نفحات رمضانية برائحة «الجنوب»

رغم اختلاف الاحتفالات بشهر رمضان من مكان لآخر، تبقى لمدن الصعيد، خصوصيته في التعبير عن قدوم الشهر الكريم، متفردين بحلقات الذكر اليومية، وفرق الإنشاد الدينى والمديح، وموائد الرحمن الأكبر في مصر، كما يتميزون بوجباتهم الخاصة وطقوس الإفطار والسحور، والتى يتوارثها جيل بعد جيل.

وتعد الأقصر، واحدة من المحافظات التي يكون لرمضان فيها شكله الخاص بها والمتفرد عن كثير من المحافظات لإبداع صورها، وعذوبة روحانياتها، وكثرة المريدين والوافدين إليها في هذا الشهر الكريم.

ويبدأ الاستعداد في الأقصر، منذ الإعلان عن يوم الرؤيا وتقوم العائلات والقبائل بإعداد «دورة رمضان»، ويخرج فيها الآلاف من الشباب والشيوخ في تجمعات كبيرة حاملين الأعلام والدفوف والرايات والعصى يطوفون الشوارع الرئيسيّة والميادين الكبيرة ويتجمعون في نهاية الدورة بميدان سيدى أبوالحجاج مرددين عبارات «يا رمضان يا رمضان.. بكرة صيام»، فيما يتسابق الشباب على ركوب الخيل، فرحًا بقدوم شهر الخيرات والبركات.

وكما يقول باحث التراث محمد أبوصالح، رئيس مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، إن الكثير من مناطق الأقصر وقراها، لا تزال تحتفظ، حتى الآن، بكثير من العادات التي ورثوها عن أجدادهم ويمارسون طقوسها كنوع من الحفاظ على البركة وتأكيدا على وحدة القرية ومشاركتهم المجتمعية مع بعضهم البعض، توزع كل منطقة الأطعمة التي تميزها عن غيرها، مؤكدا أن الأقصريين في مثل هذه المناسبات لا ينسون الأقارب وبناتهم ويجهزون لهم الزيارة من لحوم وطيور وياميش رمضان، كما تقام بالدواوين، الدعوات واستقبال الأهل والأصحاب على الإفطار، والتواجد في الديوان بعد التراويح للاستماع إلى الشيوخ الذين يصدحون بالقرآن على مدار الشهر في سهرات رمضانية يكثر فيها الذكر والمديح والصلاة على النبى الكريم.

وتابع، أن للأطفال أيضا عادات توارثوها وما زالوا يحرصون عليها والتى تتمثل في المدفع الحديدى الصغير، والذى يتم حشوه بالكبريت ويضربه الأطفال وقت أذان المغرب محدثًا صوتًا كبيرًا رغم تطور الصواريخ والبمب، إلا أن الأطفال يتفننون في سلاحهم ويرددون العبارات التي حفظوها من أسلافهم «أذن أذن.. عيشكم عطن.. افطر يا اللى صايم»، مسرعين فرحين نحو منازلهم لتناول وجبة الإفطار مع الأسرة.

ويحرص عدد من الأئمة على تجميع الأطفال عقب صلاة العصر في حلقات لحفظ القرآن ومراجعته لهم طوال الشهر وهى من العادات والتقاليد الموجودة والمستمرة طوال أشهر السنة.

والأقصر من المحافظات التي تكثر فيها موائد الرحمن، وتنتشر بأعداد كبيرة على الطرق السريعة الرابطة ببن المراكز والمحافظات المجاورة والتى تراجعت هذا العام بشكل كبير وتقلصت أعدادها مما أدى إلى دخول عدد من المؤسسات الاجتماعية، لإقامة موائد الرحمن ومنها مؤسسة «اسمعونا» والتى تقيم خيمتها في مستشفى الأقصر الدولى، و«مصر الخير» بقرى جنوب الأقصر، بجانب المائدة الكبيرة التي تقيمها القوات المسلحة وتستهدف نحو 300 صائم في اليوم

ويرى الإذاعى، محمد فتحى، أن للساحات الصوفية والدينية في الأقصر طابعًا خاصًا فإلى جانب أنها أماكن تمُسح فيها دمعة الباكى، ويفك فيها أزمة المهمومين، وتفريج كروب المكروبين، فإن لها دورها الاجتماعى والدينى والذى يظهر بشكل خاص في رمضان، فيتوافد إليها الأحباب والمريدون، من مراكز الأقصر والمحافظات المجاورة للقاء في الساحات، ومنها الساحة الرضوانية، وساحة الطيب، والساحة الجيلانية، وساحة الشيخ مرتضى، وساحة سيدى أبوالحجاج وغيرها من الأماكن التي تشتهر بالروحانيات العالية، والتى تميز الأقصر عن الكثير من المحافظات، والتى تتحول في نهاية اليوم لمجالس ذكر.

