الوثائق السرية لصفقة بيع الغاز لإسرائيل «2»: حسين سالم يظهر على الساحة

كتب: مصباح قطب, لبنى صلاح الدين الإثنين 27-06-2011 18:13

فى كف من تستقر كرة اللهب؟ سؤال حاولنا من خلاله الوصول إلى الأطراف الخفية وراء قضية تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، هل كان قراراً رئاسياً أم تدخلاً من جهات سيادية رأت وفق مقتضيات الأمور أن مصلحة مصر الخارجية وأمنها يقتضيان تحمل ضغوط الرأى العام المصرى الرافض كلية لهذا الفعل، أم أنه كان بيزنس خاصاً لرجل واحد استغل قربه من صانعى القرار ليجنى وحده الثمار، ضاربا بمشاعر المصريين والمصلحة العامة عرض الحائط.فى خلال 4 أسابيع، هى مدة جمع هذه الوثائق، بدا الوصول إلى الخيوط الرئيسية فى هذه القضية أمراً شبه مستحيل، لكن ثمة باباً كان التنقيب عما بداخله هو الأمل الأخير، فالأشخاص الذين يفضلون دائما البقاء فى الظل، ليسوا فقط يفضلون الابتعاد عن الأضواء، وإنما يحرصون على ألا يتعرضوا للمساءلة أو أن تطلب شهادتهم، لذا كان الحفاظ على سرية هويتهم وإخفائها كلية هو مفتاح قضية الغاز المصرى المصدر إلى إسرائيل.فى الحلقة السابقة عرضنا المخاطبات التى تمت بين مدير المخابرات العامة السابق اللواء عمر سليمان وسامح فهمى وزير البترول الأسبق.واليوم تكشف الوثائق أدوار عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، وعبدالخالق عياد، رئيس هيئة البترول الأسبق، وحمدى البنبى، وزير البترول الأسبق.تشير الوثائق إلى أن القصة بدأت فى التسعينيات، من خلال مخاطبات جرت بين وزارتى البترول والخارجية للتشاور بشأن مبدأ التصدير من عدمه دون الدخول فى تفاصيله، إلا أن تفاصيل الصفقة وظهور حسين سالم بدأ مع أواخر التسعينيات.. فإلى التفاصيل.

فى 21 ديسمبر 1998 وجه المهندس عبدالخالق عياد، رئيس الهيئة العامة للبترول، مذكرة إلى الدكتور حمدى البنبى، وزير البترول، فى ذاك الوقت، يعرض خلالها تفاصيل لقاء جرى فى فرنسا جمعه ومسؤولين بشركة كهرباء إسرائيل، جاء فيها «تلخيصاً لما دار فى اللقاء المنعقد فى مدينة باريس بفرنسا بحضور السادة رؤساء شركات أموكو مصر والدولية وهيئة كهرباء إسرائيل معى وذلك لمناقشة موضوع تصدير حصتى شركتى أموكو والدولية فى الغاز المنتج من حقولهما فى البحر الأبيض المتوسط بمصر إلى هيئة كهرباء إسرائيل- وأود أن أشير إلى طلب الشركتين من الهيئة المصرية العامة للبترول إصدار خطاب إلى هيئة كهرباء إسرائيل يؤكد عدم ممانعة الهيئة فى تصدير حصتيهما وهو ما يتفق مع نصوص الاتفاقيات المبرمة معهما بشأن البحث والتنقيب وإنتاج الغاز. وقد قمت بإعداد الخطاب المطلوب.

وأرى أن تصدير حصة الشريك الأجنبى يمثل ضرورة قصوى بعد أن تزايدت احتياطيات الغاز المؤكد، وكذلك تأكد فرص اكتشاف المزيد منه. أيضا الموافقة على طلب هاتين الشركتين سوف يكون حافزا لهما على المضى قدما فى تنفيذ خطط التنمية والبحث فى المستقبل وهو ما سوف يوفر لمصر نصيباً من الغاز يقابل التزايد المستمر فى الطلب على الغاز محليا».

