قبل 30 عامًا من ميلاد المسيح، آلت مصر كما أغلب ممالك الشرق إلى الإمبراطورية الرومانية عقب هزيمة الأسطول المصرى فى موقعة أكتيوم البحرية. ومنذ ذلك الحين أصبحت مصر «سلة غلال» للإمبراطورية الرومانية، وكانت تؤمّن احتياجات جيوشها التى تتوسع فى احتلال المزيد من الأراضى. إلا أنه مع مرور المئات من الأعوام تحولت مصر من مخزن لغلال أوروبا والشرق إلى أكبر دولة مستوردة للقمح، هذه الأيام يحل موسم حصاد القمح، وما بين ارتفاع تكاليف الزراعة وحصد سنابل القمح ونقلها إلى «الشون» يقف المزارع حائرا وصيدا سهلا للتجار خاصة بعد قرار وزير التموين استبعاد الجمعيات التعاونية الزراعية من منظومة تسويق القمح، والتى رأى شريحة كبيرة من المزارعين أنها فرصة ذهبية للتجار من أجل التحكم فى المزارعين.
عشرون عاما قضاها محمد شحاتة بين أرضه وبيته، لا يشعر برى ظمئه إلا إذا شربت الأرض معه، ولا يجد المتعة فى حياته إلا ببذر البذور ومنحها كل ما تحتاجه من أسمدة، تلك العادة التى عاشها سنوات، ينتظر مرور الشهور حتى يرى فيها سنابل القمح، ويعانى فيها من تراكم الديون عليه بدءًا من سعر السماد، لأن حصته المدعمة من الجمعية الزراعية لا تكفى أرضه، مرورا بتكلفة إيجار ماكينة الرى، وأجرة العمال الذين ساعدوه فى الزرع والرى والدرس، ليكتشف بعدها شحاتة أن نصيبه من حصاد القمح لا يعادل تعبه طوال الموسم.
خشونة الأرض الزراعية لم تُجبره على ارتداء خُفين فى قدميه، فتراه يتنقل بين أرضه الزراعية وسط أعواد القمح حافى القدمين، يتفحص سنابله خشية إصابتها بالحشائش العريضة، التى تنتشر بسرعة البرق بين الزرع، فتنخفض إنتاجية محصوله التى سهر عليها طوال ما يقرب من 6 أشهر كاملة، تنقل فيها أحمد عبدالعاطى، المزارع، من مواطنى الدقهلية، بين الجمعية الزراعية والسوق السوداء لشراء شكائر الأسمدة والتقاوى.
قال عبدالعاطى: «الفلاح المصرى محروم من الدعم البسيط الذى يحتاجه، فالحكومة لا توفر لنا الأسمدة الكافية أو المبيدات الصالحة، ومنذ اليوم الأول لزرع القمح فى منتصف شهر نوفمبر، لم يمر علينا مهندس زراعى من الوحدة الزراعية للنصيحة والإرشاد، فغاب دور مديرية الزراعة، وفى نهاية موسم الحصاد نقع فريسة للتاجر الذى يمتص دم الفلاحين، رغم أن مهمته الوحيدة أن يكون حلقة وصل بين الحكومة والفلاحين لشراء المحصول».
حسب أرقام المجلس الدولى للحبوب، يبلغ إنتاج القمح فى العالم سنويا أكثر من 700 مليون طن مترى، ويتركز الإنتاج فى كل من الصين والهند والولايات المتحدة وروسيا، إذ تستحوذ هذه الدول على أكثر من ربع إنتاج العالم للقمح.
وأوضحت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، ارتفاع نصيب الفرد من استهلاك القمح خلال العام 2017، مقابل العام السابق له. كما ارتفع متوسط نصيب الفرد من القمح، فى 2017، بنسبة 18.9% ليصل إلى 163.9 كيلو جرام، مقابل 137.8 كيلو جرام فى 2016، وفقًا للنشرة، وبلغ الاكتفاء الذاتى من القمح فى 2017، نسبة 34.5%.
وتعد مصر أكبر مشتر للقمح فى العالم، وتستهلك نحو 9.6 مليون طن من القمح سنويا لإنتاج الخبز المدعم. وقد استوردت 5.580 مليون طن من القمح فى 2016-2017 مقابل 4.440 مليون طن فى العام السابق.
