:
أنا امرأة من القاهرة، عمرى 31 عاما. أعمل محاسبة بشركة خاصة. لدىّ أخت واحدة أصغر منى بخمس سنوات. توفيت أمى وأنا طفلة عمرى 10 سنوات. فتقلدت مكانتها، وأنا في أشد احتياجى إليها. فكنت أما لأختى، وسندا لأبى كما كان يردد على مسامعى طوال الوقت. لا أعرف كيف سارت الأمور بهذا الشكل، لكن كل ما أدركه جيدا، وواثقة منه، أن ربنا لا يتخلى عن أحد. فأبى لم يتزوج بعد والدتى حتى الآن، وأختى كبرت وأنهت دراستها الجامعية. والحمد لله كله بتوفيق وفضل الله. حتى تعرفتُ على شخص طيب وودود، من خلال علاقات العمل، حيث يعمل بشركة أخرى، وبمجال آخر بعيدا عن المحاسبة، لكن ظروف العمل هي ما جمعتنى به. قرر خطبتى ووافقت. هو من عائلة مستواها ماديا أفضل من عائلتى، لكن ليس بالفرق الذي يشعرنى معه بالدونية. بل هو من كان معجبا وفخورا بى وبما فعلته تجاه عائلتى بعد وفاة أمى. استمرت خطبتنا عامين، حتى يتمكن أبى من تجهيزى، خاصة أن أختى قد كبرت هي الأخرى، وأصبحت على «وش جواز». أتممنا فرحنا وكان زوجا طيبا ومتعاونا. وسارت بنا الحياة هكذا. الحمد لله بلا مشاكل، سوى بعض المناوشات الخفيفة التي تحدث بين أي زوجين، ولا ندعها تأخذ من يومنا طويلا، وسرعان ما نعود. وجاء الحمل ليكمل فرحتنا. حينها شعرت بأن ربى يكافئنى، وتذكرت قوله تعالى «ولسوف يعطيك فترضى». لكن يا سيدتى، مشكلتى بدأت، عندما قررت أنا وزوجى، السفر إلى أمريكا، لتكون الولادة هناك، حيث تعيش أخته وزوجها هناك منذ 10 سنوات. وكان اتفاقنا أن الغرض الحقيقى والأوحد من السفر هو الولادة فقط، وليس الإقامة هناك. وبعد الولادة نقرر، إذا وجدنا راحة ماذا نفعل؟ لكن بمجرد أن يشعر أحدنا بعدم الارتياح فسنعود على الفور. ولذلك كلانا لم يقدم استقالته، بل قدمنا على إجازة. ولم نتصرف في شقتنا، ولا في أي شىء من أثاثها. واتفقنا على ترك نسختين من مفاتيح الشقة، واحدة مع والدى، والثانية مع والده. لكننى بعد السفر اكتشفت أنه ترك نسخة والده فقط، بحجة أن والدى مرض، ولم يستطع الذهاب لأخذ نسخته. ورقه تعطل بعض الشىء في عمله، فلم يستطع السفر معى في نفس اليوم، خاصة أننا لم نستطع تأجيل الحجز أو تغييره، فسافرت قبله بأسبوعين، على أن يلحق بى. وكانت أخته في استقبالى بالمطار. طبعا كان الموضوع صعبًا علىّ جدًا، أن أسافر وحدى، وأقيم عند أخته وزوجها، وهو ابن عم زوجى، خاصة أننى لم أرهما إلا مرة واحدة في فرحى فقط. علاوة على مرارة الفراق، التي شعرت بها للمرة الثانية، بعد وفاة أمى. فقد كانت المرة الأولى التي أفترق فيها عن أبى وأختى، وكان الأمر بذات الصعوبة عليهما أيضا. حتى زوجى فكانت المرة الأولى التي أبعد عنه فيها منذ رأيته. فبعد سنة ونصف من الزواج، وخطوبة لمدة سنتين كنا تقريبا نرى فيها بعضنا كل يوم، وبعد الزواج كل مشاويرنا كانت سويا، لا يفرقنا سوى ساعات العمل فقط. ناهيك عن أننى كنت لا أفكر في السفر مطلقا، لظروف أسرتى كما ذكرت لك. فقبل الزواج عرض علىّ السفر لكننى رفضت، لكن عندما حملت قلنا نسافر علشان الولد ياخد الجنسية. وسافرت وبدأت المشاكل. فأخته شخصية صعبة جدا. وتحب التحكم والسيطرة. وزوجها كان دائما يشعرنى بأننى جاية