ثمة خطاب آخر أرسله عياد فى اليوم نفسه إلى رئيس شركة كهرباء إسرائيلIEC، قال فيه مخاطبا رئيس الشركة والعضو المنتدب، رافى بيليد، «عزيزى.. لقد كان من دواعى سرورى أن ألتقى بك والسيد دفير- لم يوضح الخطاب هوية الشخص صاحب الاسم- فى يوم 16 ديسمبر 1998، وأنا متحمس للتقدم الذى أحرزناه فى إمكانية بيع الغاز لشركة الكهرباء الإسرائيلية.

ووفقا لمناقشتنا، فأنا أوافق على بدء المفاوضات التجارية التفصيلية بين شركة الكهرباء الإسرائيلية وشركتى أموكو وIEOC، والهيئة المصرية العامة للبترول.

وينبغى أن تضع تلك المناقشات جدولاً زمنياً للتفاوض يشمل المعالم الرئيسية، والمخطط العام لإيصال الغاز وإطاراً محدداً للشروط التجارية.

وكما ناقشنا فى إطار اتفاقيات الامتياز بين الهيئة العامة للبترول والمقاولين الأجانب، فإن المقاولين ملتزمون ببذل جهد مناسب لإيجاد سوق لتصدير احتياطيات الغاز.

وأيضا الاتفاقية تنص على أن الهيئة العامة للبترول والمقاولين الأجانب يجب أن يكون لهم الحق فى تصدير الغاز إلى جميع الأسواق.

وكما هو مبين فى الاجتماع فإن الهيئة العامة للبترول مازالت مستعدة (كما هو منصوص عليه فى اتفاقيات الامتياز) لتوفير الدعم الكافى من الغاز الذى قد يكون لازما لاستيفاء أى عقد بيع غاز.

أتطلع لحل سريع لهذه المفاوضات وبدء بيع الغاز. وبصفتى رئيس الهيئة العامة للبترول، فأنا متواجد وعلى استعداد لمساعدتكم فى تحريك هذا المشروع المهم للأمام».

وتتناول وثيقة أخرى محضر اجتماع أول لجنة تم تشكيلها للغاز الطبيعى بوزارة البترول، والتى شكلت بموجب القرار رقم 32 لسنة 1997 بقرار الدكتور حمدى البنبى، وزير البترول آنذك، وشكلت فى 6 يناير من العام نفسه، وترأسها المهندس عبدالخالق عياد، وكان من أهدافها إجراء الدراسات والبحوث وإعداد التوصيات اللازمة لوضع خطة قومية للغاز الطبيعى، وذكرت هذه اللجنة فى أول تقرير أعدته وأرسلته إلى مجلس الوزراء بتاريخ 5 مايو 1997- وتحتفظ الجريدة بصورة ضوئية منه: «إنه فيما يتعلق بتصدير الغاز الطبيعى فقد ناقشت اللجنة موضوع تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل وقد تفضل السيد الوزير بإحاطة اللجنة بالمناقشات التى تمت بين سيادته وبين السفير الإسرائيلى بهذا الشأن.

كما تفضل رئيس اللجنة- عبدالخالق عياد- بإحاطة اللجنة بالاتصالات التى تمت بين سيادته وبين مسؤولى شركتى «أموكو» و«الدولية» فى موضوع تصدير الغاز والذى أكد سيادته- فى إشارة إلى رئيس الهيئة- ضرورة الاتفاق بين الشركاء الثلاثة (الهيئة وشركتى أموكو والدولية) وتوحيد موقفهم تجاه تصدير الغاز.

وعن موضوع تصدير الغاز إلى تركيا، فقد أحيطت اللجنة بالاتصالات التى تمت مع الجانب التركى ورغبته فى شراء كميات إضافية واقتراحه بالكيفية.

وبالنسبة لطلب الجانب الأردنى استيراد الغاز الطبيعى المصرى، فقد أحيطت اللجنة بالاتصالات التى تمت مع الجانب الأردنى فى هذا الشأن، وقد أكد السيد الوزير- حمدى البنبى- ضرورة الاستجابة لطلب الجانب الأردنى والإسراع فى عمليات تصدير الغاز.

كما تم توقيع اتفاق بين الهيئة والشركة الدولية (شركة إينى الإيطالية حاليا) لإقامة خط لنقل الغاز إلى غزة لتوليد الكهرباء بقطاع غزة.

