بدأت النيابة العامة، الثلاثاء، مرافعتها فى قضايا قتل المتظاهرين، والفساد المالى، وتصدير الغاز، المتهم فيها الرئيس السابق حسنى مبارك، ونجلاه علاء وجمال، ووزير الداخلية الأسبق، حبيب العادلى، و6 من كبار مساعديه، ورجل الأعمال الهارب حسين سالم، وهى القضية التى تحظى باهتمام جماهيرى وإعلامى جعلها قضية القرن.
قالت النيابة فى بداية المرافعة إن الأقدار هى التى شاءت أن يتولى مبارك حكم البلاد دون سعى منه، ولم يتعظ مما حدث للرئيس الراحل أنور السادات، الذى قتل أمام عينيه، لكنه خضع لإرادة أسرته، وزوجته التى أرادت أن تكون أماً لرئيس، بعد أن كانت زوجة لرئيس.
ووصفت النيابة فى مرافعتها، التى استمرت قرابة الساعة ونصف الساعة، المتهمين بأنهم ماتت قلوبهم عندما تعاملوا مع المتظاهرين السلميين.. وطوال المرافعة ظل جمال مبارك، موجهاً نظره لممثل النيابة، الذى كان يتلو المرافعة، فيما وضع مبارك يده فوق رأسه والتزم الصمت، وكذلك باقى المتهمين، وقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة اليوم لاستكمال مرافعة النيابة، التى فضلت أن تكون مرافعاتها منفصلة فى قضايا قتل المتظاهرين، والفساد المالى، وتصدير الغاز.
بدأت الجلسة رقم 14 فى العاشرة والربع من صباح الثلاثاء، باعتلاء هيئة المحكمة المنصة، برئاسة المستشار أحمد رفعت، رئيس المحكمة، وهيئة المستشارين عن النيابة العامة، وأثبتت المحكمة حضور المتهمين المحبوسين، وحضر اللواء أحمد رمزى، مساعد وزير الداخلية للأمن المركزى سابقاً، بعد أن ترددت أنباء حول عدم حضوره الجلسة، بسبب نقله إلى المستشفى للعلاج.
وسمحت المحكمة للنيابة بالبدء فى مرافعتها، التى تولاها المستشار مصطفى سليمان، المحامى العام لنيابات استئناف القاهرة، واستهلها بقوله تعالى «تعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير»، ثم قال، دون أن ينظر إلى المتهمين طوال المرافعة: «الفترة من 25 يناير إلى 28 يناير 2011، أيام لم تشهدها مصر والعالم كله من قبل، لأول مرة يخضع حاكم للتحقيق والمحاكمة، هذا مشهد غير مسبوق، تلك القضية ستُذكر كل حاكم بأنه خاضع للمساءلة، ولا يوجد فى هذه البلاد من هو فوق القانون، بل القانون فوق الجميع، فالقضية عبرة للجميع، والقانون يجرد الحاكم من سلطته إذا أضر بها، القضية تعبر بالبلاد إلى آفاق جديدة، ويتحول فيها الحاكم من مستبد إلى إنسان عادى».
وأضافت النيابة: «قضية القتل والشروع فيه ليست كأى قضية عرضت على هيئة المحكمة، فالرئيس السابق للبلاد، ووزير داخليته، ومساعدوه متهمون بقتل شعب بأكمله، متهمون بقتل خيرة شباب ورجال ونساء وأطفال هذا البلد، المجنى عليهم فى تلك القضية قصدوا، مع غيرهم، تغيير النظام السابق، واجتمعت الأمة فى 25 يناير، بكل طوائفها وألوانها السياسية والدينية، على مطلب واحد، وهو حرية وكرامة وعدالة إنسانية».
وأكملت النيابة: «المتهم الأول فى تلك القضية، وهو مبارك، شاءت له الأقدار أن يحكم البلاد دون سعى منه، إلا أنه رفض ترك الحكم بإرادته وظل حتى نٌزع منه، أقسم برعاية مصالح الشعب، لكنه وضع مصالحه الشخصية أمام عينيه، وكذلك مصالح أسرته، هذا الرئيس السابق قام فى العقد الأخير بارتكاب جرائم كثيرة لم يرتكبها رئيس من قبله، وهى توريث الحكم، وفى سبيل ذلك قمع كل شخصية سياسية تقترب منه أو تحظى على حب الشعب، وأطاح بهم حتى يتحقق مشروع الثوريث، رغم أن الشعب أعطاه ثقته وعمراً طويلاً قرب على 30 عاما، وهى فترة كبيرة تبلغ نصف عمر الشيوخ، وكل عمر الشباب، لقد خذل مبارك الشعب من أجل مصالحه الشخصية التى غلَّبها على مصالح الدولة، عاند الزمن وقرر الاحتفاظ بالسلطة وبريقها حتى آخر يوم فى حياته حتى تخلص الشعب منه، لم يكتف بفترة واحدة وآسر الحكم، خضع لضغوط أسرته ليوافق على توريث الحكم، ورضخ لإرادتهم وإرادة قرينته التى أرادت أن تكون أما لرئيس بعد أن كانت زوجة رئيس، لم يدرك أن مصر ليست قطيعاً وأنها ليست عزبة أو تكية.