وأضاف أن الساحات الصوفية في الأقصر، تشهد بشكل دورى عشرات المحاضرات لكبار علماء الإسلام بجانب مجالس العلم وحلقات الذكر الشرعى، بالإضافة إلى مساعدة الفقراء ونصرة المظلومين، وإتمام المصالحات بين المتخاصمين.

وكما يقول الدكتور حمدى سعد، الباحث في التاريخ، أنه كانت من ضمن الطقوس الاحتفالية بالأعياد لدى المصريين القدماء فكرة «الصوم»، فقد أدركوا ﻓﻮﺍﺋﺪه ﻓﻰ ﺍﻟﺤﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺤﺔ، ﻭﻋﺮﻓﻮﻩ أيضا ﻛﻌﺎﺩﺓ ﺩﻳﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﻘﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻵﻟﻬﺔﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﺍﻟﻤﻮﺗﻰ ﻭﺗﻬﺬﻳﺐ ﺍﻟﻨﻔﺲ.

كما كانوا يصومون في عيد النيل وفاء له، حيث يعد مصدر رزقهم، إلى جانب أيام الحصاد وجنى الثمار، وللبقاء بصحة جيدة صيام 3 أيام في الشهر، فضلا عن اعتقاد سائد لديهم بأن الصيام يقربهم من الموتى وكذا إرضاء لهم لحرمانهم من طعام الدنيا.

ولكن اختلف صيام أفراد الشعب عن صيام خدام المعبد«الكهنة»، فكان على الراغبين الالتحاق بالمعبد، صيام 7 أيام متتالية، دون ماء، وقد تمتد إلى 42 يوما، بداية من شروق الشمس انتهاء بغروبها، بالامتناع عن تناول الطعام ومعاشرة النساء.

■ توزيع الأطعمة عادة تقاوم الزمن

يقول الباحث، محمد صالح، رئيس مجلس أمناء مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، أن العديد من قرى الأقصر ما زالت تحتفظ بعاداتها والتقاليد المتوارثة على مر العصور، موضحا أن السيدات المسنات تبدا منذ اليوم الأول لشهر رمضان في تحضير مشروب «البوظة البيتى» وأطباق الفول المدمس، وتوزيعها على الجيران قبل موعد الإفطار، عن طريق الأطفال الصغار، مؤكدا ان هذه عادات متوارثة في قرى البر الغربى، وبخاصة قرى القرنة والاقالتة، وكذلك في هذه المنطقة، فان طبق الرايب البلدى، يعد أحد الأركان الأساسية لوجبة السحور، حيث يساعد على عملية الهضم ويمنع الحموضة أثناء ساعات الصيام.

أما في مركز إسنا جنوب الأقصر، نجد الأهالى عقب الانتهاء من صلاة العشاء والتراويح، يتناولون طبق الفول النابت، بالليمون والخبز المحمص، مؤكدا أن هذه العادة يقبل عليها الكبار والصغار، وهى عادة ضرورية لديهم بغض النظر عما تحويه مائدة الإفطار من مأكولات بالمنازل.

وتعد «الويكة»، أو البامية الخضراء، من أهم الأطباق على مائدة الإفطار بالأقصر، وهى أكلة شهيرة في معظم قرى الصعيد عامة، والأقصر خاصة، ويعشقها أهل الصعيد، لأنها تعد وجبة خفيفة خلال فصل الصيف، وطبق رئيسى في رمضان.

وتعد الكنافة البلدى بالزبدة من أشهر ما عرفت الأقصر من أكلات رمضانية بوجبة السحور وما زال أهالى العديد من القرى يتناولونها، ويقومون بتحضيرها بسهولة، بخلط الكنافة البلدى بالزبدة الساخنة على النار ثم إضافة السكر عليها، وتناولها ساخنة.