المراسلات التى تمت طيلة عام 1999 ظلت مفقودة، إلا أن الوثيقة التى تحمل رقم (230) والصادرة فى 29 يناير 2000، بقرار من رئيس الهيئة العامة للاستثمار آنذاك الدكتور محمد الغمراوى، ويذكر أن قرار إنشاء شركة شرق المتوسط جاء بعد 10 أيام فقط من الخطاب الذى أرسله رئيس المخابرات العامة إلى وزير البترول بشأن تصدير الغاز لإسرائيل وبتاريخ 19 يناير- حملت موافقة هيئة الاستثمار على إقامة مشروع شركة غاز شرق المتوسط- التى يترأسها حسين سالم وقتذاك- «على أن تختص الشركة بشراء جميع كميات الغاز الفائض للتصدير من الهيئة العامة المصرية للبترول وكذلك من شركات استثمار الغاز الأجنبية العاملة فى مصر، ونقل وبيع الغاز من جميع الموانئ المصرية فى أشكاله المختلفة الغازية والسائلة وبيعه إلى تركيا والدول الواقعة على الساحل الشرقى للبحر المتوسط وغيرها من الدول الأخرى» دون أى ذكر صريح إلى إسرائيل.

وبعد ذلك وبالتحديد فى 24مايو 2000، أرسل رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول خطابا رسميا إلى سفير مصر لدى إسرائيل محمد بسيونى يخطره بتفويض شركة شرق البحر الأبيض المتوسط وتحديدها كجهة مفوضة بشراء ونقل وبيع الغاز المصرى لإسرائيل وكذلك ضمان الهيئة لتوريد الكميات التى يتم التعاقد عليها بين الشركة والمستوردين الإسرائيليين.

وفى 19 مارس 2001 وجه رئيس الوزراء الدكتور عاطف عبيد خطابا إلى رئيس شركة شرق البحر الأبيض المتوسط (دون ذكر اسم حسين سالم بشكل مباشر) ونص على التالى:

«السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز، تحية طيبة، يسرنى إبلاغكم أن مجلس الوزراء قد اتخذ قرارا بجلسته فى 18 سبتمبر 2000 بتحديد أسعار بيع الغاز الطبيعى من الهيئة العامة للبترول فى مخرج العريش وغيره بسعر المليون وحدة حرارية بريطانيةMBTU طبقا للمعادلة المرفقة وبحد أدنى 75 سنتاً وحد أعلى 1.25 دولار، ويزداد الحد الأعلى إلى دولار وخمسين سنتاً فى حالة ارتفاع سعر البرميل من بترول برنت إلى 35 دولاراً أو أكثر. وهذه الأسعار للكميات التى سيتم التعاقد عليها معكم من الهيئة المصرية العامة للبترول ولمدة خمسة عشر عاما. ويمكنكم الاستناد إلى قرار مجلس الوزراء سالف الذكر فى الاستثمارات التى ستقومون بها وفى جدوى المشروع. حتى يمكن الإسراع بمد خط الأنابيب اللازم وبدء قيامكم ببيع ونقل وتصدير الغاز الطبيعى المصرى فى أقرب فرصة إلى الدول التى ستقومون بالتعاقد معها. ويتم موافاة وزارة البترول بصورة العقد المقترح من جانبكم فى أقرب فرصه للدراسة والتوقيع، ويحمل الخطاب توقيع الدكتور عاطف عبيد مذيلا بجملة مع خالص تحياتى.

من بين هذه المستندات، مذكرة مشروع قرار وزير البترول بتفويض رئيسى الهيئة العامة والشركة القابضة، والذى ينص على ما يلى: (بعد الاطلاع على قرار مجلس الوزراء بجلسته بتاريخ 18/9/2000، بشأن قيام الهيئة المصرية العامة للبترول ببيع الغاز الطبيعى لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز بهدف تصديره إلى الأسواق المستهلكة بمنطقة البحر المتوسط وأوروبا من خلال خط الأنابيب، وذلك لكمية تقدر بنحو 7 مليارات متر مكعب سنويا وتزداد فى حالة وجود فائض، وعلى قرار مجلس الوزراء المذكور بتحديد أسعار بيع الغاز الطبيعى المباع، وفى التعاقد مع شركة البحر المتوسط للغاز لمدة 15 عاماً يمكن تجديدها بموافقة الطرفين والترخيص لوزارة البترول ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للبترول فى إنهاء إجراءات التعاقد).

