قبلها وحتى يومنا، تلك الإشكاليات والحوادث، التي تصيب بها التكنولوجيا الإنسان، ويرصد الموقع أن نسبة حوادث المصاعد، لا تتجاوز المرة كل 17 عامًا أي ربما يحدث للبعض مرة واحدة بالعُمر.

وفي مصر، صوّرت الأفلام السينمائية والروايات، رؤية أكثر وضوحًا للمآسي الناجمة عن تعطل الأسانسير وتناولها بأبعاد إنسانية وحياتية، مثل الفيلم المصري «بين السماء والأرض»، قصة الكاتب نجيب محفوظ وحوار السيد بدير وإخراج صلاح أبوسيف، والذي أُنتج عام 1959.

وتدور أحداث الفيلم حول تعطل مصعد كهربائي بإحدى بنايات وسط القاهرة، وتأثير شعورهم باقتراب الموت تدريجيًا على أهدافهم وأفكارهم، فيزهر الأمل بقلوبهم وحب الحياة، ضم الفيلم عددا من فناني الزمن الجميل، بين هند رستم ومحمود المليجي وعبدالسلام النابلسي وعبدالمنعم إبراهيم، وبالفعل كان الفيلم يجسد الحقائق، فتلك المشاهد تعكس معاناة ضحايا «الأسانسير».

وبالعودة إلى العام الماضي، 2018، تجد محافظات مصر تشهد بعض الحوادث المأساوية، التي يرجع سببها إلى المصاعد، راح ضحيتها طفل بالـ11 من عُمره، في بورسعيد، بسبب سقوط الأسانسير الذي كان يستقله، ويُعاد السيناريو بصورة مماثلة بالدقهلية مع طفل بصحبة والدته، بفعل عدم توّفر باب الأسانسير بأحد الطوابق.

وفي بولاق الدكرور، بنفس العام، سقط موظّف أرضًا أثناء الخروج من المصعد أودى بحياته، ويرجع بعض حالات الوفيات، بفعل الوسيلة المُيسرة لرحلات الصعود والهبوط، إلى إهمال الصيانة الدورية.

ورغم حالات الموت، سادت أم تضاءلت، فإن للمصاعد فائدة للإنسان يصعب تجاهلها، فمساعدتها لكبار السن والمرضى يجعلها ضرورة حتمية، بالمؤسسات الكبرى والمستشفيات، تزيد يومًا بعد الثاني، من أهمية الاختراع ومخترعيها الأوائل.