لم يدرك أن الشعب المصرى له حقوق عليه، لم يسمع صوت الشارع الذى يطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية، بلغت إهانته للشعب حينما قام نظامه بتزوير الانتخابات البرلمانية، وتزوير إرادة الشعب، فحدث الانفجار وتعالت الأصوات المطالبة برحيله، فقد رزق المتهم بملك لم يحسن سياسته، وكل من لم يحسن الملك يخلعه، واستحق المتهم الأول انتهاء مشواره بالانكسار والذلة، من قصر الرئاسة إلى قفص الاتهام ثم أشد العقاب، قام المتهم الأول بتكريس الدولة ومؤسساتها لتوريث الحكم، وأحكم سيطرته والحزب الوطنى على المقاعد البرلمانية، وسيطر على السلطة التشريعية، بالإضافة إلى السلطة التنفيذية، وأبقى العديد من الوزراء السابقين والمسؤولين فى أماكنهم رغم فشلهم، وهو ما أدى إلى تفشى الفساد.. تبنى الرئيس السابق سياسات اقتصادية أدت إلى ارتفاع الأسعار، وعدم تناسبها مع دخل المواطن، مما أدى إلى زيادة معدل الفقر وزيادة الأغنياء ثراء، ونتيجة ذلك تعالت الاعتصامات العمالية، وتقهقر الاقتصاد المصرى بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى انحدار البلاد وانحصار دورها الإقليمى، وفقدها مكانتها التى كانت تتمتع بها».
وانتقلت النيابة فى مرافعتها إلى المتهم الثانى رجل الأعمال الهارب فى إسبانيا، حسين سالم، بقولها: «حسين سالم، صديق الرئيس السابق وأسرته، صاحب المكانة المتميزة، بدأت علاقاته بمبارك فى السبعينيات حينما كان الثانى نائبا للرئيس، كان على علم بأنه يتاجر فى السلاح، وإدانته فى إحدى القضايا المتعلقة بالسلاح، ورغم ذلك أتى به ومنحه صداقته، وأحاطه بنفوذه ورعايته وحصل على أجمل وأحلى الأماكن فى شرم الشيخ، على البحر وفى الأماكن التى تعتبر محميات طبيعية، ومنحه الاستثمار فى المشروعات العملاقة، من سياحة وكهرباء إلى البترول والغاز، ومنحه قروضا ضخمة من البنوك، مما أدى إلى زيادة ثروته، فإذا كان مبارك منح سالم كل تلك المزايا، فماذا قدم سالم له؟».
وأكملت النيابة المرافعة بالانتقال إلى الحديث عن العادلى، فقالت: «تولى أطول فترة فى وزارة الداخلية قرابة 13 عاماً، وهو ما لم يحدث من قبل، بعد أن أثبت براعته فى القمع والاستبداد، خرج بجهاز الشرطة من خدمة الشعب وحمايته وتوفير الأمن له، إلى خدمة النظام والحاكم، واستخدم جميع السبل للحفاظ عليه، وقتل الفكر والحرية وحجب الرأى العام، واتبع سياسات أمنية خاطئة، بسط سلطات الأمن على جميع المؤسسات، وكرس الأمن لخدمة الحزب الوطنى ولإنجاح مشروع التوريث، لم يعبأ بالأرواح التى أزهقت، والعاهات التى حدثت بين المتظاهرين السلميين فى سبيل البقاء فى منصبه، وبقاء مبارك فى سدة الحكم، تشبثوا بالحكم حتى ولو على أرواح وجثث الشعب».
وأضافت النيابة: «كل جريمة الشعب أنه خرج يطالب بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، ما ذنب الأمهات والآباء المكلومين، الذين فقدوا خيرة شباب هذا البلد، لقد تعامل أفراد النظام السابق بقلب ميت مع المتظاهرين، لقد قست قلوبهم، صوبوا بنادقهم فى قلوب وبطون الضحايا وهى أماكن قاتلة، يدافعون عن نظام اهتز عرشه، جئنا إليكم اليوم بالماضى والحاضر والمستقبل، الماضى الذى عاشته الدولة فى ظل نظام قمعى، والحاضر الذى نعيشه بكل مساوئه ومخاوفه بسبب الفوضى والانفلات والغياب الواضح لمؤسسات الشرطة، والمستقبل الذى يمثل الأمل لهذه الأمة، لأن تلك المحاكمة ستحدد مصير السنوات المقبلة، سيكون حكمكم عبرة لكل من سيتولى مقاليد البلاد».