من الفلاحين. وإن مصر مافيهاش أي نوع من أنواع التحضر. كان كلامهم وطريقتهم تضايقنى جدا. وأخته كانت تكلمنى وتعاملنى على أساس أننا مقيمين بلا عودة. فكنت أقول لها، لا لم نقرر شيئا، فتقول لا، أصل مافيش حد بييجى وبيرجع. ده يبقى عبط. المهم تعبت منهم جدا، وكلمت زوجى في التليفون، وأنا منهارة من البكاء، وطلبت منه أن يجعهلما لا يتكلمان معى في شىء، ويمتنعان عن التدخل في حياتنا، على الأقل حتى يأتى. وبعدها فعلا كفا عن التحدث معى في أي حاجة شخصية. وجاء زوجى، وبدأت الخناقات تتسرب إلى حياتى أنا وزوجى، عندما علمت أنه لم يترك مفتاح الشقة لأبى، بحجة أنه لم يودعه في المطار. وتلك كانت أول مرة يكلمنى بطريقة غريبة، عن طريقته اللطيفة والحنينة معايا اللى متعودة عليها. وزادت الخلافات بيننا، لدرجة أننا قعدنا أسبوع متخانقين، وقاعدة في البيت لوحدى، وهو كل يوم خارج مع أخته وزوجها، ولا كأننى موجودة. وبدأ يشعرنى بأننى إن لم أتقبل أهله، فسيتركنى هكذا. وكان يومى يمر وأنا حبيسة غرفتى، لا ونيس معى سوى البكاء. وندمت أشد الندم، على أننى سمعت كلامه وتركت مصر وأهلى. وكانت الصدمة الثانية اكتشافى إنه يدخن سجائر. لأننا كنا متفقين إنه بطلها، وفعلا لم يدخنها منذ أيام الخطوبة. وكانت تلك من ضمن مشاداتى مع أخته، إنها قالت لى «إنه بيدخنها من بدرى، ده أخويا وأعرفه أكتر منك. فاتخانقنا، وقولت له، طالما إنت راجل كده، طيب ما تدخن قدامى. وكانت الصدمة التالتة، طريقة رده علىّ قدامهم. قال لى إنت مجنونة يا بت، أنا أعمل اللى أنا عايزة». دخلت غرفتى وبكيت بشدة. هل هذا زوجى، الذي كان يختار كلماته، وهو يحدثنى حتى لا يجرحنى؟ وبدأت أجمع أغراضى، لأذهب لعمى، الذي يقيم في ولاية ثانية، لأننى لا أعرف أحدا سواه، وحتى أبعد عن أخته التي هي سبب كل ما حدث. لكننى فوجئت بإخفائه، الباسبور والذهب والفلوس. وتلك الصدمة الرابعة. وحتى لا أظلمه، فقد دخل حتى يمنعنى، فدخلت في حالة هستيرية من البكاء والصراخ، فخاف علىّ وعلى الجنين، وبدأ يهدئ من روعى، واعتذر لى. وحاولت أن أسامحه، لكننى لم أستطع لأنه أهاننى كثيرا. واتصل بى والدى، وعرف من صوتى أن هناك مشاكل. وحكيت له كل شىء، فقال ألم يكفه ما فعله هنا قبل سفره؟ فقلت له ماذا فعل؟ قال ذهبت إليه أكثر من مرة لآخذ المفتاح، فكان يتحجج في كل مرة، وقام بتغيير كالون الشقة، وأشياء أخرى، لا أريد أن أزيد همك بها. وفى النهاية هو زوجك، ولازم تكونوا مع بعض، سواء هنا أو هناك. حاولى تهدى علشان نفسك واللى في بطنك، وتتجنبى المشاكل قدر المستطاع. وطبعا عندما واجهته بما عرفته، ثار وقال لى أنا حر أعمل اللى أنا عاوزه. ومفيش رجوع لمصر تانى، وهنعيش هنا ولن أضيع تلك الفرصة من يدى. لا أستطيع أن أصف لك كم اليأس والحزن الذي شعرت به. غربة، وحدة، تغير زوجى معه، وشد أزره بعائلته. فلم أجد أمامى إلا الانصياع لأوامره. فكتمت كل ذلك بداخلى، على أمل أن قدوم ابنى سيغير ذلك، ويملأ علىّ حياتى. لكننى لا أستطيع أن أسامحه، وأصبحت فاقدة الأمان معه، ولا أثق فيه. ومشاعرى تغيرت من ناحيته. وطوال الوقت وأنا أفكر في الرجوع إلى مصر. فماذا أفعل؟
ى.م»- القاهرة
:
.