قرر: أولا: نفوض السيد المهندس إبراهيم صالح، رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، والسيد المهندس محمد طويلة رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للغاز فى توقيع عقد بيع الغاز لشركة شرق البحر المتوسط وفقا للأسعار والاشتراطات التى قررها مجلس الوزراء فى جلسته بتاريخ 18/9/2000، كما نفوضهما فى توقيع عقد بيع الغاز من شركة البحر المتوسط إلى شركة الغاز الإسرائيلية وغيرها من الشركات الإسرائيلية أو التركية أو غيرها كطرف ثالث ضامن لتوريد الكميات والمواصفات الفنية ومدة التوريد وفقا للتفاصيل الواردة فى هذه العقود والخاصة بذلك.

ثانيا: يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وينشر بالجريدة الرسمية.

جاءت مذكرة مشروع القرار ملحقة بمذكرة أخرى أعدت للعرض على وزير البترول، أعدها المحامى يحيى الروبى، مدير عام بالإدارة المركزية للشؤون القانونية، والمحامى أسامة أمين، مدير عام بالإدارة المركزية للشؤون القانونية، والمهندس شريف إسماعيل، وكيل الوزارة لشؤون الغاز، والمهندس شامل حمدى وكيل أول الوزارة، وتم استهلال المذكرة بعدة إشارات، الأولى تستند على قرار مجلس الوزراء المدرج فى مشروع القرار، وأيضا بالإشارة إلى الكتاب الوارد من رئيس المخابرات العامة المؤرخ فى 26 يناير 2004، وأيضا بالإشارة إلى طلب المهندس إبراهيم صالح، والمهندس محمد طويلة من خلال مذكرة رسمية باستصدار قرار وزارى لتفويضهم مجتمعين على التوقيع مع شركة شرق المتوسط.

وفى 7 يوليو 2004، أرسل أمين عام مجلس الوزراء الدكتور صفوت النحاس، إلى وزير البترول، المهندس سامح فهمى، ليخطره بأنه «بالإشارة إلى مذكرة التفاهم المرفقة بشأن الترخيص لوزارة البترول، ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للبترول، بإبرام العقود اللازمة مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز (شركة مساهمة مصرية) لتصدير كميات من الغاز الطبيعى المصرى للأسواق المستهلكة فى دول حوض البحر المتوسط والأسواق الأوروبية لمدة 15 عاماً قابلة للتجديد بموافقة الطرفين».

أتشرف بالإحاطة بأن مجلس الوزراء قد وافق فى اجتماعه رقم «86»، المنعقد بتاريخ 5 يوليو 2004 على مذكرة التفاهم المشار إليها، ووافق على تفويض سيادتكم فى التوقيع عليها نيابة عن حكومة جمهورية مصر العربية.

قبل هذا التفويض كان هناك قرار صادر عن رئيس مجلس الوزراء 18 سبتمبر 2000، فوض خلاله وزارة البترول، ممثلة فى الهيئة العامة للبترول، فى إنهاء إجراءات التعاقد- وليس التفاوض أو الاختيار- مع شركة غاز شرق البحر الأبيض المتوسط، وبناء على ذلك جاء تفويض وزير البترول سامح فهمى لرئيسى مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول والشركة القابضة للغاز فى توقيع عقد بيع الغاز لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط وفقا للأسعار والاشتراطات التى قررها مجلس الوزراء، كما نفوضها فى توقيع عقد بيع الغاز من شركة البحر الأبيض المتوسط إلى شركة الغاز الإسرائيلية وغيرها من الشركات الإسرائيلية والتركية أو غيرها وذلك كطرف ثالث ضامن لتوريد الكميات والمواصفات الفنية ومدة التوريد وفقا للتفاصيل الواردة فى هذه العقود الخاصة بذلك، على أن يعمل بهذا القرار من تاريخ صدوره وينشر فى الجريدة الرسمية.