العدد الأخير من مجلة «لاكسبريس الفرنسية» (النسخة الدولية) فى عام 2011 اتخذ العرب موضوعاً له، وذلك استمراراً لاهتمام الدوريات الفرنسية بعد الملف الذى قدمته «لونوفيل أوبزرفاتور» بعنوان «المجرة الإسلامية». 75 صفحة دارت هذه المرة حول كل ما يتعلق بالعالم العربى من وجهة نظر محررى المجلة، 3 محاور رئيسية انشغلت بالإجابة عن أسئلة تتعلق بالماضى أو الأصول، ثم ما سمته المجلة الذروة أو صعود نفوذ العرب، ثم المحور الثالث ويدور عن الوضع العربى الراهن، وكان بعنوان لحظات السعادة ولحظات التعاسة.
ونتوقف هنا عند التقرير المطول الذى خصصته المجلة للحديث عن القاهرة بعنوان «ألف ضجة وضجة»، ينطلق التقرير من الحديث عن الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى نجح، حسب المحررة كورين لحايك، فى توحيد الأمة العربية بألحانه أكثر مما فعل جمال عبد الناصر من طنجة إلى دمشق وجعل اللغة المصرية مفهومة فى الدار البيضاء أو تونس. مناسبة الحديث عن عبدالوهاب سببها تصريح أوردته المحررة على لسان ابنته عفت عبدالوهاب تحكى فيه كيف أن والدها أدخلها مدرسة للراهبات تعلمت فيها الفرنسية، رغم أنهم عائلة مسلمة! ثم يستعرض التقرير كل الجوانب الفلكلورية التى طالما يركز عليها التصور الاستشراقى المندهش والتى تجذب دائما الكتاب الغربيين: 18 مليوناً بالنهار و12 مليوناً بالليل، ضوضاء فى كل مكان، سيارات فى كل مكان، أبواق، أصوات المؤذن، الباعة المتجولون، الفلاحات اللاتى يجهزن الخضراوات للسيدات العاملات، الواجهات الغارقة فى أضواء النيون تعرض ملابس النوم الحمراء (ثمة صورة فوتوغرافية مانيكانات عرايا اصطففن أمام أحد محال ملابس النوم)، وملابس السهرة البنفسجية، وأيضاً الملابس المحتشمة لكن ذلك لا يغنى، كما يقول التقرير، عن تحرشات الأيادى الشرهة فى الأتوبيسات ودفاع السيدات الذى يكون أحياناً بالدبابيس. تقول لحايك: «كل شىء مباح فى نيويورك الشرق: شرب الويسكى أو الحجاب.. تدخين الحشيش أو الصلاة».
ثم نجد مقارنة بين أحياء القاهرة المختلفة التى تتراوح بين القاهرة الفاطمية التى «لم تتغير أو تكاد منذ العصور الوسطى»، والزمالك ملاذ العائلات «المرتاحة» ببناتها «اللاتى يرتدين المينى- جيب»، والأحياء السوبر لوكس، أو «وادى السيليكون» بشركاته العاملة فى مجال التكنولوجيا ومراكز الاتصال «التى يتكلم العاملون فيها العبرية لخدمة الزبائن الإسرائيليين».
ثم يبدأ التقرير فى دس السم فى سطور المعالجة حين يبدأ الحديث عن هوية مصر العربية وكيف أن البعض لا يحب هذه التسمية: «العرب هم أهل السعودية والخليج»، ثم تهدأ حدة التناول بتصريح لمحمود ثابت (كان والده المتحدث باسم الجامعة العربية، ووالدته كانت على صلة قرابة بأسرة الملك فاروق) الذى أكد أن القاهرة مدينة عربية، فهو يتبنى تعريف الجامعة العربية «نحن نتقاسم قيم الأمة العربية»، يقول ثابت تعليقاً على أجواء الثورة المصرية: «أنا لست ملكياً، الثورة قوة لا يمكن إيقافها، يمكننا أن نؤخرها لكن لا يمكننا إيقافها».
ثم يستعرض التقرير بعض الآراء عن الثورة: أحد رواد مقاهى وسط البلد يقول عن صورة الثوار التى تتصدر شاشة التليفزيون: «هم هنا صحبة، ليتسلوا لكنهم لا يفهمون شيئاً فى السياسة». ثم تصورات لثلاثة من التجار فى خان الخليلى الذين يعتقدون أن أحداث التحرير مدبرة خارجياً وممولة من جهات بعينها مثل الولايات المتحدة الأمريكية وقطر، والسعودية وإسرائيل لزعزعة استقرار مصر، ثم يؤكد أن السياحة أصبحت نادرة، إلى درجة أن محال الفول تأثرت، لأن المصريين أصبحوا يأكلون فى بيوتهم بدلاً من تناول الفول فى المطاعم!!.
ثم يأتى دور الثوار: الصورة تنتقل إلى مقهى يجلس عليه المشاركون فى المظاهرات الذين يتناقشون حول دور الجيش ويطالبون جميعاً بالحرية والديمقراطية ثم يأتى تصريح على لسان فتاة محجبة تنتقد فيه الإسلاميين «الذين يخلطون الدين بالسياسة».
ولكى يكتمل كوكتيل الكتابة قدم التقرير بعضاً من مظاهر الفرحة: ينقل لنا صورة لخطوبة شعبية فى الدويقة، حيث الأبواب كلها مشرعة عن آخرها فى منزل العروسة والعريس، ثم كأننا نسمع صخب الحفل فى قاعة الأفراح التى ذهبت إليها المحررة لتقدم صورة حية: رقص وموسيقى وتوزيع للحلوى.