ساعتان إلا ربع الساعة هى طول المدة التى استغرقها طريقنا من داخل مدينة سموحة بالإسكندرية وحتى أول مدينة العلمين، لتبدأ رحلتنا القصيرة جدا لرصد «أول نقطة» لممر التنمية الذى اقترحه الدكتور فاروق الباز، المعروض حاليا أمام الحكومة لتنفيذه، بجانب مشروعات لخبراء آخرين، لتكون مدينة العلمين هى البداية الحقيقية لتنمية هذا الجزء المهم من مصر، الذى «ينعم» بكثير من «الخيرات» تنتظر من «يحسن استغلالها».
جاء اختيارنا لبدء الجولة من إحدى مدن محافظة الإسكندرية، بعد الحديث مع أحد الخبراء وطرح الفكرة عليه، فقدم دعوته إلينا لبدء الجولة من الإسكندرية، ولقاء أهالى المنطقة لمعرفة رأيهم فى المشروع، وبالفعل اتفقنا على أن تبدأ الجولة - التى لم تستغرق أكثر من ساعة - من إحدى مدن «الثغر»، واتخذنا الطريق الدولى الساحلى الذى يربط ساحل مصر الشمالى ببعضه، «مسلكا» لنا، وبعده مررنا بقرى مارينا، ذلك المصيف المعروف بمصيف «المشاهير»، فهنا مركز مارينا السياحى وقرى فالنسيا وغرناطة وديانا بيتش، التى بمجرد أن تنتهى من هذه الأسماء تبدأ طريقك إلى العلمين.
«طريق مبارك سابقا.. البترول حاليا».. هذا هو اسم أول شارع فى مدينة العلمين، والذى يعد أول «نقطة» لممر التنمية، وهو الشارع «العمرانى» الوحيد فى المدينة، حيث تقع فيه العديد من العمارات التى يتم تأجيرها للعرب فى شهور الصيف الثلاثة، وأخرى يتم بناؤها حاليا، بجانب وجود محال مختلفة الأنشطة، فضلا عن موقف السرفيس الخاص بخط ميكروباصات الإسكندرية - العلمين، والمثير أن اسم الطريق يتداوله مرتادو وسكان الشارع بأنه طريق مبارك فقط، ولكن لا توجد «يافطة» أو لافتة صغيرة توضح اسم الطريق، فعادوا لاسمه القديم والمعروف بطريق البترول، وذلك بعد ثورة 25 يناير.
وإذا كانت العلمين لاتزال «صحراء»، فإننا قررنا سؤال الأهالى الذين يعيشون ويعملون فى أول طريق البترول عن «أحلامهم» لمدينتهم، سواء كانوا أصحابها أو اختاروها لتكون مكان معيشتهم و«مورد» رزقهم الجديد.
«الإخلاص والربح البسيط».. عبارة اختارها «جمعة» ابن مدينة العلمين، عنوانا لمحل الخضر والفاكهة الخاص به، والتى جاءت «ملخصا» لآماله فى المدينة، فقال جمعة لـ«المصرى اليوم»، إنه قرر فتح محله فى بداية الشارع، بالرغم من تأكده من تشغيله إلا 3 شهور فى السنة فقط، هم شهور الصيف، ولكنه كان على «أمل» أن تتم تنمية المدينة بالكامل التى ينتمى إليها، ليكون محله مفتوحا طوال العام وليس فى وقت محدد.
بجوار محل «جمعة» يقع مصنع صغير لأعمال «الجبس» افتتحه محمد «ابن المنصورة بالدقهلية» منذ أكثر من 5سنوات، قبل أن تكون هناك مبانٍ فى الشارع، حيث بدأ يحكى قائلا: «منذ نحو 5 سنوات، أتيت إلى هنا قادما من المنصورة للعمل، ووجدت هذا المكان الذى لم يكن به أى مبنى، وبدأت بالفعل فى بناء سور والعمل بداخله فى أعمال الجبس، واتخذت المكان للعمل والمعيشة فى الوقت نفسه، ومنذ مجيئى إلى هنا وكل من يقوم بالبناء فى الشارع وأصحاب الشاليهات وغيرها يتعامل معى، وهو ما شجعنى على الاستقرار هنا»، وأكد محمد أن هذه المنطقة واعدة بالفعل ويمكن معها إنشاء مصانع جديدة، يعمل فيها الآلاف من أبناء المدينة والمغتربين، مثل مصانع تكرير البترول ومصانع مواد البناء وغيرهما.