■ مسجد الميناء الكبير بالغردقة.. دعوة وسياحة

مع بداية شهر رمضان الكريم يستقبل المركز الثقافى الإسلامى بمسجد الميناء الكبير بمدينة الغردقة العشرات من الأجانب من جنسيات مختلفة للتعرف على الإسلام والحصول على كتب وإسطوانات دينية مترجمة بعدة لغات بهدف توضيح الإسلام الوسطى الصحيح وشرح تعاليمه السمحة والرد على أي دعاوى تتهمه بأنه دين عنف ومعاداة للآخر.

وانتهت مديرية أوقاف البحر الاحمر من تجهيز مكتبة المركز الثقافى الإسلامى بمسجد الميناء الكبير بالغردقة بمكتبة تضم المئات من الكتب الدينية المترجمة لنحو 10 لغات أجنبية هي الدنماركية والسويدية والروسية والتشيكية والألمانية والإنجليزية والبولندية والفرنسية والإيطالية والهولندية، بالإضافة إلى توزيع كتيبات أخرى على عدد من مساجد مدينة الغردقة في المناطق السياحية، وذلك بالمجان وإتاحتها للسائحين المشاركين في رحلات (السيتى تورز) التي تنظمها شركات السياحة ويتم تعريف السائحين بمعالم مدينة الغردقة وبينها زيارة المساجد الكبرى حيث توفر الأوقاف ملابس من نوعية الإسدال للسائحات خلال زيارتهم كما يشهد المسجد عددا من حالات إشهار الإسلام من مختلف الجنسيات.

وأكد الشيخ جمال عواد، مدير عام أوقاف البحر الأحمر، أن وزير الأوقاف الدكتور مختار جمعة دعم هذه المكتبة بأئمة وعلماء يتحدثون عددا من اللغات ومؤهلين للرد على أي أسئلة من الأجانب لتوضيح الإسلام الصحيح والتعريف بسماحته وسيرة النبى صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم والعبادات والمعاملات وعلاقة الإسلام بالآخر، بالإضافة إلى توفير إسطوانات مدمجة محمل عليها عدد من الكتب وتمت زيادة الكتيبات المعروضة خلال شهر رمضان.

وأوضح عواد أن هذه الخطوة تهدف إلى نشر الدين الوسطى وذلك لمحاربة الفكر المتطرف الذي نشرته التيارات المتطرفة الداعية إلى العنف والإرهاب وهذه الخطوة تعد تحسينا لصورة مصر والإسلام الوسطى أمام الأجانب من غير المسلمين.

■ 3 آلاف صائم على مائدة الأشراف بمنفلوط

مجموعات من الشباب يهبون حياتهم طوال شهر رمضان الكريم للمساهمة في إفطار الصائمين على مائدة الأشراف المهديين في منفلوط، المائدة الأكبر في صعيد مصر بأكبر من 3 آلاف صائم يوميا.

وتقام المائدة، أمام مسجد وضريح الشيخ صلاح القوصى بمدخل الكوبرى القبلى بمدينة منفلوط في أسيوط، ومع بداية الشهر الكريم يتطوع العشرات من الشباب من بينهم أطباء ومهندسون وغيرهم للمشاركة في إعداد وجبات الإفطار طوال الشهر.

يبدأ الشباب يومهم، بالذكر ويختمونه بالذكر في حضرة يخصصونها يوميا. يقول إيهاب الساوى، المسؤول عن المائدة في منفلوط إن فكرة المائدة بدأها الشيخ صلاح الدين القوصى وهو من وضع كافة أنظمتها ووضع حجر الأساس لها، وكانت له طريقته الخاصة في حب رسول الله، وله 20 ديوانًا شعريا في حب رسول الله.

وأضاف الساوى أن المائدة يبدأ الإعداد لها منذ بداية شهر رجب حيث يتم الحصول على التصاريح اللازمة وبعد ذلك يتم الإعداد لنصب الصوان والمطابخ وإيصال الكهرباء وغيره من تلك المستلزمات الخاصة بالمائدة ويتم الانتهاء من تلك الأشياء تحديدًا قبل يوم 15 شعبان.

ويوضح إيهاب أن أكثر من 3 آلاف شخص يتناولون يوميا وجبة مكونة من ربع فرخة ومعها أرز وخضار وعصائر، مضيفًا أن الليالى الرمضانية تحييها فرق للإنشاد الدينى من بينها فرقة أبوشعر المشهورة.