قرر السيد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله، الكشف عن أسرار حربية مهمة تتعلق بالتجسس على طائرات الاستطلاع الرئيسية، وهذا يعكس حجم القلق الذى يعيشه الحزب بسبب تزايد الحديث حول احتمال قيام المحكمة الجنائية باتهام بعض الأشخاص المنتمين لحزب الله باغتيال الحريرى، وإن كانت التسريبات تؤكد أنهم سيتهمون بأنهم ارتكبوا الاغتيال بعيداً عن الحزب.
ويوضح هذا الكشف، والذى قد يحمل أضرارا عسكرية ولو طفيفة بالحزب، فى أن الحزب يضع استقرار الوضع الداخلى فى صدارة أولوياته، خاصة أن ذكرى أحداث مايو، والتى اضطر الحزب فيها للنزول للشارع لمواجهة قرارات الحكومة اللبنانية التى استهدفت شبكة اتصالاته، لاتزال ماثلة للذكر ولا يرغب حزب الله فى تكرار تلك الأحداث، لأن من شأن ذلك أن يؤثر على وحدة اللبنانيين فى مرحلة خطيرة للغاية، مع تزايد الحديث حول احتمالات اندلاع حرب إقليمية فى الشرق الأوسط.
فالحزب تمكن فى الآونة الأخيرة من أن يزيد من قوة موقفه فى الداخل، من خلال تدعيم أواصر تحالفه مع عون، وعمل علاقات طيبة ومتصلة مع تيار الحريرى، ومن ثم مع سنة لبنان، ومن ثم سيأتى الاتهام لعناصر من حزب الله - وإن كانوا تصرفوا بصفة فردية وفقاً للمحكمة - ليدمر علاقة الحزب مع السنة وهو ما لا يرغبه الحزب فى هذه المرحلة.
ويحقق التقارب بين حزب الله وتيار الحريرى مصلحة للطرفين، فبالنسبة للأول يجنبه مخاوف الصدام مع الطائفة الثانية من حيث العدد فى البلاد - بعد الشيعة- والأقوى مالياً بالتأكيد، بينما يرغب تيار الحريرى فى تجنب أى هزات جديدة للبلاد سواء بسبب حرب جديدة أو صدامات داخلية.
لذا فقد كان منطقياً أن يكون الحريرى هو من يخبر نصرالله باحتمال ورود أسماء عناصر من الحزب فى قرار اتهام المحكمة، وفقاً لما صرح به نصرالله نفسه، ليسمح للحزب بذلك بأن يظهر أدلة براءته للعلن، أى أن يشن «هجمة استباقية» على المحكمة الجنائية وإسرائيل.
لذا؛ فقد كان الرد المنطقى لحزب الله على خطوة الحريرى «التصالحية» أن يؤكد للحريرى صحة المأخذ الذى تبناه بالتعاون مع الحزب بدلا من الصدام معه والانقلاب عليه بدعوى الانتصار للحريرى من قتلته، ولا يكون ذلك إلا بدفع الاتهام عن حزب الله ليكون لدى تيار الحريرى اتهامات «بديلة» للاتهامات الدولية، ولاشك أن إسرائيل بوصفها طرفاً مستفيداً من اغتيال الحريرى واشتعال الوضع فى لبنان تشكل المتهم الأول فى محاولة اغتيال الحريرى.
وبجانب «المنطق» الذى يدعم تورط إسرائيل فى اغتيال الحريرى، دعم حزب الله اتهاماته لتل أبيب بوسيلتين أولاهما تكنولوجية تتمثل فى شرائط طائرات المراقبة الإسرائيلية لخط سير الحريرى، والثانية تتمثل فى الإعلان عن أدلة حزب الله بتورط إسرائيل من خلال مؤتمر صحفى لنصرالله نفسه بما له من مصداقية كبيرة فى الشارع العربى واللبنانى وحتى الإسرائيلى.
إذن فمقتضيات تهدئة الداخل فرضت على حزب الله الكشف عن بعض أسراره العسكرية، ليكون واضحا للغاية أن أولويات الحزب فى الاحتفاظ بوطن هادئ، بالتوافق وليس بالإخضاع، تحضيراً لاشتعال الوضع، وقد يكون هذا وشيكاً أو مفاجئاً، مع تل أبيب.