غياب الميكنة الزراعية لحصاد القمح أجبر الفلاحين على اللجوء إلى العمالة اليومية التى تُحملهم نفقات زائدة، فقبل موسم جنى القمح بأيام اعتاد أحمد موسى، المزارع بقرية «الزنكلون» بمحافظة الشرقية، المرور على بيوت عمال اليومية للاتفاق معهم على حصاد المحصول والتنويه فى مسجد القرية: «الفلاح بيشيل همّ زرع المحصول.. وهمّ حصاده.. والفلاح فى الدول المتقدمة تقدم له الحكومة المساعدة والدعم لأنه العمود الفقرى للدولة، لكن فى مصر الفلاح يتعب ويشقى، وفى موسم الحصاد ميلاقيش أبسط حقوقه اللى المفروض الحكومة تقدمها له، وهى الميكنة الزراعية لحصاد القمح، وبتجبرنى الحكومة على تأجير العمالة اليومية، وأدفع لها من عرقى آلاف الجنيهات، الفدان الواحد حصاده بالميكنة لا يستغرق ساعتين، ولكن بالعمالة اليدوية يستغرق يومين وثلاثة أيام».
اشتكى المهندس عفيفى قادوس، مهندس زراعى بمحافظة الشرقية، من ارتفاع تكلفج تجهيز المحصول للبيع، قائلا: «الحصادة غير متوافرة بشكل دائم، ولم تعد الأيدى العاملة موجودة، بجانب غياب الميكنة الزراعية، واستبعاد الجمعيات التعاونية الزراعية من منظومة تسويق القمح، بعد قرار الدكتور على المصيلحى وزير التموين، أثر على عملية تسويق القمح، وجعل التاجر يتحكم فى المزارع بشكل كبير، لذلك لا بد أن يتم التسويق من خلال الجمعيات فى إطار شرعى».
وأشار قادوس إلى أنه تم بدء التوريد فى مراكز محافظة الشرقية منذ يومين، وأن موجة البرد التى شهدتها البلاد خلال الأيام الماضية وعدم استقرار الطقس، أجبر المزارع على التوقف عن الحصاد، وأن نسبة من سلم حصته من القمح من المزارعين لا تتجاوز 2%.
وأوضح قادوس ارتفاع قيمة إردب القمح هذا العام عن العام الماضى بما يعادل 100 جنيه للإردب الواحد، ووصلت قيمة قمح 22.5 نضافة 655 للإردب الواحد، وارتفعت قيمتها لتصل إلى 670 جنيها للقمح 23 نضافة، فيما وصلت إلى 685 جنيها للإردب الواحد قمح 23.5 نضافة.
قبل ستة أشهر، كان يحمل مسعود جابر فأسه، وكميات من الأسمدة فوق كتفه متجها نحو أرضه التى اعتاد أن يرى الشمس تشرق فيها كل صباح ليتابع نبتته فى أيامها الأولى من النمو، ويقيس سعادته بمدى نضارة الزراعة وقوتها، وترسم الشمس صباحا فى الوجود وتمنحه القوة والصبر والمثابرة، ويعد الأيام يوما بعد يوم ليأتى يوم الحصاد ذلك اليوم الذى يشعر فيه بثمرة ما بذل من مجهود.
وبدأت الصوامع ونقاط التجمع فى استقبال محصول حصاد القمح فى المحافظات وتسليم الأقماح من المزارعين، تحت إشراف لجنة توريد القمح والتى شكلها سيادته برئاسة المهندس مصطفى راشد مدير عام الزراعة، للإشراف الكامل على منظومة استلام الأقماح وفقا لخطة الوزارة فضلا عن تشكيل غرف عمليات مركزية وفرعية.
وفى المنيا، قال الدكتور محمود يوسف وكيل وزارة التموين، إن إجمالى ما تم توريده وفرزه من محصول القمح بالشون والصوامع ونقاط التجميع بالمحافظة بلغ 2185 طنا وذلك منذ بدء موسم الحصاد وحتى 24 إبريل الجارى.
وأوضح أنه تم التوريد لـ 3 جهات هى البنك الزراعى، وقطاع المطاحن، والقابضة للصوامع، مؤكدا على استمرار عقد الاجتماعات الخاصة باللجنة العامة لمتابعة توريد الأقماع على مستوى المحافظة. وأضاف أن لجان استلام القمح متواجدة فى كل نقاط الاستلام دون إجازات من الساعة 8 صباحا إلى 8 مساء برئاسة مفتش التموين فى كل لجنة.
