يوميات سوري تحت الحصار: رسائل «الرجل البخاخ» أقوى من رصاص الشبيحة

كتب: أسامة شاهين السبت 31-12-2011 15:04

على غرار «سوبرمان» و«سبايدرمان»، ظهر في شوارع سوريا منذ اندلاع الثورة «الرجل البخاخ» الذي يملأ حوائط الشوارع برسوم الجرافيتي والعبارات المناهضة للنظام، والذي تطارده قوات الأمن التابعة لحزب البعث بشكل دائم ومستميت، فلا يهدأ لهم بال حتى يلقون القبض عليه.

لم يبدأ شعار «إجاك الدور يا دكتور» كعبارة ارتجالية ترددت على ألسنة المتظاهرين، بل بدأ كعبارة تهديد كتبها «بخاخ مجهول» على أحد جدران دمشق في جنح الظلام سرا، وجهها إلى الدكتور بشار الأسد، طبيب العيون الذي أصبح رئيسًا لسوريا عقب وفاة والده الرئيس السابق، حافظ الأسد، وذلك عقب تنحي الرئيس حسني مبارك عن الحكم في مصر، ومن قبله هروب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى السعودية، على وقع ثورتين ألهمتا لاحقًا ثورات أخرى في العالم العربي.

ومنذ ذلك الحين، انتشر نموذج «الرجل البخاخ» في معظم المدن السورية الثائرة، من خلال تعاون مجموعة من الشباب، مستخدمين الدهان البخاخ سلاحا لهم في إيصال ما يرغبون إيصاله إلى السلطات الأمنية على الحوائط والجدران. هذه الرسائل البخاخة تكون في أحايين كثيرة أقوى من تلك الرصاصات القاتلة التي يطلقها عنصر الأمن أو الشبيح.

وذات مرة كتب «الرجل البخاخ» عبارة «حرية» على صيدلية في حي «الجسر الأبيض» في دمشق، يملكها نجل اللواء آصف شوكت، نائب رئيس أركان الجيش، وصهر بشار الأسد.

ولكل مدينة مجموعة متخصصة من البخاخين، يبثون رسائل بعينها يقومون بكتابتها على جدارن المنازل وأسوار المدارس وحوائط المصالح الحكومية. لكن لتلك المهمة الاستراتيجية في مدينة حمص رواية تختلف عن باقي المحافظات. ففي أغلب المناطق يكون الشخص المناط به تلك الوظيفة ملثما بحيث يصعب التعرف عليه، أما في  حمص، وحسب ما يروي أهلها، فإن كل مواطن ثائر يعتبر نفسه في اللحظة المناسبة «الرجل البخاخ».

هذا ما يؤكده «حسان»، قائلا «عندنا بحمص أي طفل أو طفلة، مو بس شابة، متى ما شافت اللحظة مناسبة لتلعب دور الرجل البخاخ، بتطلع فورا هي ورفقاتا، ويبلشو يكتبوا شعارات الثورة والثوار. وبدك أكتر من هيك يا سيدي هاديك المرة طلاب الصفوف الثانوية طلعوا من المدرسة ما لقوا دورية الأمن المتعادة، بلشوا يكتوا عحيطان المدرسة معظم شعارات الثورة من إسقاط النظام إلى شعار غريب كتبوا فيه: تعلن مدرستنا استقالتها عن وزارة التربية السورية لحين إشعار آخر».

ويضيف حسان: «ما في ساعة بعد ذلك حتى أجو عناصر الأمن وبلشوا بسرعة المذهلة بإزالة كل الكتابات يلي كتبوها عالحيط، وبعبارات مختلفة عن ما كتبوه، مرات ما بيكون في مجال للكتابة فبيسودوا كل الحيطان بالأسود، وكل مين بمر قدامها بيعرف أنو الحيطان كان مكتوبة عليها عبارات مناهضة للنظام».

يؤكد الشباب أن مهمة الرجل البخاخ ليست ترفا بل هي مهمة خطيرة تعرض صاحبها لخطر الاعتقال والاستشهاد. يقول نجيب: « هيدي حمص ورحمة روحو لمحمد راتب النمر ما راح نترك حيط بحمص دون شعارات». وكان نجيب يتحدث عن شهيد حمص الذي راح في شهر يوليو الماضي ضحية الشبيحة، عقابا له على عباراته اللاذعة التي كان يسجلها بحرفية وخفة ظل على جدران المدينة.

ويضيف نجيب «هيك كان بدو محمد ووصيتو راح ننفذها بكل إيمان، وقت كان يطلع محمد كان الوضع كتير خطير وكل مرة كان يطلع كان حاطط كفو على روحو، وهلا الأوضاع أحسن بكتير لأننا مسيطرين على تلت ترباع المدينة وبدون يانا نوقف (يريدون منا أن نتوقف)».

أما «الحسين» فيشير إلى نقطة لا تقل أهمية عما قاله نجيب: «ياسيدي وعلى قاعدة رب ضارة نافعة، النظام يئس منا وأحسن شي استفدنا من الرجل البخاخ أنون في حمص ما عم يسترجو يقطعوا علينا الكهرباء متل باقي المناطق، خاصة المناطق يلي ما طلعت فيها مظاهرات بالشكل المطلوب، لأنون خايفين كتير يفيقو الصبح على ثورة من الشعارات على حيطان الأحياء، ونحن جاهزين لكل شي متل ما هن ما عم يتركو شي ما بيساووا نحن كمان جاهزين لانتهاز كل الفرص، ومشان هيك انبسطو الأهالي أنو ما عم تنقطع كهربا، هن ما نون عرفانين (لا يعرفون) أن الرجل البخاخ هو السبب».   

ومن ميدان التظاهرات، يقول «لؤي»: «ماراح نكل أو نمل طول ما مصير الأستاذ أحمد خانجي غير معروف». أحمد شاب معروف، ليس فقيرا أو أميا، كما يشاع في أغلب الأحيان عن الروايات الرسمية للنظام وشبيحته. فرفاق أحمد يؤكدون أنه شاب في العقد الثالث من عمره، يعمل مهندس مكانيك كهرباء ويسكن في أرقى أحياء العاصمة بمنطقة أبو رمانة، وله ما يكفيه اقتصاديا لكي لا يشارك في الاحتجاجات عن طريق بخ الكلمات على حوائط الحي.

ويوضح لؤي «أحمد كان يختار دمشق القديمة لكتاباته وعباراته المعروفة ضد النظام، كمشوه (ألقوا القبض عليه) وهو عم يكتب على الحيطان، وللأسف، لولا مساعدة الأهالي ماكانوا قدروا يعتقلوه».

ويشير لؤي إلى أنه ومنذ اليوم الذي قبض فيه على أحمد، ووزارة الداخلية «طلعت قرار بمنع بيع الدهان وعلب البخاخ إلا بإبراز الهوية الشخصية للشاري، لكن متل ما إلون عوايينية (مثلما لهم مخبرون)، لنا مواطنين شرفاء يؤمنون لنا البخاخ والدهان اللازم. وكل حيطان المدن والأحياء الثائرة أكبر شاهد على خروجنا بالتظاهرات المناهضة للنظام لحتى إسقاطه».