المدينة الموحشة وذكريات الجميزة فى «أخت روحى» لـ«عمار على حسن»

كتب: محمد عجم الخميس 04-07-2019 22:57

إنها عوالم تتقاطع فيها دوائر تحمل الحالمين والمغامرين والمهمشين، يجاورها دوائر تحمل من يسير فى فلك المدينة الكبرى الموحشة، أو من يشّقون بحكاياتهم الزروع والنخيل وشجر الجميز بهذه الخلطة؛ يقدم الكاتب والباحث السياسى الدكتور عمار على حسن مجموعته القصصية الجديدة «أخت روحى» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، وتضم 14 قصة، تجسد لقطات من البيئة المصرية، وإبراز الواقع الاجتماعى لأبطال هذه القصص، متناولا أحيانا علاقة الإنسان بالإنسان، والإنسان بالحيوان، والإنسان بالنبات، فى قصص مكثفة تتهادى فى مشهد أو موقف وأخرى مطولة تضغط فى سطورها ما يمكن إن طال أن يشكل رواية كاملة يلعب المؤلف على وتر المشاعر النفسية، والتى يمكن وصفها- فى سرده- بالفياضة، والتى يمكن أن تتماس مع قارئها بشحناتها العاطفية، وبالتالى لا تكون مجرد قصة تُقرأ للمتعة ثم تنسى بعد ذلك.

ففى القصة الرئيسية «أخت روحى»، التى تحكى عن علاقة الأخ بأخته، يفتتحها بالقول: «ماتت أختى وداد، وجدوا جثتها متعفنة فى شقتنا القديمة البسيطة، التى لا تزورها الشمس، ويلثم الهواء نوافذها الضيقة من بعيد، ثم يهرب، كما هرب الناس من حول الجثة، واضعين أكفهم على أنوفهم. أنا لم أهرب، ولم أضع يدى على أنفى، بل اقتربت منها، وملت عليها فى هدوء، وسحبت شهيقًا طويلًا، وشممت أطيب رائحة. رأيتها، وهى ساكنة فى سلام، ترفع يديها، مرفرفة كيمامة شبعى، تهدل فى فرح، محلقة بعيدًا فى جوف سماء صافية» وعلى نفس وتر المشاعر يمكن أن نطالع قصة «مواء البنات»، لكن العلاقة هذه المرة بين الإنسان والحيوان، هذا الأب و«القطيطات» الصغيرة، التى تركها للشارع، ولكنه عاد يعض أصابع الندم على ذلك، يصف ذلك المؤلف قائلا: «عاد ويداه فارغتان، عيناه تحت قدميه، وأسفلت الشوارع يكاد يعيده إلى الخلف. كان خزيان وحزينا كأى أب ترك بناته على قارعة الطريق، ومضى».

أما عن العلاقة بين الإنسان والنبات، فيمكن أن نقرأه فى قصة «الجميزة»، حيث يتحدث راوى القصة عن شجرة الجميزة فى قريته وذكرياته معها.

بين مشاهد فى المدينة والريف اتخذ عمار على حسن مشاهد مجموعته، فهو يصف حياة الريف فى ومضات ومواقف يمكن أن نطالعها على سبيل المثال فى قصتى «الجميزة»، وفى قصة «ضحكنا فى جنازته»، و«الهاء» هنا تعود لـ«ابن ست الدنيا»، صاحب النكات التى تشيع بين أقرانه من شباب القرية البهجة الغضة. فى القصة تطالعنا ملامح الريف المصرى عبر الليالى المقمرة وشاطئ النهر والماء الجارى وتحت شجر الكافور والأرض المحصودة والطرف الآخر من الجسر، وهى الملامح التى أبدع المؤلف فى وصفها بقوة بلاغية وبسلالة السرد.

بقى أن نقول أن «أخت روحى» هى المجموعة القصصية السابعة لعمار على حسن، إلى جانب عشر روايات، وثلاثة كتب فى النقد الأدبى، وعشرين كتابا فى الاجتماع السياسى والتصوف، وسيرة ذاتية سردية، وتعد حول رواياته وقصصه أربع عشرة أطروحة جامعية داخل مصر وخارجها، ونال عن أعماله الأدبية وفى العلوم الإنسانية عددا من الجوائز منها جائزة الدولة للتفوق، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة اتحاد كتاب مصر فى الرواية، وجائزة الطيب صالح للإبداع الكتابى فى القصة القصيرة وغيرها.