وفى بنى سويف، صرح المستشار هانى عبد الجابر محافظ بنى سويف أنه تم بدء موسم توريد القمح 2019 «المنتج محليا» بالمحافظة منذ 12 يوما، مشيرا إلى أنه تم استلام 22 طن قمح بصوامع محطة «سدس»، والتنسيق بين التموين والزراعة للمراجعة المستمرة للمواقع التخزينية، تنفيذا لتوجيهات المحافظ فى هذا الشأن، وبالفعل تم المرور الميدانى والتأكد من استعداد كافة المواقع لاستلام القمح من المزارعين والتجار.
وفى أسوان، شدد اللواء أحمد إبراهيم محافظ أسوان على ضرورة تقديم جميع التسهيلات للمزارعين لانتظام استلام كافة كميات القمح من المحصول الخاص بهم خلال موسم الحصاد الذى بدأ منتصف إبريل الجارى وحتى منتصف يونيو القادم وذلك من المنزرع بمحصول القمح داخل زمام المحافظة بإجمالى 59 ألفا و744 فدانا وبمتوسط 18 إردبا للفدان.
وأكد على أهمية تسهيل كافة الإجراءات أثناء الاستلام لتفادى أى عقبات تعوق ذلك لسرعة تخزينها بالصوامع والشون المخصصة لها ومنها صومعة مطاحن أسوان بطاقة 6 آلاف طن، وصومعة مطاحن كوم أمبو بطاقة 5 آلاف طن، وصوامع مطاحن إدفو بطاقة 25 ألف طن، علاوة على صوامع مطاحن المفالسة بطاقة 60 ألف طن، فضلًا عن شون بنك التنمية والائتمان الزراعى بطاقة 400 طن.
وفى الوادى الجديد، أكد معاذ عبدالرحيم وكيل مديرية التموين أنه تم الاستعداد لاستلام محصول القمح من المزارعين والموردين بمراكز المحافظة بالصوامع والهناجر ومراكز استلام القمح المنتشرة بربوع المحافظة.
وقال إنه سيتم تخزين محصول القمح هذا الموسم فى صومعة الخارجة لأول مرة بعد الانتهاء من إنشائها وهى تتبع وزارة التموين وتم إجراء التجارب اللازمة من خلال تخزين كميات قمح بها لضمان جاهزيتها لاستلام محصول موسم 2019 الجارى، حيث تستوعب 45 ألف طن قمح، بالإضافة إلى صومعة شرق العوينات التى تستوعب 60 ألف طن.
وأشار عبدالرحيم إلى أن أسعار القمح هذا الموسم مجدية للمزارعين، والوادى الجديد تعتمد بشكل كلى على القمح المحلى بنسبة 100% على مدار العام، وتضم مساحة 206 آلاف و510 أفدنة قمح على مستوى المراكز الإدارية والشركات الاستثمارية الزراعية وأراضى تقنين وضع اليد الجديدة.
وفى قنا، أوضح اللواء عبدالحميد الهجان، محافظ قنا، أن إجمالى ما بلغ توريده من القمح بصوامع المحافظة 6719 طنا حتى الآن، مشيرا إلى أن إجمالى المساحات المنزرعة بمحصول القمح خلال الموسم الحالى بجميع مدن المحافظة بلغ 108 آلاف فدان والمتوقع توريده هذا العام يصل إلى 190 ألف طن، وأن إجمالى ما تم توريده العام الماضى بلغ 168 ألف طن.
وأكد «الهجان» أن عملية توريد وتخزين القمح وغربلته وصرفه والحفاظ على سلامته وجودته أثناء فترة التخزين بالصوامع تتم طبقا لنظام إلكترونى، لافتا الى أن السعة التخزينية الإجمالية للصوامع والشون بالمحافظة تبلغ 205 آلاف و590 طنا موزعة على عدد 4 صوامع بسعة تخزينية تصل إلى 190 ألف طن و8 شون بإجمالى طاقة تخزينية بلغت 15 ألفا و590 طنا.
وفى الأقصر، أعلن الدكتور تامر صلاح وكيل وزارة التموين بالمحافظة، أنه فى إطار موسم حصاد القمح تم استلام كمية قدرها 300.028 طن قمح فى بنكر إسنا وصومعة أرمنت حتى الآن.
وأشار وكيل وزارة التموين، إلى أن أسعار توريد القمح المحلى 685 جنيهًا للإردب درجة نقاوة 23.5، و670 جنيهًا للإردب درجة نقاوة 23، و655 جنيها للإردب درجة نظافة 22.5.