وأبلغت النيابة، خلال المرافعة، المحكمة بأنها ستفصل فى مرافعتها بين قضايا قتل المتظاهرين، والفساد المالى، وقالت إنها ستتناول وقائع كل دعوى، وحكم القانون فيها، والأدلة التى أحالت بها المتهمين إلى المحكمة، موضحة أنها استندت فى قرار إحالتها مبارك إلى المحاكمة إلى جريمة اشتراكه فى قتل المتظاهرين، عن طريق الاتفاق مع العادلى، وبعض قيادات الشرطة السابقة إحالتهم إلى المحاكمة الجنائية، فى ارتكاب جرائم القتل العمدى مع سبق الإصرار المقترن بجرائم القتل والشروع فى قتل المشاركين فى المظاهرات السلمية بمختلف محافظات الجمهورية التى بدأت اعتبارا من 25 يناير 2011، احتجاجا على تردى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بالبلاد، والمطالبة بإصلاحها عن طريق تنحيه عن رئاسة الدولة، وإسقاط نظامه المتسبب فى تردى هذه الأوضاع، وتعبيرا عن المطالبة بتغيير نظام الحكم القائم فيها، وذلك بتحريض بعض ضباط وأفراد الشرطة على إطلاق الأعيرة النارية من أسلحتهم على المجنى عليهم ودهسهم بالمركبات لقتل بعضهم، ترويعا للباقين وحملهم على التفرق وإثنائهم عن مطالبهم بهدف استمراره فى الحكم، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى بين المتظاهرين.
ونسبت النيابة إلى مبارك استغلاله للنفوذ لدى السلطات العامة بصفته رئيسا للجمهورية، وأخذ لنفسه ولنجليه علاء وجمال مبارك عطايا ومنافع عبارة عن قصر بمساحة كبيرة، و4 فيلات وملحقاتها بمدينة شرم الشيخ تصل قيمتها إلى 40 مليون جنيه، بأثمان صورية، مقابل استغلال نفوذه الحقيقى لدى السلطات المختصة، بأن مكن المتهم حسين سالم من الحصول على قرارات تخصيص، وتملك مساحات من الأراضى بلغت ملايين الأمتار المملوكة للدولة فى المناطق الأكثر تميزا فى مدينة شرم الشيخ السياحية بمحافظة جنوب سيناء، كما اشترك مع سامح فهمى، وزير البترول الأسبق، وبعض قيادات وزارة البترول، والمتهم حسين سالم، السابقة إحالتهم للمحاكمة الجنائية باعتبارهم فاعلين أصليين، فى ارتكاب جريمة تمكن حسين سالم من الحصول على منافع وأرباح مالية بغير حق تزيد على 2 مليار دولار، عن طريق إسناد وشراء الغاز الطبيعى المصرى للشركة التى يمثلها «ميدور» ورفع قيمة أسهمها وتصديره ونقله إلى إسرائيل بأسعار متدنية أقل من تكلفته الإنتاجية، وبالمخالفة للقواعد القانونية الواجب تطبيقها وأقل من الأسعار العالمية المقارنة بتلك الأسعار، مما أدى إلى الإضرار بأموال الدولة بمبلغ 714 مليون دولار، والتى تمثل قيمة الفرق بين سعر كميات الغاز، التى تم بيعها فعلا لإسرائيل، والأسعار العالمية.
وأسندت النيابة إلى حسين سالم تقديمه قصرا و4 فيلات وملحقاتها بمدينة شرم الشيخ إلى مبارك ونجليه علاء وجمال، مقابل استغلال نفوذ الأول فى تخصيص مساحات شاسعة من الأراضى المتميزة لشركاته بمدينة شرم الشيخ، واتهمت النيابة علاء وجمال مبارك، بقبولهما أخذ 4 فيلات قيمتها تزيد على 14 مليون جنيه بمدينة شرم الشيخ، مع علمهما بأنها مقابل استغلال نفوذ والدهما.
وانتهى المستشار مصطفى سليمان من عرض وقائع الدعوى، وترك الميكروفون لزميله لعرض الأدلة، فقررت المحكمة التأجيل إلى جلسة الأربعاء، لاستكمال المرافعة، وحاول أحد المحامين عن المتهمين مقاطعة المحكمة لتقديم طلبات قال إنه لابد من تحقيقها قبل المرافعة، إلا أن المحكمة لم تلتفت إليه ورفعت الجلسة.