عباسي مدني.. سيرة «الراعي الرسمي للمجازر الدمويّة» في الجزائر (بروفايل)

كتب: نورهان مصطفى الخميس 25-04-2019 13:08

صورة ضوئيّة باللونين الأبيض والأسود، لشاب ذي عينين ملونتين حولهما شعر قصير، يظهر خلالها مرتديًا بدلة رسميّة و«كرافتة» مُزركشة، تعكس هيئة شاب «مُهندم»، هكذا بدا عباس مدني، مؤسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، في سبعينيات القرن الماضي، كان حينها شابًا «أخضر»، يحمل درجة الدكتوراه في علوم التربية من جامعة لندن.

ولأنْ الأيام تُقلب أحوال البشر مثلما تتقلّب الأسماك في البحار المالحة، تحوّل «مدني»، الذي توفى أمس في الدوحة، بعيدًا عن موطنه الجزائر، عن عُمر ناهز 88 عامًا، إلى شخص تسبّب في مقتل حوالي ربع مليون جزائري، وعُرفَ فيما بعد بـ«الراعي الرسمي للمجازر في الجزائر والمسؤول الأول عن دخول بلاده في دائرة الإرهاب التي لا تنتهي».

منْ هو عباسي مدني؟

في 28 فبراير 1931، ولدَ «عباسي» في بسكرة، جنوب شرقيّ الجزائر، والمدينة التي تُعرف بأنها «بوابة الصحراء وملتقى الحضارات ومهد العلماء»، إذ تعلم على يد والده أساسيّات الدين، وتخرّج في مدارس «جمعية العلماء المسلمين»، كما درس في المدارس الفرنسية حينما كان الاحتلال الفرنسي للجزائر سائدًا.

وفيما بعد، درس «عباسي» إجازة الفلسفة، إذ حصل عليها عام 1970، وشهادة دكتوراه في الجزائر، ثم شهادة دكتوراه دولية من لندن في علوم التربية بين 1978، كانت تُشير نشأة «عباسي» أنه سيصبح رجل ذو شأن في وطنه، لكنه حوّل «خضرة» الجزائر إلى «دماء حمراء» وسلسلة أعمال إرهابية لم تنتهي إلا بحصد الكثير من الأرواح الشابّة والعجوزة.

عباسي مدني

بداية دمويّة

التحق «عباسي» في خمسينيات القرن الماضي برِكاب ثورة التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، إلى أنْ استقلت الجزائر عام 1962، ليعترض بعدها على احتكار حزب «جبهة التحرير الوطني» للعمل السياسي في البلاد، فظهر في أواخر الستينيات، ممارسًا النشاط الإرهابي تحت ستار «الدعوة»، بجانب ممارسة النشاط السياسي، إذ أنشأ جمعية «القيم الإسلامية»، لكن حظرها فيما بعد الرئيس، هواري بومدين.

وبعد إقرار التعددية السياسية في الجزائر، بموجب دستور 1989، أسس «عباسي» جبهةً أسموها «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، أكبر الأحزاب الإسلامية الجزائرية، والتي رفعت شعار «إقامة دولة مستقلة عادلة على أسس الإسلام»، إذ خاضت الانتخابات البلدية في الجزائر ثم التشريعية، وكادت تفوز بالأغلبية عام 1991، لكن الجيش أوقف ذلك، خوفًا على البلاد من الأعمال «الإرهابية» التي تبنّاها تيار «الجبهة الإسلامية» المُتطرف.

عباسي مدني

لم يهدأ حينها «عباسي» ورفاقه، إذ أشعل النيران في البلد، واندلعت أعمال العنف والدماء التي عُرفت باسم «العشرية السوداء»، إذ استمرت الحرب بين الجماعات الإسلامية والحكومة الجزائرية طيلة عقد التسعينيات.

وصفَ رئيس الوزراء الجزائري السابق، أحمد أويحيي، عباسي مدني، بأنه «رأس الفتنة والمسؤول الأول والراعي الرسمي للمجازر التي وقعت في الجزائر بدايةً من 1990، والتي أسفرت عن مقتل حوالي ربع مليون جزائري، والمسؤول الأول عن دخول البلاد في صراع مع الإرهاب«.

منفى اختياري

وفي شهر يوليو من عام 1991، أودعت السلطات الجزائرية، عباسي مدني وقيادات أخرى في السجن.

وبتاريخ 2 يوليو 2003، أفرجت السلطات الجزائرية عن عباس مدني ورفيقه علي بلحاج، بعد انقضاء فترة سجن، إذ قضى ما يقرب من 12 عامًا بين السجن والإقامة الجبرية، ثم هرب إلى الدوحة، بعد إطلاق سراحه، وعاش هُناك حياة «رغدة»، إذ كان يقيم في مبنى فخم بمعية أفراد عائلته، وحمل أحد أحفاده الجنسية القطرية، ولعبَ للمنتخب القطري لكرة اليد.

توفي في العاصمة القطرية، الدوحة، أمس الأربعاء، مؤسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، عباسي مدني، عن عمر ناهز 88 عاما.