جدير بالذكر أن السعة التخزينية بالشون والصوامع المخصصة للأقماح بالأقصر 34100 طن، وهى تشمل سعة بنكر وشونة إسنا 28 ألف طن، وصومعة وشونة أرمنت 6100 طن.
وفى الإسكندرية، أعلن محمد سعد الله أحمد، وكيل وزارة التموين والتجارة الداخلية، انتهاء المديرية من الاستعدادات الخاصة باستقبال أقماح 2019 المحلى والمستورد من خلال تجهيز الصوامع والبناكر والهناجر الموجودة بـ3 أماكن تخزينية فى المحافظة وتطهيرها لاستقبال الموسم الجديد والتأكد من عدم وجود أقماح من الموسم الماضى.
وأوضح «سعد الله» أنه جار استقبال 230 ألف طن أقماح محلية للتخزين بالصوامع والبناكر المخصصة هذا العام والتى سيتم فتحها وجاهزيتها لاستقبال الأقماح من المزارعين.
وأشار إلى أن الأماكن المقترحة للتخزين العام الجارى 2019 هى صومعة برج العرب والتابعة للشركة القابضة للصوامع والتخزين بسعة تخزينية 60 ألف طن قمح وصوامع السلام بمنطقة العامرية والتابعة للشركة العامة للصوامع بسعة تخزينية 20 ألف طن وبناجر العامرية بسعة تخزينية مقترحة 90 ألف طن وصومعة الكينج مريوط التابعة للشركة القابضة للصوامع والتخزين بسعة 60 الف طن وذلك بإجمالى 230 ألف طن قمح.
وأشار إلى أنه تم معاينة الأماكن الثلاثة المقترحة من خلال لجنة للتحقيق من مدى جاهزيتها لاستقبال الموسم الجديد والتأكد من كونها خالية من أى أقماح من الموسم الماضى وإعداد تقرير بحالتها لوزارة التموين والتجارة الداخلية.
وقال الدكتور مصطفى البخشوان، وكيل وزارة الزراعة، إنه حتى الآن لم يتم بدء موسم التوريد فى المحافظة، مشيرا إلى أنه تم الاستقرار على ضوابط تداول وتوريد الأقماح المحلية لموسم ٢٠١٩ حيث تبلغ المساحات المزرعة من القمح بمحافظة الإسكندرية هذا العام ٦٩٢٥٧ فدانا بمناطق العامرية وبرج العرب وخورشيد والمعمورة.
وفى القليوبية، أعلن السيد الصباحى وكيل مديرية التموين، أنه تم توريد 158 طنا من القمح على مدى 7 أيام منذ اطلاق موسم الحصاد فى منتصف إبريل الحالى لصوامع مسطرد.
وصرح الدكتور علاء مرزوق، محافظ القليوبية، بأنه تم رفع الطاقة التخزينية للصوامع والشون والهناجر والبناكر بالمحافظة لتصل إلى 212 ألف طن بعد دخول الصوامع الجديدة بعرب العليقات بالخانكة والتى تبلغ طاقتها التخزينية 90 ألف طن، مشيرا إلى أن أماكن استقبال القمح بالمحافظة هى «صوامع مسطرد، بنكرى الهدى، وشونة مطحن بنها، وصوامع بنها» التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية كجهة تسويقية و«هنجر شبلنجة، وهنجر شبين القناطر، وهنجر كفر شكر وشونة كفر سعد بحيرى» التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعى.
وأوضح حسين أبوصدام، نقيب الفلاحين، أن ضعف الإقبال على عمليات التوريد حتى الآن يرجع لعدم حصاد أغلبية الزراعات لتغير الأحوال الجوية الذى أدى لتأخر نضج الأقماح بشكل كامل، مؤكدًا أنه خلال الخمسة عشر يوما المقبلة سيزيد إقبال المزارعين على عمليات التوريد.
وأكد الحاج حسين أن أسعار القمح جاءت وفقًا لما أعلنته لجنة التسعير التى شاركت فيها وزارة الزراعة، بتقدير تكلفة الفدان لحساب هامش ربح مناسب، مشيرًا الى أن درجة النظافه الاولى من القمح «23.5» بلغت 685 جنيهًا للإردب، فى حين سجلت الدرجة الثانية 670 جنيها، واستقرت الدرجة الثالثة والأخيرة عند سعر655 جنيهًا لإردب القمح.
وأشار إلى أن تلك الأسعار ضعيفة نسبيا لكنها لن تمنع غالبية المزارعين من توريد الأقماح نظرًا لتغطيتها تكاليف الزراعة.