الحاج أحمد مرزوق، أحد سائقى سيارات الأجرة الذين يعملون على خط الإسكندرية - العلمين، فاجأنا بأنه يحمل نسخة من «المصرى اليوم» وباغتنا بقوله: «لو قلت كلام ومانزلش مش هشترى الجريدة تانى، أنا عايز حد يسمعنى من 30 سنة، المكان ده كله خير، خصوصا الصحراء الغربية، دى بتعوم على بترول، وسايبنه للأجانب، طيب الحكومة الجديدة ليه ما تستغلش ده، وتعمل مصانع تكرير فى المكان، يعمل فيها آلاف الشباب، بدل ما يخده مننا الأجانب».
وأضاف: «أنا شعرى شاب ومش خايف من حد، بس لازم الناس تعرف إن المكان ده ممكن يشغل ناس كتير قوى، وفيه هنا نباتات عطرية وطبية تنمو وتذبل فى الصحراء من غير ما حد يستغلها، مع إنها ممكن تتصدر بالملايين، ويستفيد منها المصريين كمان».
وهنا تدخل «خليل»، أحد أبناء العلمين، ليعترض على تواجد عدد من المغتربين فى المكان وعملهم، معتبرا أن هذه الأرض ملك لهم فقط، دون غيرهم من أبناء مصر، الذين يجب أن يعملوا فى مكان آخر، وهو ما اعترض عليه المغتربون أيضا بأن أرض الله ملك للجميع وعليهم العمل فى مكان «لقمة العيش»، قائلين: «خلى الحكومة توفر لنا فرص عمل هنا أو أى مكان، عايزين نشتغل ونمى بلدنا بجد، فيه هنا ترعة الحمام ياريت الحكومة تشغلها وإحنا بنفهم فى الزراعة كويس، وإحنا نعمر الأرض دى كلها».
وبعد نهاية الشارع الذى يصل طوله إلى نحو 2 كيلومتر، هى كل مساحة «العمران» فى العلمين، وصلنا إلى الحد الفاصل بين الشارع وباقى طريق البترول، حيث يقطعه خط سكك حديد مطروح، وهى محطة العلمين للقادمين من القاهرة، بعدها لا تجد سوى معسكر للجيش، وأراضى الصحراء، التى ظهر فيها جليا بعض النباتات، وإن كانت خبرتنا لم تجعلنا نحكم على طبيعتها، وهل كانت نباتات طبية وعطرية بالفعل، أم مجرد نباتات صحراوية بلا فائدة، لكن «الدليل» الذى اصطحبنا أكد لنا أن هذه النباتات طبية ويمكن استغلالها بالفعل، فى حال تنفيذ فرع لمعهد بحوث الصحراء، الذى يوجد فى القاهرة، دون معرفة أسباب تواجده هناك بعيدا عن أماكن عمله الفعلية، الذى من خلالها يدرس نباتات الصحراء، وقيمتها وكيفية استغلالها.
طوال الطريق الذى لم يزد على 7 كيلومترات لم نشاهد سوى الأراضى الصحراوية، وهو الطريق المؤدى إلى منخفض القطارة، الذى تدرس هيئة التخطيط العمرانى بوزارة الإسكان كيفية تنميته حاليا، وقابلنا الطريق الشرقى للطريق الذى يصل العلمين بوادى النطرون من طريق مصر - إسكندرية الصحراوى، وكانت سيارات نقل البترول والنقل العادى هى «صاحبة» الطريق طوال سيرنا فيه، حيث يصل الطريق إلى مصانع تكرير البترول هناك، حتى وصلنا إلى «ترعة الحمام» التى وجدناها جافة تماما، لا تعرف المياه طريقا إليها، وطالما نادى الكثيرون بتشغيلها طوال السنوات الماضية، لتقف جولتنا هناك، انتظارا لإصدار قرار بتشغيل هذه الترعة تلبية لمطالب أهالى العلمين والمغتربين فيها، لتبدأ أولى خطوات التنمية فى العلمين من «ترعة الحمام».