«الكرامة» كانت ومازلت كلمة سر الثورة السورية منذ انطلاقها في 15 مارس الماضي، وطوال هذه الأشهر الـ10، يدفع السوريون فاتورة الأهداف الإنسانية البحتة التي يؤكد الثوار أن انتفاضتهم انطلقت من أجلها، فرغم ما اعترى الاقتصاد السوري من انهيار، وما أحاط المواطن المقهور من حصار وتضييق، رفع السوريون لافتات «الشعب السوري ما بينذل» و«الموت ولا المذلة».
كان هذان هما الشعاران الأبرز في بدايات الانتفاضة الشعبية التي تفجرت من دمشق إلى حوران، وهي الشعارات الإنسانية التي أعلاها الثوار على المطالب الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية والسياسية، بل حتى عن إسقاط النظام.
ويرى معارضو «البعث» أنه في نظام مثل دولة الأسد، «يعد كسر حاجز الصمت أهم إنجازات الثورة حتى قبل سقوط الرئيس بشار. فنتيجة للقمع وإحكام النظام لقبضته على الأمن والجيش ودوائر السلطة، لم يكن أحد يتصور أن تقوم في سوريا يوما انتفاضة بهذا الحجم».
كسر حاجز الصمت أهم إنجازات 2011
وإذا كان كسر حاجز الصمت هو أهم إنجازات الثورة حتى الآن، فلا شك أن الثورة السورية كانت «الأكثر كلفة بين الدولة العربية المحيطة التي طالتها رياح التغيير من جهة عدد الضحايا»، وتشير إحصاءات التقرير الخاص عن الحالة السورية، والذي صدر عن مؤسسة «سيرت» الفرنسية، المعنية بالقضايا الاستراتيجية والأمنية، إلى أن قتلى الثورة تجاوز الـ5.104 شهيد، بينهم 332 طفلاً، و222 سيدة، أما عدد المصابين فوصل إلى أكثر من 25.000 جريح، فضلاً عن أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 50.000 مفقوداً، وفي حين يبلغ عدد الضحايا الذين ماتوا تحت التعذيب 177 شهيداً، مازال هناك حوالي أكثر من 59.000 معتقلاً.
هذا الجحيم أدى إلى فرار عدد كبير من اللاجئين إلى المناطق الحدودية، تجاوز الـ16.227، هناك من قصد تركيا وعددهم 10.227 بقوا في المخيمات الحدودية، بينما دخل الأراضي التركية رسميا أكثر من 4500، ودخل هؤلاء تركيا كسائحين ثم استأجروا منازل للإقامة، كذلك هناك من النازحين من فر إلى لبنان، ويبلغ عددهم 4272 لاجئا، إضافة إلى الأردن التي دخلها نحو 2.000 سوري منذ بداية الثورة.
الاقتصاد يظهر تماسكه كالنظام رغم ما يعتريه من خلل
أما الكلفة الاقتصادية، فكانت هي الأخرى واحدة من الأسوأ بين الدول العربية المحيطة، إذ شهدت الأسعار ارتفاعا حادا في السلع والمواد الاستهلاكية والغذائية، ترواحت بين 150 % و350%. كذلك تحول المازوت، المادة الرئيسية للتدفئة في سوريا، إلى أكثر المواد نقصانا في سوق الشتاء، وإن وجد يتراوح سعره بين 30 – 35 ليرة بدلا من 15، الأمر الذي جعل السوريون يطلقون النكات تحسرا على شحه.
ويشبه مراقبون الاقتصاد السوري بالنظام المتمسك بالحكم، في إظهارهما للثبات، رغم المشاكل التي تنخر بنيانهما، فعلى الرغم من تمسك مصرف سوريا المركزي بسعر صرف الدولار المعلن، ما يقارب 47 ليرة للدولار، لكن فعليا، يمنع شراء الدولار وليس هناك طريقة للحصول على العملة الأجنبية سوى السوق السوداء، التي يبلغ فيها في أحسن الأحوال 54 ليرة.
ويأتي إصرار البنك المركزي على تثبيت سعر الصرف للإيهام بأن الاقتصاد السوري متماسك، أما الهدف الثاني فهو استغلال احتياطيات العملة الأجنبية في المصرف المركزي لدعم الليرة. كذلك يشكو المواطنون من أنهم ومنذ اندلاع الثورة، ممنوعون من سحب أموالهم وودائعهم بالعملات الأجنبية، ومن يمتلك عملة أجنبية توقف عن إيداعها في البنوك، لأنه لن يتسنى له الحصول عليها إلا بالليرة السورية، وهو ما يعكس وجود أزمة بالقطع الأجنبي لدى الحكومة.
السوريون «ممنوعون من الصرف»
ومن الضربات التي تلقاها الاقتصاد السوري جراء أحداث قمع الثورة، إعلان شركتي «فيزا» و«ماستر» كارد العالميتين تعليق أعمالهما في سوريا، بما يحد إمكانية التداول والتحويل بين سوريا والخارج، لتصبح البطاقات الائتمانية الصادرة في سوريا غير ذات قيمة.
وتعتبر المعارضة أن الثورة السورية هي «الأكثر معاناة من جهة عدم حصولها على الدعم السياسي والاقتصادي، الذي حصلت عليه الثورات الأخرى، كما أنها ظلمت بعدم انحياز الجيش لها كما حصل في تونس ومصر»، ويقول إنه نتيجة لذلك فإن «الحركة الشعبية، رغم صمودها، لم تتمكن من قطف ثمار تضحياتها، وهو ما أدى إلى عسكرة الثورة بشكل تدريجي».
النظام استفاد من كونه محور ممانعة «كلامية»
استفاد النظام السوري من تعقيدات الجغرافيا السياسية ومن وظيفته كـ«واسطة العقد» في المحور الإيراني الذي يخترق العراق ليصل البحر المتوسط في لبنان، بالإضافة إلى هذا الدعم الإقليمي تمتع النظام السوري بدعم وغطاء روسي نتيجة لعبة المصالح ورغبة موسكو في الحفاظ على موطئ قدم في المشرق.
النظام استفاد كذلك من رؤية إسرائيلية تعتقد أن ممانعته كلامية لأن جبهة الجولان بقيت صامتة منذ 1974 حتى اليوم، وزيادة على ذلك كان الدور التركي فيه فترات صعود وهبوط، وربما تمثل الاختراق الوحيد في المبادرة العربية في 2 نوفمبر الماضي بعد صمت طويل أعقبته الجامعة العربية بمهلة تلو الأخرى دون جدوى.
وحدها المواقف الأوربية كان يمكن أن توصف بالحاسمة، غير أن واشنطن لم تصرح بوجوب رحيل الأسد إلا أواخر أغسطس الماضي، وهو ما أعطى النظام الانطباع بأنه، عبر اللعب على عامل الوقت، سيحقق الانتصار وفق سيناريو حماة 1981، لكن صمود الثورة أضاع الفرصة وأخذت العقوبات الأوربية والأمريكية تفعل فعلها في ضرب إمكانيات النظام.
المعارضة الخارجية تخذل الداخل بانقساماتها
وعلى نقيض الثورة الشعبية في الداخل، لم تكن المعارضة السورية في الخارج على قدر المسؤولية أو حتى على مستوى احترام تضحيات الشعب السوري، سيطرت الخلافات والنعرات الحزبية والشخصية على عمل المعارضة بالخارج فأخرت كثيراً من قيام هيئاتها التمثيلية وتواصلها مع الداخل.
وعلى سبيل المثال، هناك المجلس الوطني السوري الذي نشأ في إسطنبول، بعد تسوية بين جماعات حزبية هي الإخوان المسلمين، وإعلان دمشق، إضافة إلى برهان غليون وبسمة قضماني، وهناك أيضا تجمعات أخرى للمعارضة كتلك التي نشأت حول عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري، فضلا عن جماعات الأكراد، إضافة إلى جماعات أخرى تتمحور حول المعارض السوري هيثم المالح أو عمار قربي.
ويرى المراقبون أن هذا التنوع يمكن أن يدل على الحيوية للوهلة الأولى، لكنه، في الوقت نفسه، مؤشر للتفسخ الذي يخدم النظام، خاصة وأن المجلس الوطني لم يتمكن حتى الآن من أن يكون القاطرة الفعلية للعمل الوطني، عبر إقامة برنامج سياسي واضح للمرحلة الانتقالية، وطمأنة الأقليات بهدف توسيع قاعدة الثورة والأخطر من كل ذلك عدم التمكن من توسيع المجلس الوطني أو على الأقل التنسيق الفعال بين كل أطياف المعارضة.